بقلم: نعمة الله رياض
تعكف مراكز البحوث كل حينعلي دراسة العوامل التي تؤثر علي سلوكيات وتصرفات البشر، وما يشكل الهوية والتميز والمكانة ، هل هي الحالة الطبيعية التي ولد بها الإنسان بموروثاته الجينية، أم المكتسبات الثقافية والإجتماعية التي يتأثر بها مع تقدم العمر ، أم الإثنان معاً ؟
فمنذ اللحظة الأولي للولادة ،يبزغ عاملان رئيسيان هما الفطرة والغريزة اللذان يعملان معاً علي تشكيل شخصية الفرد.. الفطرة تعني حالة الكائن النقية بالميلاد ، قبل أن تعقدها مؤثرات البيئة والمجتمع الذي يعيش فية الإنسان .. أما الغريزة فهي محرك فطري خاصة بنوع حيواني معين ، ولا تختلف إلا قليلاً من فرد إلي آخر ضمن النوع نفسه .. وأوضحأمثلة علي ذلك هو الغريزة الجنسية بمحركاتها الفطرية عند الإنسان، كذلك السلوكيات التي تحافظ علي بقاء الكائن الحي ، حتي وان لم يكتسبها بالتعلم والتجربة .. ويمكن إعتبار كلاً من الفطرة والغريزة مرتبطتان بالحالة الطبيعية ، أي قبل تأثير البيئة والثقافة .. والفطرة في العادة مصطلح إيجابي ، فيقال الفطرة السليمة والفطرة الإنسانية ، أما الغريزة فتعتبر مصطلح سلبي ، فيقال غرائز حيوانية قابلة للإستثارة والتهييج ، لذلك تحتاج إلي ترويض وتهدئة ..
وفي التجمعات البشرية ودوائر الأعمال ، يطلق علي شخص ما انه عفوي أو علي سجيته وهي كلمات ايجابية تنطوي علي حسن النية .. ويطلق علي شخص آخر بأنه( جبلة ) وهي كلمة تنطوي علي دلالات سلبية بمعني انه شخصعديم الإحساس والشعور.. ويمكن ان يطلب من اي شخص ان يتصرف علي طبيعته ، أي بدون تكليف ، بغض النظر عما إذا كانت هذه الطبيعة تتضمن ما هو موروث جينياً او مكتسب ثقافيا .. والإختلافات بين الرجال والنساء إختلافات فطرية من الأساس ، ويصعب تغييرها ، ولكن يمكن التركيز علي التمايزات الفطرية بين الأعراق والأجناس ، وعلي مستوي تصنيف البشر إن كانوا أسوياء أو منحرفين ..
من الأمثلة التوضيحية التي يمكن أن تفسر ما سبق ذكره ، ونعايشها في حياتنا اليومية ، دراسة ما يؤول إليه عينة مكونة من مجموعة من التلاميذ في فصل مدرسي واحد ، فكلهم تقريباً في نفس العمر والحالة الاجتماعية ، ولكن يختلف نسبة ذكائهم ومستوي تحصيلهم ، والأهم من ذلك ، يختلف مقدار طموحاتهم والبيئة التي يعيشون فيها خارج مدرستهم ، إما كونها بيئة تشجع علي التفوق والعمل المنتج ، أم بيئة تشجع علي الإنحراف واستحلال المال الحرام، وتتغاضي عن الأخطاء وتعتبرها من الأشياء المقبولة ، والنتيجة أن هؤلاء المجموعة من الأطفال عندما يكبرون ويخرجونللحياة العامةيصبحوا من الصالحين أو من الطالحين ، بمعني أن بعضهم أصبحوا من العاملين في مجالات مختلفة كالطب والهندسة والتجارة أو رجال أعمال أو موظفين ، وفيهم من لا يوفق في حياتهم فيصبحوا من متوسطي الدخل أو حتي من الفقراء، بل إن فيهم من يرتكبون جرائم يحاكمون عليها وينالون العقاب … والأغرب من ذلكانه توجد في بعض الحالات ينشأ فيها شقيقان في أسرة واحدة ومن نفس الأب والأم، فيصبح أحدهما من كبار رجال الأعمال الناجحين في مجالهم ، بينما يبقي شقيقه الآخر كسولاً غير منتج وفاشل في كل وظيفة يتقلدها .. هل هي طفرة في الجينات عند الشقيق الأول ، وإنتكاسة في الجينات عند الشقيق الثاني ؟… الله أعلم !!!