بقلم: هيثم السباعي
قد يحتج البعض بأن مثل هذا الموضوع يجب أن يبدأ تأريخه عام ١٩٢٨ وهو العام الذي تأسست فيه جماعة الإخوان المسلمين. الحقيقة لن أبدأ الحديث من تلك الفترة بسبب إختلاف الأراء الشديد بتقييمها، لأنها مثيرة للجدل الشديد، من جهة ولأنني لم أومن بمبادئها ولا أثق بممارساتها السياسية، من جهة أخرى. برأيي الشخصي هي جماعة تحاول الوصول إلى السلطه عن طريق الدين.
قطر وتركيا والولايات المتحدة مثلاً تعتبرها جماعة تمثل الإسلام المعتدل، وبريطانيا تحمي جناحها الدولي. من جهتي، لي إعتراض كبير على تعبير الإعتدال في أي دين فاليهودية يهودية والمسيحية مسيحية والإسلام إسلام وفي كل دين من هذه الأديان هناك متطرفون وليس دين متطرف، أقصد لاتوجد يهودية متطرفة ومسيحية متطرفة وإسلام متطرف، ولكن هناك يهود ومسيحيون ومسلمون متطرفون.
دول أخرى مثل مصر والسعودية وسورية تعتبر جماعة الإخوان المسلمين إرهابية لأنها قامت بإغتيالات سياسية وتفجيرات مختلفة وهي محظورة في تلك الدول وممنوعة من ممارسة أي نشاط من أي نوع. بجميع الحالات وصلت إلى الحكم في مصر عام ٢٠١٣ وأثبتت فشلها لأن قادتها اعتقدوا أنهم سيستمرون في الحكم لمدة ٥٠٠ عام وبدلاً من البدءء بمعالجة المشاكل اليومية للمواطن العادي في مصر، راحوا يبذلون كل جهد ممكن لأخونة مفاصل الدولة وكأن الوطن أصبح ملكاً لهم وحدهم والعامة ليست أكثر من عبيد عليهم الطاعة فقط. لم يغيروا شيئاً من الواقع الإجتماعي والإقتصادي الذي كان يطمح إليه المصريون.
لا تستهدف هذه الدراسة النيل من أحد. هي فقط محاولة وضع النقاط على بعض الحروف والكشف عن كيفية تحول الأهداف من أهداف نبيلة إلى أهداف قذرة ومادور المستفيدين من هذا التغيير. قد لا تكون هذه الدراسة كاملة ولكنها لا تعدو عن كونها محاولة، لا أكثر.
هدف الدراسة الأول هو بيان أصول الإرهاب وإلقاء الضوء على منبته في العقود الحديثة نسبياً ومن ثم انتشاره من موقعة الأصلي إلى المواقع الأخرى. لا أدري إذا كان كل القراء سيفاجؤون بالأصل أم لا. ولكنني متأكد أن البعض سيفاجأ.
لن أغوص في التاريخ كثيراً ولكنني سأبدأ من حيث جاءنا التطرّف الحديث. ثم أنتقل بعد هذه المقدمة إلى لُب الموضوع للحديث عن الظروف والعوامل التي أدت إلى إزدهاره وميكانيكية انتشاره وبعدها نحاول معاً إستجرار بعض الإستنتاجات وسبر آفاق الحل إن أمكن، والبداية كانت من أفغانستان.
١. أفغانستان:
قد يفاجأ البعض كما أسلفنا عندما يعلم أن البدايات الأولية للتطرف الديني الحديث نسبياً كانت من أفغانستان. ثم وجدت بعض الدول الإقليمية والغربية أن استخدامه في أماكن معينه يصب في تحقيق مصالحها. بدأت الحكاية عندما كان آخر ملوك أفغانستان محمد زاهر شاه الذي امتد حكمه من عام ١٩٣٣ حتى عام ١٩٧٧ عندما كان يقوم بزيارة رسمية خارج البلاد وانقلب عليه صهره وابن عمه محمد داوود خان وأعلن الجمهورية، منهياً النظام الملكي في البلاد.
في عام ١٩٧٨ قام حزب الشعب الديموقراطي (الشيوعي) بانقلاب أبعد فيه محمد داوود خان عن الحكم وتم تنصيب محمد طراقي رئيساً للبلاد، بمساعدة رئيس وزراء باكستان ذو الفقار علي بوتو الذي مهد الطريق لهذا الإنقلاب، حسب رأي بعض الخبراء.
قام حزب الشعب الديموقراطي بإصلاحات شملت إعادة توزيع الأراضي وتحديث الإسلام التقليدي المتعلق بالقوانين المدنية والزواج، ما أدى إلى عدم الإستقرار في البلاد وازدياد التمرد الذي تحول إلى ثورة في تشرين الأول/أوكتوبر عام ١٩٧٨ الذي تحول بسرعة إلى حرب أهلية من قبل “المجاهدين”، شنوها على طول البلاد وعرضها. زودت الحكومة الباكستانية هؤلاء المتمردين بمراكز تدريب سرية، بينما أرسل الإتحاد السوڤييتي آلاف المستشارين العسكريين لدعم النظام.
بدأت الولايات المتحدة بدعم المقاتلين من “المجاهدين والعرب الأفغان” في منتصف عام ١٩٧٩ عن طريق وكالة المخابرات الداخلية الباكستانية. بدأت في الوقت ذاته الصراعات الداخلية على السلطه بين الحلفاء من “منظمة خلق” المسيطرة “ومنظمة بارشام” الأكثر اعتدالاً أدت إلى طرد أعضاء المنظمة الأخيرة من الحكومة في تموز/يوليو – آب/أغسطس عام ١٩٧٩ واعتقال ضباطها العسكريين بحجة تدبير إنقلاب. في إيلول/سيبتمبر ١٩٧٩ اغتيل الرئيس طراقي بانقلاب عسكري ضمن الحزب الحاكم تم تدبيره من قبل حفيظ الله أمين من “منظمة خلق” وأصبح رئيساً للبلاد.
لم يرض الإتحاد السوڤييتي عن أداء حكومة أمين فقرر التدخل وغزا أفغانستان في ٢٧ تشرين الأول/ أوكتوبر عام ١٩٧٩ وقتل أمين في اليوم نفسه.
في العدد القادم، سنتطرق إلى تفاصيل الإحتلال السوڤييتي وتداعياته.
فطر سعيد، وكل عام والجميع بألف خير