بقلم: هيثم السباعي
في أواخر النصف الأول من آذار(مارس) 2015 أطلق جون كيري وزير الخارجيه الأميريكي بالون إختبار فاجأ جميع المهتمين بشؤون المنطقه عندما صرح بأن على الولايات المتحده التفاوض مع الرئيس الأسد. يعود سبب ذلك إلى التناقض الصارخ في موقف الولايات المتحده السابق من الأزمه الذي كان يؤكد أن الرئيس الأسد فاقد للشرعية ولا مكان له لا في المرحلة الإنتقالية ولا بأية تسوية للأزمه مستقبلاً وأن عليه أن يرحل.
وَصَفْتُ تصريحَ كيري ببالون اختبار لأن تفسيراته بدأت مباشرة من المتحدثين بإسم البيت الأبيض ووزارة الخارجيه “موضحين” أنه لم يكن يعني تغييراً في موقف الولايات المتحده السابق سواء من الصراع أومن الرئيس الأسد. بل هو يعني التفاوض بموجب مقررات مؤتمر چنيڤ 1، ولكن كيري نفسه لم يُوَضح أي مفاوضات يريد!!! قبل يوم واحدٍ من تصريح كيري وتحديداً بتاريخ 13 آذار (مارس) 2015، قال “چون برينان” مدير وكالة المخابرات المركزيه أمام لجنة العلاقات الخارجيه أن الولايات المتحده لاتريد أن تَرى إنهيار النظام السوري الذي قد يفسح المجال أمام الإسلاميين المتطرفين لإستلام السلطه. أضاف بأن لدى واشنطن كل أسباب التخوف من مَنْ سيعقب الأسد في السلطه. من هنا نرى نوعاً من التضارب، بل الفوضى في مواقف المسؤولين الأمريكيين. أما بريطانيا فقد ردت مباشرة، على لسان رئيس وزرائها، “ديڤيد كامرون”، على تصريح كيري مؤكداً موقف بلاده من الصراع الدائر في سوريا ورفضها التفاوض مع النظام. أيدت فرنسا هذا الموقف أيضاً على لسان وزير خارجيتها. ولكن، من جديد، وتحديداً أواخر الشهر الماضي صرحت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي للرئيس أوباما بعد اجتماعها مع أحد رؤساء الإئتلاف الوطني السابقين إن الولايات المتحدة لاتزال ملتزمة إنتقالاً سياسياً في سوريا يتم التوصل إليه عن طريق التفاوض!!!! فمن نُصَدِّقْ ؟
يقول الصحفي اللبناني أمين قمورية في تعليقه على تصريح ‘كيري’: “ليست المرة الأولى تبدل واشنطن لغتها في الشأن السوري، لكن موقفها الراسخ والحقيقي من هذا البلد لم يتغير فعلاً منذ آذار (مارس) 2011 حتى اليوم. موقفها كان ولايزال: رأس سوريا وليس رأس الأسد. هكذا كان موقفها في العراق ولايزال. وهكذا سيكون في دول عربية أخرى باتت على اللائحة أو على همة دخولها. وهي في هذا المجال حققت نجاحات منقطعة النظير”.
رأس سوريا فعلا كان ولايزال الهدف. وإن غداً لناظره قريب. هذا يذكرني برئيسة وزراء إسرائيل، غولدا مائير، بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 عندما طلبت في حينها من وزير خارجية أمريكا ‘هنري كيسينجر’ بأن يُحَطِّم رأس السوريين. بما أن الشيء بالشيء يذكر أرى أن أضع هنا رؤية صديق مجاز في العلوم السياسيه عن مايجري في المنطقه. يقول: “الجميع متفقون أن الهدف الرئيسي هو أمن إسرائيل وهذا سيتم عن طريق تفتيت البلاد العربيه الواقعة شرقي الأبيض المتوسط إلى دويلات طائفيه (سوريا، العراق وربما لبنان والأردن) والإستمرار بخلق القلاقل في العربيه السعوديه ومصر والجزائر للوصول إلى زعزعة استقرارها بشكل دائم”. ازدادت أهمية المنطقه طبعاً بعد توقعات وجود كميات هائلة من النفط والغاز تحت المياه الإقليميه السوريه واللبنانية، شرقي البحر الأبيض المتوسط، علماً بأن إسرائيل بدأت الإنتاج من مياهها الإقليميه.
