بقلم: تيماء الجيوش
صدر اعلان ١٩٩٨ والذي تم الاتفاق على تسميته «بإعلان حماية المدافعين عن حقوق الانسان «و الذي يتعلق بنصه بالدفاع عن حقوق الانسان وحماية الحريات الاساسية بمساواة مطلقة و بعيداً عن اَي تمييز ان كان يتم هذا على صعيد الأفراد او على حلقات أوسع اجتماعياً و أكد بدون اي لَبْس فيه ان هذه الحقوق يجب ان تتم حمايتها في ظل السلم كما في ظل الحرب دون تجزئة او انتقائية و بما لا يتعارض بالمطلق مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان و العهدين الدوليين لحقوق الانسان ولاحقاً في العام ٢٠٠٠و بهدف تنفيذ هذا الإعلان تحديداً تم انشاء لجنة حقوق الانسان .
في هذا العام و قبل ايّام فقط انتهت القمة العالمية للمدافعين عن حقوق الانسان والتي عُقِدت ما بين٢٩ و٣١ تشرين الثاني من العام ٢٠١٨ في باريس. و كان من اهم أهدافها وضع استراتيجيات تتغلب على الصعوبات التي تعيق عمل المدافعين عن حقوق الانسان في مجرى رصدهم للعنف و التمييز و العنصرية و كل أوجه خروقات حقوق الانسان من قتل و اعتقال و اختفاء قسري …الخ.
والمدافعون عن حقوق الإنسان، من صحفيين و محامين هم القاعدة الاساسية التي تُدعَم الحريات وحقوق الإنسان بعملهم في اَي بلد او بقعة و يسعون بصورة أساسية و قانونية إلى تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها من خلال وسائل سلمية وغير عنيفة بل و ابعد من ذلك إقامة العدل و السعي لبناء مجتمعات خالية من التمييز و الانتهاك لهذا الحق او ذاك و صون المساواة و كرامة الانسان. و يمتد عملهم الى ابعد من ذلك بنشر حقوق الانسان و العمل على تقديم فهم الحقوق الاساسية للأفراد و المجتمعات و تمكينهم من المطالبة بها.
هذا هو عمل المدافعين عن حقوق الانسان باختصار . لكن هذا لا يأتي و كأي عملٍ اخر دون تحديات و صعوبات ليس أقلها الحماية الشخصية للمدافعين من القتل و التعذيب و السجن و الاختفاء الى اخر القائمة و حمايتهم من العنف السياسي الذي تمارسه الدولة بحقهم وحرمانهم من ممارسة حريات أساسية.
اَي ان من يقوم بالدفاع عن معتقل هو معرض للاعتقال بسبب عمله. و عندما نضيق قليلاً من زاوية الضوء على هذا الملف و ننظر تحديداً لوضع المرأة سنجدها كما في شؤونٍ اخرى يقع على عاتقها العبء مضاعفاً.
فعند الحديث عن المرأة المدافعة عن حقوق الانسان على وجه الخصوص يضاف الى ما ذُكر أعلاه العنف الجنسي الذي استُخدِم و لا زال ضد المرأة و تتصاعد وتيرته عندما يرتبط بشكلٍ وثيق مع انظمةٍ شمولية بعيدة كل البعد عن الديمقراطية واحترام حقوق الانسان بل و تستثمر و بحرفية عتيقة بعض الأنظمة الجهل و التخلف و العامل التقليدي الاجتماعي في مجتمعاتٍ بعينها لا سيما في الشرق الأوسط ليضاعف من تعنيف المرأة المدافعة عن حقوق الانسان ناهيك عن التهميش و الاقصاء و محاولات العزل بكل وحشية سلطوية .
ولطالما كان و لا يزال اغتصاب النساء هو هدف لأطراف النزاع المسلح و الحروب. اعتمده البعض كدعامة للحرب النفسية هو اداة لإذلال الخصم و غالباً ما اتخذ طابعاً منهجياً بكل ما يرافقه من كراهية و انتقام موجه للجسد . اشارت وسائل الاعلام الى ان جرم الاعتداء الجنسي و الجسدي تحديداً هو امر ممنهج و مدروس بل و يتخذ أحياناً كثيرة شكل أوامر عسكرية اَي اغتصاب المدنيين او اغتصاب النساء على وجه الخصوص. ليست الأمثلة بعيدة زمنياً فقد شهدنا في السنوات الماضية الاستعباد الجنسي الذي تمارسه مجموعة معينة او نظام معين تحت ظل الحرب و النزاع المسلح و كان موضوعه واحداً جسد النساء و لا شيء سوى جسد النساء. هنا في هذا الموضع ولجعل الفكرة ادق ، ما يجدر بحثه هو البعد القانوني فلطالما كان القانون هو الأساس و يتأتى استجابة لتغير الاطر الاجتماعية و الثقافية بل و يُسرع في عملية التغيير و لهذا فالسؤال هو هل هناك حماية حقاً للنساء المدافعات عن حقوق الإنسان ، لا يوجد هناك نص دستوري بعينه او نص قانوني يُعاقب على هذا في القوانين العربية.
