بقلم: كنده الجيوش
يقول البعض ممن هاجر الى الولايات المتحدة الأمريكية في وقت ليس ببعيد، اَي في أواخر القرن الماضي، انه كان يسمع احيانا سؤال: «هل كنت تذهب الى المدرسة على ظهر الجمل؟».
ولهذا السؤال احتمالين احلاهما مر: أولا ان المقصود به شتيمة لهذا العربي وثقافته ونوعية تعليمه، والثاني انه سؤال عفوي وصادق وربما يعبر عن مشكلة حقيقية في طبيعة الثقافة الأمريكية والولايات المتحدة التي تعتبر واحدة ان لم يكن احدى اهم دول العالم الرائدة في التعليم.
وكلنا نعرف انه توجد فيها ارقى الجامعات وكلنا يدين لها بالعلم وخاصة فيما يتعلق بالمعرفة بالعالم الاخر البعيد.
ولا أخطئ ربما ان قلت بان مستوى التعليم العالي في اَي بلد من بلادنا العربية لا يرقى الى مستوى التعليم في الولايات المتحدة. ويوجد كذلك في بلادنا بعض الجهلة الذين لا يعرفون أين تقع الولايات المتحدة ربما. ولكن أيضا لدينا عقول مهمة وجامعات عريقة وبالنهاية كل شيئ نسبي.
ولكي نبقي في إطار حديثنا اليوم، في السابق كان يأخذ الكثيرين على الولايات المتحدة بان شعبها يعيش حالة ثقافية وراحة مادية وبعد جغرافي تجعل الكثير من هذا الشعب لا يعبأ بالثقافة العامة ولا لمعرفة الدول الاخرى او مشاكلها السياسية وغيرها من الامور الخارجية.
اليوم الحالة مختلفة! هناك حالة معارف واسعة وكذلك هناك غنى شديد وفقر شديد وطبعا هو لا يقارن بالفقر والويلات ببلادنا. هذه الحالة وهذا الفرق الشاسع اصبح واضحا ومرئيا وملموسا أكثر مع تطور المعرفة ومع وسائل التواصل الاجتماعي. وأصبحت الشعوب تعرف أكثر عن محيطها المحلي والخارجي القريب والبعيد لان كل واحد الان لديه مصادره المتعددة للأخبار وهي ليست حكر على وسائل الاعلام الضخمة.
هذه الحالة — بالإضافة طبعا الى العديد من العوامل الاخرى الكثيرة التي تحدد القرارات السياسية والانتخابية – اصبح لها دورها الكبير في بعض التجمعات الأمريكية الانسانية.
بعض – وليس جميع – هؤولاء الأشخاص الذين لم يكن لديهم مستوى عالي من الثقافة والتعليم وكانت حدود معرفتهم معتمدة على ما يسمعونه بالإعلام الحر ولكن الضخم، اليوم لديهم آراء شديدة وثابتة مبنية على معرفة وهمية او غيرة دقيقة فردية متناقلة عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
وهذا الكلام ليس بالضرورة شتيمة لهذا النوع من الاعلام لان هناك اسماء عريقة وملهمة وعلى درجة عالية من المصداقية – ولكن هي لرؤية هذه الحالة من زاوية وتأثير اخر.
الولايات المتحدة الدولة العظيمة اليوم بجامعاتها العريقة ونسبة المثقفين العالية فيها والاقتصاديين العمالقة وجمال مؤسساتها ونظمها تواجه تحديا من الأشخاص الذين هم اقل معرفة او ذوي معرفة مقتطعة. وكذلك من النظم الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية التي سهلت ازدياد أعدادهم.
هؤولاء الأشخاص اليوم لا يريدون شخصا او سياسيا عالى الثقافة والمعرفة يحكمهم ويلقي عليهم خطابا يوحي بجمله وكلماته بانه على مستوى عالي من الثقافة وبالتالي البعد نوعا ما!!
ربما ليست ظاهرة كبيرة ولكنها موجودة. هؤولاء الأشخاص اليوم يريدون شخصا ناجحا وليس بالضرورة سياسيا مثقفا وإنما ربما رجل أعمال حاذق – او «حربوق» كما نقول بالعامية – شخص قريب من زاوية معينة يتحدث لغة يفهمونها ويعكس جزء من حالة فكرية ومعرفية ليست بالضرورة عالية الثقافة يعيشونها ويعيشها مثلهم ويعدهم بانه سيحسن من أحوالهم! لا ينمق الكلمات ولايتحدث بديبلوماسية. شخص يسمي الاسماء بمسمياتها- كما يعتقدون ويقولون. وهذا حقهم وخيارهم.
ولكن يبقى التوازن خير الامور كي لا تضيع المكاسب السياسية والإنسانية والمعرفية ووووو التي صنعتها البلاد على مدى سنوات عديدة .
الرهان اليوم من سيختارون !