بقلم: تيماء الجيوش
في بداية عملي في البحث القانوني و العنف ضد المرأة، كان لا بد ان انجز بحثاً صغيراً و أقدمه لجامعتي في مدينة نيويورك، اخترت حينها ان اكتب عن العنف ضد المرأة ، كانت معاهدة مناهضة العنف حديثة نسبياً و تستحق التحليل و الدراسة. ذهبت الى المكتبة في جامعة كولومبيا حيث تحتوي على الكثير من المصادر القانونية و العلمية و فيها عدد لابأس فيه عن قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي و لا سيما تلك المتعلقة باحكام الزواج و الطلاق و الحضانة …..الى جانب دراسات متواضعة عن القانون الدولي في المنطقة…الخ .كانت معظم هذه المصادر التي تحتويها المكتبة هي نتاج فكري و أكاديمي لباحثين معظمهم من العرب المقيمين هناك او من قبل باحثين غربيين مهتمين بالمنطقة. على أية حال أخذ مني هذا البحث حوالي الشهر و مع كل كتابٍ كنت اقرأه كانت تزداد دهشتي ما بين المعايير الدولية و المعايير المعمول بها في منطقتنا العربية. أخذ فضولي العلمي في التدقيق و البحث يزداد مع وضوح الهوة ما بين المعايير لدى الجهتين . و ما بين هذا و ذاك وقعت على كتاب في جزءٍ منه يشرح الدية و أحكامها. و اسمحوا لي في هذه المساحة الصغيرة ان أشارككم نتيجة ما خلصت اليه في بحثي من الدية تحديداً. و تعريف الدية هو :» هي مقدار من المال الواجب جراء قتل آدمي حرٍّ، عوضًا عن دمه، بمعنى اكثر دقة هي المال الواجب بارتكاب جناية ضد الآدمي الحر في نفس، أو فيما دونها.» و عندما نقول الآدمي فهي تشمل المرأة و الرجل و الطفل أيضاً كما انها تشمل القتل الخطأ ، القتل العمد او الغير عمد.
هذا من حيث التعريف، و الدية يمكن دفعها من قبل الجاني او مرتكب الجريمة في حال تنازل اهل الضحية عن حقهم الخاص أي في حالة صفحهم و مسامحتهم للجاني فلا يبقى في هذه الحالة سوى الحق العام . ماذا نعني بالحق العام و الحق الخاص ؟
في الفلسفة القانونية ، يُعدُّ أي عملٍ جرمي عملاً سلبياً لا تقتصر اثاره على المجني عليه/ها بل تمتد الى المجتمع الذي يتضرر من ارتدادات هذا الفعل لهذا كان الحق العام أي حق المجتمع ممثلاً بالدولة و المؤسسة القانونية بالقصاص من الفاعل. يقابل الحق العام الحق الخاص ، أي حق الضحية او المغدور/ة بذات الوقت في القصاص من الفاعل.
في القوانين العربية و القانون السوري تم الأخذ بمبدأ الصفح و التنازل عن الحق الخاص ورد ذلك في المادتين ١٥٦ و ١٥٧ من قانون العقوبات السوري.
نذكر هنا لمزيدٍ من الشرح لأحكام المادتين ١٥٦ و ١٥٧ أن حق العقاب هو مناط بالدولة فقط و المشرع السوري الذي أقر الصفح أعطى حق الملاحقة للنيابة العامة لملاحقة مرتكبي الجرائم و علقها على تقديم شكوى من قبل الفريق المتضرر أو تقديم إدعاء شخصي أو شكوى.
و عليه فإن صفح المجني عليه في الأحوال التي يشترط فيها القانون تقديم شكوى لتحريك الدعوى العامة يسقط دعوى الحق العام ويوقف تنفيذ العقوبة إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك .
وعليه لو اسقط المدعى حق عن أحد الفاعلين فلا يستفيد سواه من الفاعلين من الإسقاط إلا بنص صريح وتطبق الاحكام المدنية عليهم مجتمعين بالنسبة للحق الشخصي.
و نتيجة لاحكام هاتين المادتين يتم تخفيض العقوبة الجزائية بشكلٍ كبير حيث لا يبقى سوى الحق العام أي قصاص المجتمع من الفاعل.
وهنا يبرز موضوع الدية . الصفح يترافق مع الدية او التعويض المالي عن الضرر الذي اصاب الضحية و هو يتفاوت بقيمته و مقداره باختلاف الزمان و المكان و على العموم هو مقبول اجتماعياً و غير معاقب عليه قانوناً. ووقت دفعه يُتفق عليه او بحسب العرف السائد في كل مجتمع. وإذا اشترك في الجرم اكثر من فاعل.
السؤال هنا اذا وقعت الجريمة و كانت ضحيتها امرأة فما هي دية المرأة العربية / السورية؟
حقيقة أدهشني كنسوية و محامية ما وجدته في المصادر ، الدية هي الثلث و من الممكن اقل من ذلك نسبة الى دية الرجل. بصرف النظر ان كنّا نتفق مع مبدأ الدية ام لا ، لكن ما ورد من تطبيقات تدعم الدفع الأقل للضحية لأنها امرأة كان مخجلاً. أن تنظر للضحية و تقيمها من حيث الجندر أي انها امرأة و تدفع أقل فهذا تمييز ربما القانون لم ينص عليه بل هو عرفٌ اجتماعي يقوم على ان فقدان الرجل هو أبلغ و اكثر ضرراً للأسرة و المجتمع هو شيءٌ معيب. مكانة المرأة و تقديرها تبرز من اعتبارها المتساوي و الكامل مع الرجل من اعتبارها الإنساني غير المنقوص. كان المثال الصارخ في جريمتي قتل في الاولى الضحية كانت رجلاً قُتِلَ خطئاً و الدية كانت بما يساوي الملايين و في الثانية كانت شابة في ابهى حلة العمر و ذات مهنة قُتِلت عمداً و الدية كانت لا تتجاوز العشرة آلاف دولار . كم تبلغ دية نساء العرب؟؟