بقلم: نعمة الله رياض
مثل جميع القرى في مصر ، خاصة القرى الواقعة علي شاطي النيل في صعيد مصر ، كل قرية لها عمدة وشيخ خفر وعدد من الخفر يتولون الحفاظ علي أمن القرية وحمايتها من الغرباء والطامعين ، وتترسخ عادات وتقاليد تشكل الطابع الغالب في سكان هذه القرية أو تلك ، خذ مثلا قرية لسان التمساح الواقعة شرق نهر النيل وينحدر سكانها من قبيلة المناصرة القادمة من شبه جزيرة سيناء ، وتسود البشرة البيضاء معظم سكانها ، بينما تقع قرية بني عمران علي الجهه المقابلة غرب نهر النيل وينحدر سكانها من قبيلة الصوالحة القادمة من حلايب وشلاتين وتسود البشرة السمراء معظم سكانها ، ويتعامل سكان كل من القريتين مع الجانب الآخر بمزيج من الإستعلاء والتوجس معتقدين أنهم أصحاب الأراضي الأصليين ولا يفصلهما إلا نهر النيل وفترة من الزمن طالت أو قصرت حتي يستردوا اراضي القرية الأخري ويضموها إلي أراضيهم ، في هذا الجو المشحون بالاعمال العدائية كان الأطفال في المدارس الإبتدائية لهذه القري يتلقون العلم ومعها يتشربون العداء للقرية المقابلة وقاطنيها ، فلا يتحدثون معهم ، وتقتصر تعاملاتهم علي الأعمال التجارية المحدودة .. وعلي مدار الأيام التي ولت كانت تحدث مناوشات وإطلاق نار بين الجانبين ، وكان الشغل الشاغل لعمدتي القريتين هو فض الإشتبكات بين الطرفين برعاية مسؤول من المحافظة ، ولم يكن في القريتين مدارس ثانوية ، فكان أولياء الأمور يرسلون أولآدهم لمدرسة ثانوية مشتركة ، بنين وبنات ، في المدينة عاصمة المحافظة وداخل كل فصل دراسي وفي وقت الراحة في فناء المدرسة كان التلاميذ القادمين من كل قرية يتجمعون مع بعضهم متجاهلين نصيحة المدرسين وناظر المدرسة لهم بالإندماج مع التجمعات الأخري.. في إحدي الأيام الدراسية كانت ذبيدة وهي طالبة في السنة النهائية الثانوية تجري في الفناء للحاق باتوبيس المدرسة للعودة إلي منزلها لكنها تعثرت في حجر لم تلحظه وسقطت علي ركبتيها مما سبب لها خدوشاً غائرة نزفت منها الدماء ، شاهدها علآء وهو زميل لها في نفس الفصل الدراسي فأسرع لنجدتها ، ونظر حوله فلم يجد أحداً في الفناء يساعده فإضطر إلي حملها علي ذراعية ووصل بها إلي غرفة الإسعاف بالمدرسة حيث تلقت العلاج اللازم .. نظرت ذبيدة إلي علاء وقالت له :- ألست أنت علاء في نفس فصلي ؟ أجابها علاء :- نعم يا ذبيدة ولكني لم اتبادل الحديث معك من قبل ! سألته : لماذا ؟ قال لها لأن عائلتي من الصوالحة وعائلتك من المناصرة وتوجد خلافات وجفاء بين العائلتين ، فكل عائلة تطمع فى أراضي العائلة الأخرى ، سألته ذبيدة :- وما ذنبنا نحن لعدم وجود علاقات طبيعية بيننا ؟ أجابها :- هذا موضوع يطول شرحه ، ولكن دعيني أوصلك لمنزلك لإن الاتوبيس قد غادر المدرسة ، ونادي علاء لسائق سيارة أجرة وحملاها لداخلها ، عندما وصلوا قرع علاء جرس باب حديقة الفيلا التي تسكنها ذبيدة وشرح للحارس ما حدث لها فطلب منه الحارس الإنتظار حتي ينقلا معا ذبيدة لداخل الفيلا ، وعندما هم بالانصراف قابله والد ذبيدة وعلم منه ما حدث وسأله عن إسمه فذكر له وإخبره أنه من قرية بني عمران .. إنقلبت سحنة الوالد وشكره بجفاء وأخرج محفظته وسأله عن تكلفة التاكسي ، اعتذر علاء عن قبول النقود قائلا انه ساعد زميله له في وقت لم يوجد أحد في الجوار .. دخل الوالد غرفة ابنته وحذرها بشدة من التكلم مع علاء قائلا لها إن أولاد بني عمران يريدون خطف بناتنا بقصد الزواج منهن ،ولتغيير هوية قريتهم.. قالت ذبيدة :- أوكييييه !! ومع ذلك إنجذبت ذبيدة لعلاء بشدة ، ربما لشخصيته القوية ووسامته وتفوقه في الدراسة علي زملائه في الفصل ، ذهبت إليه وشكرته علي رعايته لها ، سلم عليها وتبادلا أرقام الهاتف المحمول والبريد الألكتروني ، أعجب علاء بجمال ذبيدة الآخاذ وقوامها المثالي وذكاؤها الفطري ، وكانا يتحدثان معاً لوقت طويل بعد منتصف الليل بعد أن ينام الوالدين ..
