بقلم : نعمة الله رياض
لم أصدق اني أملك وحدي هذه المقدرة ، بل إعتقدت أن أي إنسان .. رجلا كان أو إمرأةً يمكنه العوم مثلي في الهواء !! إنها بالتأكيد من القدرات المتنحية التي أهمل الإنسان في صقلها !! .. ما الحاجة إذن لركوب السيارات أو الدراجات أو حتي الطائرات .. أنا أسبح الآن في الهواء بين المباني وفوق الشوارع والأشجار .. أمد ذراعي إلي الأمام وأزيح الهواء بهما للخلف بنفس السهولة التي أسبح بهما في الماء .. أنطلق إلي الأمام تساعدني ساقي اللتان تدفعان الهواء للخلف مثل أرجل الضفدع أثناء سباحته في الماء !!
بعيني أراقب ما يحدث في الشارع وانا بعيد تماما عن زحامة وضجيجة.. أستطيع بسهولة الصعود بموازاة الطابق العاشر مثلا في عمارة شاهقة ، أو الغوص لإسفل حتي أصبح في مستوي الأشجار وأعمدة الإضاءة !! ..
ما أجمل هذا الشعور عندما تحس انك مثل الطائر الذي نراه يحلق فوقنا في سماء المدن ويحط علي الأشجار أو يهبط علي الأرض، إذا أراد ، لإلتقاط طعامة، أو ليشرب الماء وسط الحشائش التي تزين الشوارع .. كل ما أفعله عندما أكون واقفاً علي الأرض ، أن أدفع الأرض بقدمي ماداً ذراعي لإعلي ، وفي ثواني معدودات أحلق في الفضاء .. أستمر في العوم في سعادة بالغة فرحاَ بإكتشافي العجيب فاتحا عيني لأري ما يحدث علي الأرض أو مغلقاَ أجفاني في راحة وشعور عميق بالرضي والإطمئنان ..وعندما أفتح عيني مرة أخري ، أجد نفسي علي الفراش !!!
أحدق في الجدران البيضاء في غرفة نومي.. مازلت في نشوة هذا الحلم اللذيذ ، أبتسم لنفسي.. أقوم من فراشي تاركاَ فيه هذا الحلم العجيب ..
كان هذا الحلم يتكرر كثيراَ أثناء سنوات المراهقة والشباب ..لم أعد احلم بذلك هذه الأيام ، ربما كان الحلم تعبيراَعن رغبة دفينة للإنطلاق وعدم التقيد بروتين الحياة اليومية وقوانينها التقليدية ، أو للتخلص من ضغوط قابلتني أثناء العمل في يوم شاق .. يساعدني في ذلك حبي للسباحة التي أتقنها بكل أنواعها منذ نعومة أظافري ..أو ربما كما قال لي أحد الأصدقاء هذه روحك يا عزيزي تحوم فوق الأرض !! .. يأتي الحلم أحيانا بدون مقدمات وأجد نفسي أعوم في الهواء متعجباَ من هذا التمكن السلس من السباحة لأي مسافة أرغبها فوق المباني أو بين المدن ، فوق الحقول أو أعلي شواطئ البحار !!
كنت أصحو بعد الحلم وأسير في الطريق شاعراَ اني أملك سراً خاصاً بي وحدي ، سر يمكنني إستخدامه وقتما أشاء !! أحيانا كان الحلم يختلط مع الواقع واكون واقفا في طابور الصباح في فناء المدرسة أو في ساحة التدريب أثناء خدمتي في الجيش وأقول لنفسي .. هيا إستدعي مقدرتك الكامنة وإضرب الأرض بقدميك وانطلق في الهواء للتخلص من هذا الطابور الممل !!
كان هذا الحلم هو المميز والأكثر تكرارا طوال حياتي وأشعر انه جزء من شخصيتي .. بالطبع كنت أحلم أحلاماَ اخري أقوم منها مسروراَ كالحلم الذي أري فيه ابي يمسك بيدي لنعبر شارعاَ مظلماَ ومليئاَ بالحفر ، شاعرا براحة كبيرة وألفة طبيعية لرؤياة مع إنه فارق الحياة منذ عقود من الزمن !!
أو كوابيس أقوم منها مفزوعاَ .. مثل ذلك الحلم الذي حلمت به في صغري والذي رأيت فيه مخلوقا هلاميا بشعا لم اتبين ملامحه يقف أعلي درجات سلم المنزل وانا أهم بالصعود واسمع صوتا مدويا مرعباَ كأنه صادر من غور سحيق يقشعر له بدني ويقف له شعر رأسي .. أو ذلك الحلم الذي حلمت به عدة مرات في شبابي وأشعر فيه أن وسادة هائلة تقبع فوقي وتكتم أنفاسي وأظل أجاهد بلا جدوي للتخلص منها ، ولا يحدث ذلك إلا بالإستيقاظ فجأة وانا أشهق قائلا :اللهم إجعله خير ..
وبعض أحلامي أشعر طوالها بالقلق والجزع مثل ذلك الحلم الذي أجد نفسي أذاكر تلالا من الكتب استعدادا لإمتحان الثانوية العامة في وقت كنت قد أنهيت فيه الدراسة الجامعية وشغلت مناصب وظيفية منذ سنين عديدة !! ..
علي الفراش في حجرة النوم ممددا .. أحدق في الفراغ بعيون زائغة ..لا أعرف كم مضي علي هذا الحال من الوقت .. أين أنت ..يا حلمي الحبيب ، يا ملاذي الأليف ، لماذا لم تعودني ..؟ أين قوتك ومقدرتك علي الإنطلاق في الهواء ؟ مر الزمن لأستقر علي الأرض أحلم أحلاماً متقطعة متهرئة ، لا أتذكر منها شيئا عندما أصحو ..
مددت يداَ واهنة أطفئ بها المصباح بجانبي .. أغمضت عيني وومضات ضوئية دقيقة تمرح تحت أجفاني …