بقلم: عادل عطية
فى رواق من أروقة أحد المستشفيات، كان لقاء، وكانت صداقة!
وكم من صداقات، هي وليدة الألمـ آلامنا، أو آلام غيرنا ـ وتبقي حميمة، وعظيمة، بمقدار الألم العظيم!
تعرفت إليها: أرملة، وثكلى.. فيمقتبل العمر!
فقدت وليدها، وزوجها، الأثنان معاً،في حادث ماساوي، ترك آثاراً واضحة المعالم على جسدها، الذي كاد أن تلتهمه النار التي نشبتفيهم، إلا نفسها، فقد حمل روحها، بإقتدار، جسدها الذي يئن!
ناولتني صورتها، التي سبقت الحادث، وقال لي: هذه آخر صورة التقطت لى؛ فقد منعت نفسي عن الظهور في أيصورة من الصور، فردية كانت، أو جماعية!
كانت الصورة جيدة، زاخرة بالحياة، أو كالحياة ذاتها!
تأملت تلك الملامح التي كشفتها العدسة في لقطة عابرة. ففي كل صورة من صور الإنسان غني لا ينضب. انها جزء منه، ومن شخصيته. أننا أمام العدسة لا نرى سوى أنفسنا، ولا نحس إلا باللحظة الزائلة التي ينفتح فيها مصراع آلة التصوير وينغلق في اقتناص!
وتساءلت: تُرى ماذا كنا سنبدو في تصاويرنا، لو كنا نعلم بما سيحدث لنامن أحداث عميقة، ومؤثرة…؟
فلو كانت هذه السيدة التي ترقد على سرير الشفاء الأبيض، تعلم ما سيلم بها في المستقبل القريب، لما ظهرت على بساطتها وهدوئها المرتسمين على وجهها في هذه الصورة، ولفقدت إلى الأبد واحدة من الذكريات التاريخية، والمميّزة، فى حياتها!
لا بد وأن نُقر بأن الجمال الحق لا يكمن في الملامح المتناسقة، بل في الروح الثاوية خلف حجاب، يقينا مصاعب الحياة. وكمهمة المصور علينا أن ننفذ إلى ما وراء المظهر الخارجي، لنكتشف الجمال المستتر!
فلوحة “الجيوكندا” أو “الموناليزا” الشهيرة والثمينة. لا يرجع تقديرنا لها إلى جمال مثير في سيدة اللوحة، وإنما لما وراء هذه اللوحة من مشاعر وومضات وعبقرية ذلك الفنان الذي وجه أنظارنا بلمساته السحرية، إلى ذواتنا بما فيها من خلق، وابتكار وابداع. وإلى غيرنا؛ فنشاركهم مشاعرهم. وإلى ذاته، إلى ليونارد دافنشي، الإنساني العميق، الذي تأثر كثيراً بأحزان سيد اللوحة،إلى ليزا، الذي يعني اسمها:”الشمعة المحترقة”!
أعدت الصورة إلى سيدة الصداقة، وقد تعلمت أن الإنسان أعظم من الصورة.. ومهما شوهته الأحداث جسدياً، ستبقى فيه تلك الروح الخلاقة المتصلة بالله؛ فهي التي تعكس مدى أهميته في الكون…!