وهنا لابد من التأكيد على تقاطع المصالح الأمريكيه الإيرانيه في المنطقه وملاحظة الغزل السياسي بينهما، وغض الطرف من قبل الند الأمريكي عن إمتداد النفوذ الإيراني الذي يشمل العراق وسوريا ولبنان واليمن. يقول أحد الأمريكيين المطلعين على سياسة بلاده والخبير بشؤون الشرق الأوسط: “إن المفاوضات النوويه تسير نحو أهدافها بالنسبة لجميع الأطراف. إن ما يجري على الأرض وفي المفاوضات يثير قلقاً كبيراً لدى حلفاء وأصدقاء أمريكا في المنطقه. فإيران تسيطر اليوم على عاصمة العراق وعلى نصف أراضيه، كما تسيطر على عاصمة سوريا وعلى نظام الرئيس بشار الأسد وعلى نصف أراضي سوريا أيضاً، وتسيطر على لبنان بواسطة حزب الله وحلفائه. إضافة لهذا، سيطرت حديثاً على عاصمة اليمن وعلى نصف أراضيه بواسطة الحوثيين وحلفائهم. هذه السيطرة تعني أن إيران أصبحت قادره على تعطيل مدخل الخليج والمضائق وفي مقدمتها ‘هرمز وباب المندب’. بتعبير آخر، تستطيع إيران اليوم التأثير على تدفق الذهب الأسود من الخليج إلى الدول المستوردة. الغريب أن هذا الواقع لايقلق أياً من الدول الغربيه!!!!! السبب في ذلك أن الرئيس أوباما تخلى عن اصراره على إزاحة الأسد من السلطه كشرط سابق لأي حل يتفاوض عليه، ويشير أيضاً إلى حصول المتمردين الحوثيين في هجومهم على صنعاء على الضوء الأخضر منه ومن بعض حلفائه. هنا يبرز السؤال التالي: هل قررت أمريكا أن تكون المناطق المذكوره أعلاه الثمن الذي تدفعه مقدما للتفاهم على الملف النووي الإيراني، وثانياً للعمل معاً على استئصال التيارات الإسلامية الأصولية السنية المتشددة حتى الإرهاب والعنف والتكفير؟ الدافع لهذا التساؤل هو التهديد الكبير الذي تشكله هذه التيارات على المصالح الحيويه لأمريكا وحلفائها في الشوق الأوسط. وهو ثمن مقبول وإن تضمن سيطرة جزئية على عدد من الدول. تساؤل آخر يبرز إلى السطح حول موافقة أمريكا وحلفاءها على السير في مثل هذا الإتجاه. أعتقد أن الدول الواقعة جزئياً تحت السيطرة الإيرانية ستصبح دولاً فيديرالية أوكونفيديراليه أومناطق ذات حكم ذاتي بعد انتهاء حروبها وأزماتها وستشارك المجتمع الدولي في حربه ضد الإرهاب. ينهي هذا الخبير حديثه مؤكداً أن مصر ستبقى خارج هذه المعادلات رغم مشكلاتها ومعاناتها مع الإرهاب لأنها دولة قديمة وعميقه على عكس الدول الأخرى في المنطقة”. إنتهى كلام السياسي الأمريكي.
أثبت تحالف “عاصفة الحزم” التي بدأت بالغارات الجويه على اليمن في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي بقيادة السعوديه ومباركة أمريكا ودعمها ودعم باكستان ومصر غير المشروط خطأ هذا السياسي فيما يتعلق بالمضائق المائية من جهة وبأمن السعودية، الحليف الأقرب للولايات المتحدة من جهة أخرى خطأ ذلك السياسي.
من اللافت أن أخبار الأزمه السوريه تقهقرت في الإعلامين العربي والغربي في السنة الأخيرة لتحل محلها أخبار القرم وأوكرانيا ثم ليبيا والغارات الجويه على داعش وحديثاً اليمن. كما يلاحظ أن الأمم المتحده ومنظمات حقوق الإنسان المنبثقة عنها والمستقلة توقفت منذ مدة ليست بالقصيره عن إحصاء القتلى والنازحين واللاجئين والمعتقلين والمفقودين….إلخ.
أخيراً، أعتذر عن الخطأ الذي وقع في عنوان المقاله السابقة التي كان يجب أن يكون 1 من 3 بدلا من 2. في العدد القادم سنتحدث عن حصيلة تلك الحرب القذره وتداعياتها الأخرى.
فصح مجيد، سعيد وكل عام والجميع بألف خير.