بقلم: محمد منسي قنديل
في أيام الصبا، ونحن مجرد أطباء امتياز، عندما بدأ تعاملنا المباشرة مع المرضى، كانت هناك زميلة لنا، غضة وجميلة وحساسة وقليلة الخبرة، شأننا جميعا، كنا نحوم حولها أكثر مما نفعل مع المرضى بطبيعة الحال، كل واحد يريد أن يجذب انتباهها، وفي المناوبة الأولى في قسم الاستقبال، المزدحم دوما، تقدم لها هذا الرجل الضخم، كان يعمل مخبرا، وعلى قدر كبير من الوقاحة التي تتطلبها مهنته، وقف امامها ورفع طرف جلبابه إلى اعلى، لم يكن يرتدي سروال داخلي، ظهرت عورته مباشرة امام عينيها التي لم يكن يغطيهما سوى نظارة طبية رقيقة، قال لها بصوت أجش: هذه المنطقة تؤلمني، لا تجعلني أنام الليل وتمنعني من اداء واجباتي، حتى الكلمات كانت تؤكد على وقاحته، كانت اعضائه اشد سودا من بقية جسده، وخصيته اليمنى منتفخة بشكل واضح، لم تقترب الطبيبة منه كثيرا، ولكنها عدلت النظارة لترى بشكل أفضل، ولكنه صاح فيها قائلا: المسيها، تعرفي على مكان الألم، لم تجرؤ على ذلك، ازداد اقترابا منها حتى شمت رائحة جسده وعرقه وبوله، كانت مصدومة، غير قادرة على الكلام او الحركة، وفطنا نحن أخيرا من خلال انشغالنا أنه يحاصرها بالفعل في احد أركان العيادة، تدخلنا بسرعة لنجذبه بعيدا، كان يهتف معترضا وهو مازال كاشفا عن عورته: أنها ترفض الكشف علي، أنا موظف مهم في الداخلية ويجب أن احظى بالاهتمام، كان بالفعل يعاني من فتاق في خصيته اليمني، ويجب تحويله إلى قسم الجراحة، وقمنا بذلك بالفعل، استدعينا الجراح المختص والمخبر مازال يصيح، مطالبا منها بالذات أن تلمس عضوه، كأن هذا فقط ما سيخفف من ألمه، ولا أدري ماذا فعلوا معه في قسم الجراحة وإن كنت اتمنى أن يستأصلوا عضوه بأكمله، كانت وقاحته قد أغضبتنا جميعا، خاصة بعد أن رأينا زميلتنا الصغيرة وهي تنخرط في البكاء دون أن تفيق من الصدمة، ماحدث كان شيئا عاديا في الاستقبال ولابد أنها كطبيبة قد رأت الكثير من الاعضاء العارية فيما بعد، ولكن في هذا الموقف بالذات كان الرجل يحاول اهانتها، يحاول ان يقهر الانثى التي بداخلها بواسطة عضوه العاري، ربما كانت هذه طبيعته او طبيعة عمله، ولكنه جزء من الثقافة الذكورية لمعظم الرجال، والأهم من ذلك أنها تمثل سلوكا عاما، هذا السلوك الذي استشرى في بلادنا، ليس مؤخرا ولكن منذ عقود من الزمن، وهو يهدف إلى محاولة اقصاء المرأة، نفيها من العالم المفتوح وارجاعها إلى العالم المغلق داخل المنزل، هي رغبة دفينة داخل معظم الذكور المصريين، رغم أن تصرفاتهم لا توحي بالذكورة في معظم الأحيان، وليست محاولات الاغتصاب الجماعي التي نسمع عنها إلا خطوة متصاعدة في هذا الاتجاه، فمنذ بداية الستينات عندما اقتحمت المرأة سوق العمل بأعداد كبيرة وهناك هاجس يلح على كل العقول المحافظة هو المحاولة الدائمة لإرجاعها ثانية للمنزل، لم يكن الذكر المصري طوال هذه السنوات يطيق وجودها بجانبه في مكان العمل، ليس لأنها تنافسه، أو