بقلم: كلودين كرمة
اريد ان اعتزل هذه الحياة لأنها تغيرت ملامحها وتزينت بالقبح فان كانت هذه زينتها فما بالكم بما تخفيه وتحجبه عنا !! ألوانها أمست باهتة، وخلفيتها مبهمة ، تخفى الكثير من الوجوه المتجهمة، وفى أركانها الكثير من العيون الناقمة،
ونرى الأحرف وقد تناثرت ، فلا تعد الكلامات لها قيمة ، والجمل بلا محتوى ففقدت المشاعر صدقها ، والأوتار أضحت بلا انغام فى غياب الإيقاع حتى عمت الفوضى فى أرجائها ، وتداخلت أبعاد اللوحة فلم نستطع ان نميز بالحق من هو القريب ومن هو البعيد وقد تسربت الألوان وسالت فتطمست الكثير من الملامح ودلالاتها ؛ فكيف يتسنى لنا إن نميز الصالح من الطالح ؟ وكيف لنا ان نطمئن وتهدئ نفوسنا فى وسط هذا الضجيج ؟ فلا يهدأ لنا بال ولا نستكين وقد غاب الحبيب والخليل ،
و من نطرق بابه عند الحاجة وقد تبدل الصديق ؟
فآه من قلوب تحولت ومن نظارات تبدلت ومن ضحكات تسخر و ابتسامات تشمت ؛ فقد تخلى الانسان عن إنسانيته و طرح الأخلاق جانبا وتنازل عن عزته وكبريائه، يسعى فقط من اجل نفسه بل يصارع لتحقيق أطماعه ولو إعتلى المناصب على رقاب الأعزاء ويسحق فى طريقه من يعرقل خطواته.
فهل من احد يطوق الى حياة هذه سماتها..أصبح الإنسان فيها عبد رغم حريته..عبد لأطماعه ونزواته ، مبدأه “ الغاية تبرر الوسيلة” فلا يلتزم بأى مبادئ او تقاليد ولا يأبه لأى عرف ولا يلتفت لأى منطق ، نزعت من قلبه الرحمة فلم يعد يشفق حتى على نفسه اذا ما انكشفت أغراضه وألاعيبه..ظنا منه انه الأذكى والأقوى بنفوذه وماله.
اننا عشنا فى زمن الحب والوفاء والالتزام بالعهد وحماية الضعيف ونصرة الحق والحفاظ على كل ماهو غال من الاندثار ولم نسمح فى يوم بالعبث وإلا شجعنا الوشاية والخيانة، بل ضحينا بالكثير فى سبيل إسعاد الآخرين وبناء مستقبل افضل وتنشأة جيل عماده العلم ودينه العمل دون تحيز او تفرقة بين ابناء الوطن فترعرع فى جو من المحبة والألفه يساند بعضه البعض ويسير افراده كتفا الى كتف يدعمون كل ماهو للخير والصالح العام. فليس من العجب أن نرفض هذا الزمان وأن لا نفتخر بإنتمائنا اليه..
فلنستمع الى التعليقات على للأحداث فى البرامج المختلفة اذا كانت سياسية او دينيه او رياضية او حتى فنية..فهل هناك تأثير إيجابى على الشباب؟ لا أظن ذلك على الإطلاق ، وذلك يظهر بوضوح فى ردود افعالهم وينعكس على سلوكهم العام فلا ينتقون الألفاظ ولا يتحمسون لتدعيم امكانياتهم ولا يكترثون لتفنيد افكارهم ،
فكل سواء ! لم يعد لهم حلم يسعون لتحقيقه او هدف محدد يستميتون لتحقيه ، فكل سواء!
فماذا ننتظر من جيل يحمل على اجنحة الرياح ، تهب من حيث تشاء محملة بكل ما هو غير نافع لتزريه حيثما تشاء فينتشر الوباء ولا شفاء ، وأسفاه ! ونضيف الى ذلك قلة الموارد وتردى الإمكانيات وتأخر العناية الصحية وعدم الاهتمام بالتعليم و عدم الاقبال على اتقان اللغات – التى هى الوسيلة الوحيدة للإنفتاح على العالم و الحضارات المختلفة – فكل هذا يسبب الانحدار الشديد على جميع الأصعدة مما يهدد بشكل صريح مجتمعنا ويسوقه الى الهاوية وبئس المصير.