بقلم المهندس: هيثم السباعي
تذكير: لا تهدف هذه الدراسة الطويلة نسبياً إلى تخوين أواتهام أحد بالمسؤولية عن ماحدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي عامة وسورية خاصة. ولكنها تهدف إلى إلقاء نظرة موضوعية عن أسباب هذه الأزمات وتطورها المستمر حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تدهور وتفرقة وتمزق شمل جزءاً كبيراً من العالم العربي.
قبل استئناف حديثنا بالوضع الذي نحن بصد لا بد من الإشارة إلى أنني لدى مناقشة الموضوع مع الصديق الأديب والمفكر الأستاذ أسامة كامل أبو شقرا قدم لي كتاباً من تأليفه بعنوان: “عودة إلى أسباب أحداث القرن التاسع عشر في جبل لبنان” نشرته ‘الدار العربية للعلوم ناشرون’ بلبنان في تشرين الثاني/نوڤمبر ٢٠١٧ باعتباره سيكون مفيداً بموضوعنا الذي نحن بصدده، وسأشير إليه بكل معلومة مأخوذة عنه بالرقم (١).
في الحقيقة لم أقرأ بعد المقدمة سوى عدة صفحات فقط لأجد الكتاب زاخراً بالفعل بمعلومات تفيد موضوعنا ومنها أعرفها لأول مرة، لأنه استخدم ٢٣ مرجعاً عربياً وأجنبياً مختلفاً لم يتسن لأمثالنا الوصول إليها جميعها. لذلك سنأتي على ذكرها عندما نصل إلى تاريخ المنطقة في تلك المرحله لأن الكتاب ليس خاصاً باللبنانيين كما يوحي عنوانه للوهلة الأولى. .
أخذت من مقدمة الكتاب المذكور ماكتبه الأستاذ أبوشقرا: “وإذا كان وضع كتب التاريخ ليس سرداً للحكايات والقصص، فقراءتها أيضاً ليست لمتعة المطالعة أو للبحث عن الأصول والأعراق والأنساب، بل هي لاستخلاص العبر من الأحداث لتكون أساساً معيناً لبناء مستقبل أفضل(١)”. شكري وتقديري الكبيرين للأستاذ أبو شقرا.
نعود الآن لموضوعنا، لنتحدث عن تاريخ العصور الكلاسيكية الممتدة من العام ٣٣٣ قبل الميلاد حتى ظهور الإسلام عام ٦٣٦ ميلادية:
تشمل هذه الفترة المراحل الإغريقية والرومانية والبيزنطية، وكانت حلب مدينة تتبع السلوقيين الذين أعادوا بناءها وسموها “بيرويا” ولكنها تدفع غالياً ثمن حرب المائة عام السلوقية – البطلمية (٢٧٤ – ١٦٧ ق. م.) انتهى عهد السلاجقة في عام ٦٤ ق. م. عندما اجتاح بومبيوس الروماني حلب ودمرها كما تعرضت للدمار مرة أخرى على يد الفرس البارثيون عام ٤٠ ق. م. أثناء حروبهم مع الرومان. دخل الإمبراطور الساساني الفارسي “شابور” حلب وأسر الإمبراطور الروماني “ڤاليريان” وتلى ذلك إجتياح كسرى أنوشروان لبلاد الشام عام ٥٤٠ ميلادية وتدمير حلب، وهدم كاتيدرائيتها الكبرى. جرت في الفترة الواقعة بين عامي ٦١٠ – ٦٢٩ ميلاد حروب طاحنة بين الفرس والبيزنطيين كان مسرحها بلاد الشام، تركت خلفها منطقة مدمرة ومدناً منسية.
تاريخ العصور الإسلامية:
لن أتوسع كثيراً في هذا الموضوع ولكنني سأذكر فقط أهم المحطات التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بموضوعنا، وأبدؤها بالخلافة الراشدة.
أوصى أبو بكر لعمر بن الخطاب بالخلافة بعده ثم اختارت الهيئة الإنتخابية عثمان بن عفان وبايعهما الإمام علي بن أبي طالب رغم اعتقاده بأحقيته في كلتا الحالتين بالخلافة.
من أهم أحداث الخلافة الراشدة، عزل الخليفة عمر بن الخطاب للقائد العسكري الفذ خالد بن الوليد الذي لم تُكسر له راية لا في الجاهلية ولا في الإسلام وذلك خوفاً من أن تفتن به الجند وحال دهاء معاوية بن أبي سفيان (والي دمشق) دون عزله عدة مرات بسبب عدم الإستقرار على الحدود مع بيزنطة.
ثلاثة من الخلفاء الراشدين استشهدوا غيلة.
عمر بن الخطاب قتله فيروز النهوندي (أبو لؤلؤه) لأسباب شخصية، أرسله المغيرة بن شعبه والي الكوفة إلى مكة الكرمة بناء على موافقة الخليفة الفاروق باعتباره يتقن عدة مهن منها النجارة والحدادة وغيرها. تقدم أبو لؤلؤه بشكوى إلى الخليفة لأن عامله على الكوفة يفرض عليه خراجاً كبيراً، إلا أن الخليفة رفض الشكوى باعتبار أن الخراج ليس كبيراً حسب المهن العديدة التي يتقنها، فحقد على الخليفة وإغتاله بعد ثلاثة أيام وهو يؤم الناس في صلاة الصبح بطعنه ست مرات بخنجر ذو نصلين وقتل ستة آخرين قبل أن يطعن نفسه وينتحر بنفس الخنجر.
عثمان بن عفان قتله جند مصر الذين جاؤوه بشكاوي عديدة ضد واليه وطلبوا تغييره إلا أنه رفض طلبهم بتغيير الوالي. يمكن اعتبار هذا الإغتيال أول إنقلاب عسكري في الإسلام
علي بن أبو طالب اغتاله الخارجي إبن ملجم لأسباب سياسية لقبوله التحكيم في معركة صفين التي تعتبر مع معركة الجمل من أولى الحروب الأهلية في الإسلام.
في العدد القادم سنستأنف الحديث عن العصور الإسلامية التي تلت الخلافة الراشدة بما فيها العصر الأموي والعصر العباسي وعصور الإنحطاط.