بقلم: د. حسين عبد البصير
في يوم 20 إبريل 2006، قامت حرم رئيس جمهورية مصر العربية بافتتاح متحف إيمحتب بمنطقة سقارة الأثرية، وذلك في حضور حرم الرئيس الفرنسي ووزير ثقافة مصر والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري آنذاك. ويتكون المتحف من ست قاعات عامرة. وتحتوي قاعات المتحف على حوالي مائتين وثلاث وثمانين قطعة أثرية نادرة ومختارة بعناية فائقة. وتتكون هذه القاعات من قاعة المدخل، وقاعة بعثات سقارة، وقاعة عمارة إيمحتب، وقاعة مقابر سقارة، وقاعة طرز سقارة، ومكتبة المهندس المعماري لوير. كما يضم المتحف قاعة للتهيئة المرئية وتعرض فيلمًا باللغات الأجنبية واللغة العربية عن آثار سقارة وأهميتها، وعن المهندس إيمحتب، وأهم القطع الأثرية بمتحفه الجميل. وتحتوي هذه القاعة على نموذج مجسم كبير من الجبس للمجموعة الهرمية الخاصة بالملك زوسر. وقام المهندس المعماري الفرنسي جان-فيليب لوير بتصميم وتنفيذ هذا النموذج المجسم الكبير.
وتحتوي قاعة المدخل على أهم قطعة بالمتحف، وهي قاعدة تمثال الملك زوسر المصنوعة من الحجر الجيري الملون. وترجع أهمية هذه القطعة إلى أنها تصور الملك زوسر وهو يطأ بأقدامه الأقواس التسعة التي تمثل أعداء مصر التسعة التقليدين، وأمام قدم الملك توجد ثلاثة من الطيور («رخيت») التي ترمز إلى الشعب المصري. وكان الغرض من ذلك التصوير الرمزي إظهار الملك زوسر بأنه القوي والمسيطر بداخل مصر القديمة وخارجها على البلاد المجاورة لها.
أما الأهمية الثانية لهذه القطعة فترجع إلى كتابة اسم وألقاب إيمحتب جنبًا إلى جنب اسم الملك زوسر. وتعد هذه هي المرة الأولي التي يُكتب فيها اسم وألقاب شخص من عامة الشعب المصري القديم بجوار اسم الملك؛ إذ كان جميع ملوك عصر الدولة القديمة مقدسين وبمثابة الآلهة على الأرض؛ لذا لم يكن مسموحًا لأي شخص أن يضع اسمه أو ألقابه على أية قطعة ملكية إلى جوار اسم الملك المقدس.
أما قاعة بعثات سقارة، فسُميت كذلك لأنها تحتوي على أهم نتاج أعمال البعثات الأثرية سواء المصرية والأجنبية. وتضم قائمة بأسماء علماء الآثار المصريين والأجانب الذين عملوا في منطقة آثار سقارة. ومن أهم القطع الموجودة بهذه القاعة مجموعة مقبرة الطبيب «قار» والتي ترجع إلى نهاية عصر الأسرة الخامسة وإلى بداية عصر الأسرة السادسة بعصر الدولة القديمة. وتضم مجموعة من الأدوات الجراحية الخاصة بالطبيب «قار» وخبيئة التماثيل البرونزية التي ترجع إلى العصر المتأخر، وهي تمثل آلهة وإلهات مصر القديمة مثل الإله أوزير وأنوبيس وحربوقراط (أو «حورس الطفل») وبتاح وباستت وحورس وغيرها من الآلهة والإلهات المهمة في مصر القديمة. كما تحتوي على موائد قرابين مصنوعة من الفخار الملون مصورة عليها مجموعة القرابين التي كانت تقدم للمتوفي. وترجع أهميتها لأنها المرة الأولى والأخيرة التي تُصور فيها القرابين إلى الآن. ومن القطع المهمة أيضًا بهذه القاعة تمثال «آمون إم أوبت»، كبير كهنة الإلهة موت وزوجته. والتمثال مصنوع من الحجر الجيري، ويرجع إلى عصر الدولة الحديثة. ومن أهم القطع أيضًا رمح كبير الحجم مصنوع من خشب العرعر عُثر عليه داخل الغطاء الخاص به لحمايته ويرجع إلى عصر الدولة القديمة.