تكشف عن قصوره في اداء العمل، ولكن لأنها تجعله في حالة من الأثارة طوال الوقت، لم يستطع التعامل مع المرأة ككائن مستقل، لا يراها إلا جسدا تابعا لرغباته، يريدها أن تختفي حتى يصبح عالمه الخارجي ذكوريا خالصا، ولكن المحاولة لم تنجح، فعمل المرأة اصبح مصدرا اقتصاديا لا يمكن للأسرة الاستغناء عنه، وأحيانا يكون هو مصدر الدخل الوحيد، وجاء المد الديني كفرصة مواتية لمواصلة عملية الاقصاء، فالحجاب الذي تم فرضه عليها بالترغيب والتهديد، عزل المرأة عن جسدها، وعن صورتها كما خلقها الله، تحولت المرأة من منافس إلى عورة يجب تغطيتها، وأطبق الحجاب على جسدها وعلى عقلها أيضا، تم حصارها بأوامر ونواهي تمنعها من التواصل مثل أي كائن بشري، تم هزيمة المرأة العاملة التي خرجت تطالب بالمساوة، واظهر الرجل سيطرته عليها من خلال تغطيتها بالحجاب، وتحكم في رؤيتها للعالم، كما أنه قدم شهادة للمجتمع تؤكد مدى تدينه واستقامته، رغم أنه يبيح لنفسه كل نساء الأخريات بينما تبقى نساءه في الحفظ والصون، وبالاستعانة بنصوص من الدين والشريعة تم تغطية المرأة بأكوام من الثياب والهلاهيل لا يستطعن التحرر منها مهما كان الجو خانقا، وامتلأت الإدارات الحكومية بنسوة بائسات، عاطلات من أي لمسة من الجمال، وبعد أن كانت المرأة مصدرا للبهجة أصبحت علامة على اكتئاب المجتمع، ومثلما خضع الرجال لقمع انظمة الحكم، خضعت النساء لقمع الرجال باسم الدين.
في أثناء ثورة يناير التي تم الغدر بها امتلأت الميادين بأجيال جديدة لا تشكو كثيرا من عقد النقص الذي يعاني منه ابائهم، خرجت آلاف من الفتيات يجأرن بالصراخ لاستعادة انسانيتهن المفقودة، تحملن عبء التظاهر اليومي، وقسوة الشرطة المفرطة ضدهن، وكشوف العذرية المهينة، وعمليات الاعتقالات العشوائية، والدوران في المشارح بحثا عن جثة أخ أو صديق، واحكام القضاء الجائرة، والسحل في الشوارع، وسفالة بعض الاعلاميين، وعنف الإخوان وشراستهم، وناضلن حتى تم اسقاطهن، ووقفن في طوابير طويلة عند صناديق الانتخابات لعل هناك امل ما، بقين في الميدان، وبفضلهن بقيت الثورة مشتعلة، وتواصلت عدوانية الذكور ضدهن أيضا، تحولت كل مناسبة وطنية إلى فرصة للتحرش والاغتصاب الجماعي، تحول ميدان التحرير من ميدان للثورة إلى ميدان للعار، العار لنا جميعا، ما يحدث ليس فقط اغتصابا وتحرشا، ولكنه سلب متعمد لكرامة المرأة، الأمر الذي فشلت فيه الشرطة والإخوان من بعدهم، انه محاولة لإقصاء المرأة واخراجها إلى هامش المجتمع مرة أخري.
تقول مجلة امريكية أن 99.3% من النساء المصريات يتعرضن للتحرش، يتم ذلك عبر مخطط طويل ومستمر، في غياب الرادع وقصور اجهزة الأمن، وهؤلاء الذين تم القبض عليهم على عجل لا ينفي أن المؤامرة ضد المرأة مستمرة، يشارك فيها الذين يتظاهرون بحمايتها، ويكتبون القوانين من اجل نصرتها، حتى الآن نحن لا نتقبل المرأة في حياتنا العامة، وعلى استعداد لفعل كل ما هو ردئ من أجل اقصائها.