بقلم: فـريد زمكحل
أمام التحولات الكبيرة والتطورات الأخيرة الذي يشهدها السودان حالياً بعد وصول قوات حميدتي إلى المثلث الحدودي المجاور لمصر، وما يُمثله ذلك من تهديد مباشر للأمن القومي المصري لما قد ينجم عنه من عمليات تهريب وتحركات خطيرة لبعض الجماعات الإرهابية، الوضع الذي لا يمكن السكوت عنه أو تجاهله من جانب الإدارة المصرية، لأنه يعكس نقطة تحول استراتيجي خطير ويتجه بالسودان نحو التقسيم الفعلي، وهو ما تعارضه مصر وترفضه بشدة ويدفع بها لوضع خطوط حمراء جديدة لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي لضمان عدم اقترابها من الحدود المصرية بأي شكلٍ من الأشكال.
خاصة لو عرفنا أن مدينة الفاشر لم تكن مجرد معقل عسكري لقوات الجيش السوداني فحسب بل كانت بمثابة الرمز الباقي لمراكز السيطرة الحكومية في دارفور، ومركزاً من أهم مراكز النفوذ المدني والعسكري الذي يربط الشرق بالغرب، ما جعل من سقوطها في يد قوات الدعم السريع نقطة تحول استراتيجي خطير خاصة بعد حصولهم على الإمدادات العسكرية واللوجيستية مؤخراً والتي مكّنتهم من استعادة توازنهم والقيام بشن هجمات على الخرطوم لإرباك قوات الجيش السوداني ومنها إلى كردفان حتى دخولهم الدموي للفاشر بعد قتل المدنيين الأبرياء واغتصاب النساء أمام أزواجهم واغتصاب الرجال أمام نساءهن على مشهد ومرأى من جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية في العالم، وهو الأمر الذي يحد من قدرة الجيش السوداني على إعادة الانتشار نظراً لقطع خطوط الإمداد بين الشرق والغرب ما لم يحصل الجيش السوداني على مساعدة خارجية من القوات المسلحة المصرية.
وفي اعتقادي أن السودان في طريقه نحو التقسيم الفعلي حيث يسيطر الجيش على الشمال والشرق، وتسيطر قوات الدعم السريع على دارفور وشمال كردفان فيما تبقى مدينة الخرطوم منطقة بلا أدنى سيطرة من أي جانب.
وسيطرة قوات حميدتي على المثلث الحدودي لتشاد وليبيا والسودان الذي تشهد حدودهم المشتركة عمليات تهريب نشطة كفيلة بإيجاد الدعم المالي المطلوب لتحويل قوات حميدتي من مجرد قوات ميليشيا إلى جيش نظامي أو شبه ذلك، وهو الأمر الذي يعتبر تهديداً للأمن القومي المصري كما قلت سابقاً خاصة بعد سقوط الفاشر التي تبعد عن الحدود المصرية من 500 إلى 600 كيلو متراً.
ولن أكون مبالغاً إن قلت صراحة أن مخطط تقسيم السودان لثلاثة دول معروف للجميع منذ نشوب فكرة أحداث الفوضى الخلاقة بهدف تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ لخلق شرق أوسط جديد تكون فيه الغلبة والسيطرة الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل الذي تستخدم الإمارات لتنفيذ هذا المخطط الإجرامي الكبير من خلال دعمها التام والمتواصل لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي التشادي الجنسية والذي حوله من تاجر جمال إلى قائد عسكري الرئيس السوداني السابق عمر البشير لمساعدته على تدعيم وتثبيت أركان حكمه الإسلامي المتطرف في السودان، والذي تم الانقلاب عليه وإسقاطه، وهنا نكتشف إشكالية هذا الصراع الذي لا يستهدف مصلحة الشعب السوداني بقدر ما يستهدف فرض سيطرة الجيش السوداني وقيادته الإخوانية على مراكز السلطة والثروة في السودان، الأمر الذي لا ترغب في حدوثه بعض الدول الطامعة في السيطرة على ثروات السودان من جانب، وترغب في التضييق على مصر من جانب آخر لخلخلة الأمن القومي المصري وهو الدور الذي تلعبه الإمارات بالإنابة ولصالح بعض الدول وتنفذه بحرفية بحجة القضاء على تنظيم الإخوان المسلمين من خلال دعمها الدائم والمتواصل لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي والتي تقوم بتهريب ثروات السودان من ذهب وخلافه إلى خارج السودان، والذي يقال أنه وصل إلى حوالي ما قيمته 200 مليار دولار من الذهب!
وهنا يجب علينا التوقف قليلا لسؤال الإدارة المصرية كيف مازالت ترتبط بعلاقات وثيقة مع رئيس دولة الإمارات رغم معرفتها التامة بدوره الواضح الخفي واستثماراته المشبوهة في بناء سد النهضة الأثيوبي الذي يهدد ويؤثر على حياة أكثر من 100 مليون مصري؟
وكيف تقوم بتسهيل مهمته في شراء أهم الأصول والممتلكات المصرية العامة للدولة في الوقت الذي يقوم فيه رئيس دولة الإمارات بتقديم المال والسلاح لقوات الدعم السريع التي باتت تهدد أمننا القومي ولا يفصلها عن حدودنا المصرية سوى عدة مئات من الكيلومترات؟
والسؤال الأخير والأهم هل ستسمح الإدارة المصرية ببقاء الوضع إلى ما وصل إليه في السودان الآن أم سوف تتدخل للحفاظ وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية وعلاقتها التاريخية مع شعب السودان الشقيق؟