على الصعيد القانون الدولي الذي جاء شاملاً بمفرداته قامت جميع المعاهدات و المواثيق الخاصة بحقوق الانسان على احترام هذه الحقوق و تم تتويجها بإعلان حماية المدافعين عن حقوق الانسان الذي له كغيره من القيمة الأدبية و الاخلاقية بل و قيمة قانونية مستمدةً من الحقوق الملزمة في منطوقه و لم يخص المرأة تحديداً بموادٍ معينة لحمايتها لكنه كإعلان كان دقيقاً و واضحاً في تحديد مسؤولية الدول عن مضمون و نطاق هذه الحماية بشمولها لجميع الأفراد و المجتمعات ، فنجده يؤكدها عبر بندين أساسيين أولهما:
١-تبني خططاً تشريعية و ادارية بهدف ضمان تنفيذ عملي للحقوق و الحريات الضرورية وبالتالي تنفيذٍ عملي لهذه الحقوق والحريات.
٢- تبني تدابير بهدف حماية حقوق المدافعين عن حقوق الانسان من كل أوجه العنف و التمييز و التعسف و الانتقام في مسار ممارسة الحقوق و الحريات التي تضمنها الإعلان .
و أردف الإعلان الرقابة الدولية عبر وجود مقررٍ خاصٍ و الذي تتمحور مهمته بتلقي المعلومات المتعلقة بأي انتهاك ينال من المدافعين عن حقوق الانسان و من ثم التحقيق فيه.
لكن ماذا عن القوانين المحلية و مدى أتساقها مع التزاماتها الدولية الناجمة عن توقيع و تصديق و المعاهدات الدولية في الدول العربية؟ هل استطاعت ان تلتزم بما تقتضيه هذه المعاهدات ؟ هل عملت على تبني خطط تشريعية و ادارية و قامت باتخاذ تدابير معينة بهدف حماية المدافعين عن حقوق الانسان لا سيما المرأة؟
وعودٌ على بدء عدم التوقيع على الاعلان لا يعني عدم ترتب المسؤولية الدولية بشقيها القانوني و الاخلاقي على الدول و لسببٍ بسيط حيث ان الاعلان كان واضحاً بالتأكيد على العهدين الدوليين للحقوق و الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، إذاً هو التزام دولي و لا تنتفي مسؤولية حماية المدافعين عن حقوق الانسان لا سيما النساء منهن في حال حدوث انتهاكٍ ما، فهل تم تطبيقه؟
ان اجازة اوً تشريع أي قانون محلي يكرس انتهاكات حقوق الانسان وحرياته يعكس خرقاً واضحاً و مباشراً للحقوق والحريات و القانون الدولي لا سيما حقوق المدافعين عن حقوق الانسان باستخدام اَي وسيلة تنتهك هذه الحقوق والحريات. دونية المرأة و صيغ العنف ضدها بذرائع ثقافية و مجتمعية ساعدت و بشكلٍ جذري على تصعيد العنف ضد المرأة في كثير من الحالات هنا لا بد من القول لم يكن العنف المجتمعي هو بأقل من العنف السياسي بل كان يرادفه و بقوة ضد المرأة . الضغط النفسي من إنهن نساء مهمشات و معرضات للعنف الجنسي من قبل الدائرتين المجتمعية و السياسية على حدٍ سواء كان له اثر بليغ على مشاركة المرأة وتطورها على صعدٍ كثير منها السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و صولاً الى الدفاع عن حقوق الانسان . لا يمكن ان نطالب المرأة بشجاعة في الأداء و لانخراط بينما حقوقها مخترقة و لا يتم التعاطي مع حمايتها بشكل عميقٍ و جذري و اقصد هنا استخدام العنف الجنسي لمنعها من التقدم و المشاركة الفاعلة.
مقصد القول هو لا بد من الواقعية في إقرار الحماية عبر قراءة من هم الأضعف و الأكثر عرضة للعنف
قراءة لكل العنف الجنسي و الجسدي ضد المرأة ودونيتها الحتمية من ان يكون هناك نصوصاً خاصة في هذا الصدد اخذين بعين الاعتبار ما وقع عليها من جرائم و اعتداءات .
الوثيقة الدولية الاولى التي قالت بان الاغتصاب و كل أشكال العنف الجنسي وقت النزاعات المسلحة و الصراع المسلح هو جريمة حرب جريمة ضد الانسانية و إبادة جماعية كان تشريع روما في ٢٠٠٢ و الذي أدى من حيث النتيجة الى تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في هولندا .
ما الذي يضير الان ان يتم البحث و بشكل مستقل عما تتعرض له النساء من عنف جنسي وًجسدي في معرض دفاعهم عن حقوق الانسان و بالتالي حث المجتمع الدولي على تخصيص اتفاقية دولية تؤكد على حمايتهن و توجد آلية ذات فاعلية تمنع من حدوث ذلك ؟