بقلم: سونيا الحداد
دخلت هذه السنة ولأول مرة في حياتي، في حالة من الفراغ الفكري والروحي، دفعني الى الإنسحاب التام لمدة أشهر، عن هذا العالم والاتجاه الى عالم خيالي بات هو حلمي وحقيقتي.
سنة اعتبرها نقطة تحوّل أساسية بالنسبة لي، على جميع المستويات، لا عودة فيها الى الوراء. إنها هذه الحالة التي تجبرك على أن تنتصر على الموت بالحياة، أن تختار بين الخير والشر، أن تجد بصيص النور وسط سواد الظلمات الكاحل، أن تجعل من يأس فراغك واحة تزرعها انت وحدك بكل ما يمكّنك من الوقوف ثانية أمام الحقيقة التي تجلّت ساعة شُق الحجاب وسقطت جميع الاقنعة مدوية دوي الصاعقة في ليل تشريني طويل ولم يبق سوى الصمت.
صمت فكري وروحي عميق وثقيل. أشعر وكأنني ممدّدة حية في قبر مظلم لا أريد الخروج منه الى عالم لم أعد أعرفه ولا أؤمن به. عالم مبني على النفاق والشر وقد نشأت على تعاليم الخير والمحبة والمساواة. عالم قائم على العبوديّة واستغلال الأبرياء وقد عرفت طعم الكرامة والحرية. عالم يحكمه اله يرتعد من بطشه وظلمه وساديته حتى الشيطان. عالم قيل لي أن الابطال فيه تنتصر والحقيقة هي أن القوي يأكل الضعيف وأن الحامي هو الحرامي، والأبطال يموتون لنجعل منهم اسطورة تحيا في خيالنا هربا من الحقيقة التي لا نريد القبول بها. صمت ثقيل على قلبي كيف أتحرر منه؟ كيف أستمر وأنا بت أرى العالم صحراء أمشي في سرابها؟ انا عمري لم اكتب كلمة أحضرها سابقا بل روحي هي التي تكتب دائما وبكل عفوية. حياتي كلها كانت عفوية. كنت أعتبر نفسي محظوظة في هذه الدنيا أنني أحافظ دائما على عفوية الأطفال في قلبي ونمط حياتي. كم تتوق نفسي العودة الى هذا الزمن ولكنني هنا مكبلة في ظلام هذا الصمت فما العمل؟ كيف الهروب وانا لا يمكنني الهروب؟ أسئلة عديدة تضاربت في رأسي. أريد أن أؤمن بشيء، أن أحلم، أن أرى الجمال، أن، أن، أن…
استمريت على هذا المنوال الى أن أتى اليوم الذي قررت به النظر في ذاتي ورسم عالمي حسب ألواني. أن أعانق أحلامي وأبحث عن مصدر يلبي ندائي. أن أحترم صمتي وأتماشى معه حتى النهاية. يومها رأيت رابطا على النت يحدثني عن الفلسفة والميثولوجيا الصينية والآسيوية بلغة مختلفة. لغة الافلام والتعرف على الحياة اليومية لحضارات لا نعرف عنها الكثير بهذا التفصيل، ولكن العالم الافتراضي فتح لنا الأبواب لكي ننهل من خيراته. هنا حصلت نقطة التحول في مساري. ومن خلال هذا الرابط انطلقت في رحلة أعادتني مجددا الى عالم الطاقة الجدي وليس التجاري. الى عالم الحكماء وليس النفاق، وكل ما يحمله من سحر وإدراك كنت يوما أحلق به وسأعود حتما. عالم وجدت فيه أجوبة عديدة تمكنني من إنقاذ روحي والاستمرار.
عدت الى الكتابة ولو ببطء، بدأت أخرج من صمتي ولو بتدرج. اليوم أرى الوان القزح مجددا وأعرف بأنني سأرقص مع هالاته يوما كما في السابق. أعرف أن العزلة مفيدة والعودة أجمل دائما. أعرف أن ما آمنت به سابقا هو الصحيح وأن الأعمال الصالحة لا تموت. أعرف أن الروح تحصد ما تزرع. أعرف أن الزهور، الفراشات والطيور ستملأ حديقتي. إنها رحلتي ولكل منا في هذه الدنيا رحلته والخيار هو خيارنا!