وتحتوي قاعة عمارة إيمحتب على بقايا العناصر المعمارية من المجموعة الهرمية الخاصة بالملك زوسر، وتمثال من البرونز لإيمحتب يرجع إلى العصر المتأخر، ويمثله في هيئة الكاتب الملكي أمام تمثال الملك زوسر المصنوع من الحجر الجيري. كما تحتوي هذه القاعة على قطعة أثرية صغيرة نادرة تمثل أقدم تخطيط معماري عليه مقاسات خاصة بعقد حجري بالمجموعة الهرمية الخاصة بالملك زوسر.
وتحتوي قاعة مقابر سقارة على أقدم مومياء ملكية تم الكشف عنها إلى الآن، وتخص الملك «مرنرع الأول»، ابن الملك بيبي الأول، من أوائل ملوك عصر الاسرة السادسة من عصر الدولة القديمة. كما تحتوي أيضًا على مجموعة تماثيل الإله بتاح-سوكر-أوزير، وهو إله الجبانة المنفية (نسبة إلى مدينة منف، وهي حاليًا منطقة ميت رهينة في مركز البدرشين في محافظة الجيزة المصرية) ورب الصنّاع والفنانين والحرف والفنون في مصر القديمة. وجاء من اسم الرب «سوكر» الاسم الحالي لمنطقة سقارة الأثرية. وربما كان شكل تمثال الرب المصري القديم بتاح هو الذي اُستوحي منه شكل تمثال جائزة الأوسكار العالمية. وتضم القاعة أيضا آثارًا فريدة ومميزة عبارة عن قوالب من الجبنة المحفوظة داخل القدر التي كانت مخزنة فيه عن طريق المصري القديم. أما قاعة طرز سقارة، فإنها تحتوي على مجموعة من الأواني الحجرية ذات أحجام مختلفة، وكان ذلك ضمن حوالي أربعين ألف آنية تم اكتشافها داخل هرم الملك زوسر بسقارة. كما تحتوي أيضًا على أدوات النحت المستخدمة في نحت التماثيل الحجرية والأثاث الخشبي.
أما قاعة مكتبة فإنها تخص المهندس المعماري الفرنسي الشهير جان-فيليب لوير، والذي كرس حياته لترميم المجموعة الهرمية الخاصة بالملك زوسر، كما سبقت الإشارة. وتحتوي على المتعلقات الشخصية الخاصة به مثل كتبه ومكتبه والأدوات الهندسية الخاصة به. وقد أنشأت أيضًا هذه المكتبة لخدمة الدارسين والباحثين وهواة علم الآثار المصرية القديمة.
ومن الجدير بالذكر أنه يتزايد عدد زوار متحف إيمحتب باستمرار. ويحرص جميع المرشدين السياحيين على بدء جولاتهم السياحية في منطقة آثار سقارة بزيارة متحف إيمحتب. ومن الجدير بالذكر أن تذكرة منطقة آثار سقارة تشمل تذكرة المتحف أيضًا.
وإجمالاً يعتبر هذا المتحف فريدًا من نوعه؛ إذ يعد الأول في هذا المجال في مصر المكرس لجزء من تاريخ العمارة المصرية، ويتناول مجموعة هرمية واحدة هي المجموعة الهرمية الخاصة بالملك العظيم زوسر صاحب الهرم المدرج بسقارة وفاتح عصر بناة الأهرام، ذلك العصر وصل إلى قمة العمارة الهرمية في عهد الملك الأسطوري خوفو وهرمه الأكبر في الجيزة الذي يعد العجيبة الواحدة الباقية من عجائب العالم القديم، وكانت البداية مع الملك زوسر ومهندسه العبقري إيمحتب صاحب هذا المتحف المهم والفريد من نوعه. وفي النهاية، فإن التحية واجبة للملك زوسر والمهندس المعماري العظيم إيمحتب اللذين خلدا اسمهما عبر الزمن بعدد من الأعمال المميزة التي تشهد على عبقرية الإبداع وروعة الأداء بين الملك الحكيم ورجل الدولة الأمين.