بقلم: هيثم السباعي
نستمر اليوم بوصف المؤرخين والمستشرقين والمفكرين لطبيعة العقلية العربية.
٢.٢. طبيعة العقلية العربية (تتمة):
ولإبن خلدون رأي معروف في العرب، خلاصته “إن العربي متوحش نهّاب سلاّب إذا أخضع مملكة أسرع إليها الخراب، يصعب إنقياده لرئيس، لا يجيد صناعة ولا يحسن علماً ولا عنده استعداد للإجادة فيهما، سليم الطباع، مستعد للخير شجاع”.
وقد رمى بعض المستشرقين العرب بالمادية وبصفات أخرى، فقال “أوليري”: “ إن العربي الذي يعد مثلاً أو نموذجاً، ماديّ، ينظر إلى الأشياء نظرة مادية وضيعة، ولا يقومها إلا بحسب ما تنتج من نفع، يتملك الطمع مشاعره، وليس لديه مجال للخيال ولا للعواطف، لا يميل كثيراً إلى دين، ولا يكترث بشيء إلا بقدر ما ينتجه من فائدة عملية، يملؤه الشعور بكرامته الشخصية حتى ليثور على كل شكل من أشكال السلطة، وحتى ليتوقع منه سيد قبيلته وقائده في الحروب الحسد والبغض والخيانة من أول يوم اختير للسيادة عليه ولو كان صديقاً حميما له من قبل، من أحسن أليه كان موضع نقمته، لأن الإحسان يثير فيه شعوراً بالخضوع وضعف المنزلة وأن عليه واجباً لمن أحسن.
يقول لامانس “إن العربي نموذج الديمقراطية”، ولكنها ديمقراطية مبالغ فيها إلى حد بعيد، وإن ثورته على كل سلطة تحاول أن تحدد من حريته ولو كانت في مصلحته هي السرالذي يفسر لنا سلسلة الجرائم والخيانات التي شغلت أكبر جزء في تأريخ العرب، وجهل هذا السر هو الذي قاد الأوروبيين في أيامنا هذه إلى كثير من الأخطاء، وحملهم كثيراً من الضحايا كان يمكنهم الاستغناء عنها، وصعوبة قيادة العرب وعدم خضوعهم للسلطة هي التي تحول بينهم وبين سيرهم في سبيل الحضارة الغربية، ويبلغ حب العربي لحريته مبلغاً كبيراً، حتى إذا حاولت ان تحدها أو تنقص من أطرافها هاج كأنه وحش في قفص، وثار ثورة جنونية لتحطيم أغلاله والعودة إلى حريته. ولكن العربي من ناحية أخرى مخلص، مطيع لتقاليد قبيلته، كريم يؤدي واجبات الضيافة والمحالفة في الحروب كما يؤدي واجبات الصداقة مخلصاً في أدائها بحسب ما رسمه العرف.
ويوافق المستشرق “براون أولري” في رمي العرب بالمادية المفرطة. ورماهم “أوليري” أيضا بضعف الخيال وجمود العواطف
وقد تعرض “أحمد أمين” في الجزء الأول من “فجر الاسلام” للعقلية العربية، بأنه لا يمكن مقارنتهم باليونان والرومان.
فوصف العربي الجاهلي بما يلي: “العربي عصبي المزاج, يهيج للشئ التافه, ثم لايقف في هياجه عند حد, وهو أشد هياجا اذا جرحت كرامته, أو انتهكت حرمة قبيلته. واذا اهتاج أسرع الى السيف, وأحكم اليه, حتى أفنتهم الحروب، وحتى صارت الحرب نظامهم المألوف وحياتهم اليومية المعتادة”. “والمزاج العصبي يستتبع عادة ذكاء، وفي الحق أن العربي ذكي، يظهر ذكاؤه في لغته، فكثيراً ما يعتمد على اللمحة الدالة والإشارة البعيدة، كما يظهر في حضور بديهته، فما هو إلا أن يفُاجأ بالأمر فيفاجئك بحسن الجواب، ولكن ليس ذكاؤه من النوع الخالق المبتكر، فهو يقلب المعنى الواحد على أشكال متعددة، فيبهرك تفننه في القول أكثر مما يبهرك ابتكاره للمعنى، وان شئت فقل إن لسانه أمهر من عقله. خياله محدود وغير متنوع، فقلما يرسم له خياله عيشة خيراً من عيشته، وحياة خيراً من حياته يسعى وراءها، لذلك لم يعرف “المثل الأعلى”، لأنه وليد الخيال، ولم يضع له في لغته لفظة واحدة دالة عليه، ولم يشر إليه فيما نعرف من قوله، وقلما يسبح خياله الشعري في عالم جديد يستقي منه معنى جديداً ولكنه في دائرته الضيقة إستطاعَ أن يذهب كل مذهب.” “أما ناحيتهم الخلقية، فميل إلى حرية قلّ أن يحدّها حدّ، ولكن الذي فهموه من الحرية هي الحرية الشخصية لا الإجتماعية، فهم لا يدينون بالطاعة لرئيس ولا حاكم، تأريخهم في الجاهلية – حتى وفي الإسلام – سلسلة حروب داخلية” وعهد عمر بن الخطاب كان عصرهم الذهبي، لأنه شغلهم عن حروبهم الداخلية بحروب خارجية، ولأنه، رضي الله عنه، منح فهماً عميقاً ممتازاً لنفسية العرب.
ثم أورد أمثلة للاستدلال بها على ضعف التعليل، مثل قولهم بخراب سدّ مأرب بسبب جرذان حُمْر، و مثل قصة قتل النعمان لسِنمّار بسبب آجُرّة و ضعها سِنِمار في أساس قصر الخورنق، لو زالت سقط القصر.
ثم تحدث عن مظهر آخر من مظاهر العربية، لاحظه بعض المستشرقين ووافقهم هو عليه، هو: إن طبيعة العقل العربي لا تنظر إلى الاشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك سببها البيئتين الطبيعيه والاجتماعيه.
سنكمل هذه الفقرة في العدد القادم لننتقل بعدها إلى الحديث عن العصر الإسلامي وأهم خصائصه.