بقلم: علي عبيد
نعم.. من هؤلاء؟
من الذي سمح لهم أن يعبثوا بتاريخنا.. وينبشوه ليخرجوا لنا أسوأ ما فيه.. ويعيدوا إنتاجه ليحيوا ثارات قديمة عفا عليها الزمن.. وتجاوزتها الشعوب.. ولم تعد أكثر من صفحات سوداء في تاريخ أمة تبحث عن مساحة بيضاء في زمن حالك السواد.. شديد الإظلام.. موغل في العتمة؟
نعم.. من هؤلاء؟
من الذي منحهم الإذن كي يعيثوا في الأرض فسادا.. يستحلون دماء الأبرياء.. وينتهكون أعراض النساء.. ويغتالون براءة الأطفال.. ويعملون على نشر الخراب في كل بقعة تصل إليها أيديهم الملطخة بالدماء؟
نعم.. من هؤلاء؟
من الذي أعطاهم الحق في تمزيق أوطاننا.. وتحويلها إلى إقطاعيات خاصة بجماعاتهم وميليشياتهم المسلحة، التي تقتل على الهوية.. وتعتقل على الهوية.. وتمنح على الهوية.. وتمنع على الهوية.. وتغرق في مستنقع الضلال والعنصرية والطائفية؟
نعم.. من هؤلاء؟
من الذي أوهمهم أن لهم الكلمة العليا.. وأن لغيرهم الكلمة السفلى.. وأن قوتهم هي الغالبة.. وقوة غيرهم ضعيفة وخائبة.. وأن الأرض ومن عليها رهن إشارة إصبع من أصابعهم.. وأن السماء ومن فيها تبارك كل أفعالهم؟
نعم.. من هؤلاء؟
من أين أتوا.. وكيف جاؤوا.. وصهوة أي رغبة مجنونة امتطوا.. ومن أي نهر آسن شربوا.. وأي غيمة تحمل مطرا خبيثا أمطرت عليهم.. وأي شمس تحمل شعاعا مسموما أشرقت عليهم.. وأي ليل سحيق سيطبق عليهم؟
نعم.. من هؤلاء؟
من هؤلاء الجبناء الذين لم تكن لتقومَ لهم قائمة لولا أسيادهم، الذين جاؤوا بهم من مستنقعات الخيانة.. وحملوهم على ظهور الدبابات والبوارج الحربية.. وفي بطون الطائرات القادمة من الدول الشرق والغرب.. ليتربعوا على قمة السلطة.. ويصبحوا أسيادا بعد أن كانوا عبيدا ودمى تحركهم أصابع من جاؤوا بهم؟
نعم.. من هؤلاء؟
من هؤلاء الراقصون على جثث الضحايا الذين يسقطون كل يوم بأيديهم وأيدي أسيادهم؟
من هؤلاء الناعقون في كل بوق ينفث سموم الجماعة أو الطائفة أو الفصيل الذي يؤويهم؟
من هؤلاء المتسربلون بدماء ضحاياهم.. المسرفون في الغي إلى يوم الدين؟
من هؤلاء الآكلون على موائد العمالة.. المالئون خزائنهم من أموال الخسة والخيانة.. السارقون أوطانهم حتى آخر قطرة نفط في جوفها.. الناهبون بنوكها حتى آخر قطعة نقود فيها.. الحارقون أرضها حتى آخر سنبلة في حقولها.. الملوثون سماءها حتى أبعد نجمة فيها؟
من هؤلاء.. ومن أعطاهم الحق في تخريب الأوطان وتمزيقها.. وسرقة خزائنها وتفريغها.. وتشريد الشعوب وتفريقها.. وتسليح الجماعات والميليشيات وتمكينها.. والاستعانة بالغرباء وتقديمهم للعالم على أنهم خبراء؟
من هؤلاء.. ومن أعطاهم الحق في مهاجمة المطارات.. ومحطات القطارات ووسائل النقل والمواصلات.. ومن أباح لهم تفجير المطاعم والأسواق والتجمعات.. والاعتداء على المساجد والكنائس ودور العبادة.. واحتجاز البشر وتعريض أرواحهم للخطر.. وإفساد فرحة الأعياد والمناسبات.. ونشر الخراب في كل بقعة تصل إليها أيديهم الملوثة؟
من قال إنهم الوحيدون الذين يحملون مشعل الحقيقة.. وإن غيرهم من سائر البشر ضالون لا يعرفون الحق ولا إليه يهتدون؟
من قال إنهم وحدهم على الطريق القويم.. وإن غيرهم في الضلال المبين.. وإن قولهم هو الفصل وقول غيرهم بهتان وباطل.. وإن سلطانهم كامل وسلطان غيرهم محض وهْمٍ زائل؟
هؤلاء ليسوا خوارج العصر.. ولا حشاشيه.. ولا معتزليه.. ولا صليبييه.. ولا نازييه.. ولا فاشييه.. ولا صهاينته. هؤلاء خليط عجيب من هذا كله.. فاقوا كل هذه الفرق شذوذا.. وزادوا عنها تطرفا.. وتجاوزوها تعصبا.. وغدوا أكثر دموية وفحشا منها.
هؤلاء صنف مختلف لم يمر على البشرية له شبيه.. فليتهم يكتفون بقتل أنفسهم بعيدا عن الأطفال والنساء والضعفاء من البشر.. فليس من المنطق أن يكون الرحمن الرحيم قد جعل دخولهم الجنة يمر عبر دماء وأرواح هؤلاء البشر، الذين خلقهم وكرمهم.. وكلفهم بعمارة الكون الذي يعيث فيه هؤلاء فسادا.. وينشرون فيه الخراب والدمار.. ويزرعون فيه الرعب أينما حلوا وحيثما ارتحلوا.
يكفّرون الناس وهم الكافرون لنعم الله، ويدّعون الإسلام وهم أبعد ما يكونون عنه، من أي طائفة كانوا وإلى أي جماعة انتموا، فهو برئ منهم ومن أفعالهم إلى يوم الدين، وسيعلمون أي منقلب ينقلبون عندما يُعرضون على الديان ليقتص منهم، ويأخذ لكل ذي حق حقه، وينتقم لكل برئ سفكوا دمه.. أو انتهكوا عرضه.. أو سلبوه بيته وأرضه.. أو دمروا وطنه، وسرقوا منه الأمان الذي كان ينعم به.
فليذهبوا إلى الجحيم لأنه المكان الوحيد الذي يليق بهم.. إلى حيث يعتقدون أنهم سينعمون، فلن يجدوا هناك إلا العذاب المقيم، بعد أن حادوا عن الطريق المستقيم. فمن هؤلاء كي يحيلوا حياتنا جحيما، ويتمتعوا هم بنعيم الدنيا والآخرة كما يزعمون؟
هؤلاء هم الأخسرون أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، كما قال عنهم المولى عز وجلّ في محكم كتابه.