تخرج علاء من كلية الطب بتفوق وافتتح عيادة في مدينة المحافظة وعيادة أخري في قريته بني عمران يذهب اليها مرة في الاسبوع لخدمة أهالي قريته ..تخرجت ذبيدة من كلية العلوم وشغلت وظيفة هامة في استخدام الذرة للأغراض السلمية ، كانت ذبيده تعمل في مدينة المحافظة ، وكانت تسكن في بيت المغتربات وبالتالي كان عليها الإلتزام بمواعيد البقاء خارج البيت ، وتقدم الإثنان خطوة أخري في طريق التعارف ، فكان علاء يدعوها بعد انتهاء موعد كشوف عيادته لتناول العشاء والمشروبات في المطاعم والكافيهات المجاورة ومن ثم يوصلها لبيت المغتربات قبل مواعيد إغلاق الدار ليلا .. إستمر الحال هكذا حتي حدث منهما ذات ليله تأخير لوقت العودة فاتصلت ذبيدة بالمشرفة علي الدار تطلب منها التجاوز عن هذا التأخير ولكنها رفضت فتح الباب بسبب اللوائح الصارمة للدار ، فأخبرتها ذبيدة انها ستمضي الليله عند صاحبة لها .. أصبحت ذبيدة في موقف حرج وأخبرت علاء أنه ليس لها صديقات في المدينة كما إدعت لمشرفة الدار ، وأخذت تبكي وتذرف دمعاً غزيراً وهي جالسة بجوار علاء في سيارته ، عرض عليها علاء أن تقضي الليلة في منزله فوافقت بعد إلحاح ، رحب علاء بذبيدة وقدم لها المشروبات المثلجة واخبرها انه سينام في غرفة الضيوف وانه أعد غرفة نومة لتنام فيها وقد ترك لها بيجامة لترتديها ، شكرته قائلة :- إني ممتنة لما تقدمه لي من حماية ، من كان يتصور هذا ونحن من عائلتين متشاحنتين ؟! قال لها علاء :- إن تصرفنا هذا هو الإنسانية بعينها ، صدقيني لقد أعجبت بك لجمالك الآسر وشخصيتك الجذابه بصرف النظر عن العائلة التي تنتمين اليها ، إقترب منها وطبع قبلة حانية علي خدها قائلاً :- تصبحين علي خير ، ردت عليه بقبله دافئة وسار معها حتي الفراش ، جلس بجانبها وهي ممددة علي حافتة وقال:-إنه اسعد يوم في حياتي أن أحظي بقبولك ، أنت لا تعرفين مقدار إعجابي بك الذي لم أبوح به لإحد لإسباب عفا عليها الزمن لا تجلب إلا القطيعة والضغينة ، لكن يبدو اني أطلت عليكي ، أتمني لكي نوماً هانئا.. في الصباح وهما علي مائدة الإفطار فاجئها بسؤال :- ذبيدة هل تقبلين الزواج مني ؟! نظرت إليه ذبيدة في ذهول وسألته :- لماذا ؟! لقد فاجئتني تماماً قال لها :- أنا لم أنم طوال الليل ، وكنت أفكر في مدي قبول طلبي لعائلتينا ، وأدركت أنه سيقابل بالرفض التام ، قالت له ذبيدة :- هذا صحيح ولكن لماذا لا نحاول ؟ وأنا مثلك متأكدة من رفض طلبنا وسنضطر إلي اللجوء للزواج المدني وسيترتب علي ذلك حرماننا من التواصل مع سكان قريتانا وحرماننا من الميراث الي آخر تلك المظاهر من الإنتماء ، قال لها علاء :-غداً سأتصل بابي وامي وانتي تفعلي ذلك أيضا مع والديك .. كان رد الفعل عنيفاً في الجهتين وسرت اشاعات بأن علاء يخطط لخطف ذبيدة ليتزوجها ، إضطر علاء وذبيدة الي الهرب لقريته بني عمران وكتابة عقد زواج مدني بينهما .. ثار سكان قرية المناصرة التي تنتمي لها ذبيدة ونظموا مظاهرات في قريتهم مطالبين بإشعال الحرب لإسترداد (الرهينة ذبيدة )التي اختطفها الصوالحه !! وأعدوا عشرين قارباً مطاطياً مملوئين بالرجال لعبور النيل وإسترجاع ذبيدة ، من ناحية أخري إجتمع الخفر ومعهم متطوعين من الصوالحة للدفاع عن قريتهم .. أسرع المحافظ ومعه عمدتي القريتين بالقيام بزيارات مكوكيه للطرفين الذي نشب القتال بينهما فعلا ونجحوا اخيراً في فك الإشتباك وعقد معاهدة سلام بين القريتين ونبذ الكراهية والحروب..تم مباركة زواج علاء وذبيدة ،واحتفلا بمولودهما الأول ، وكان أشقر البشرة ! وبموجب المعاهدة عقد الطرفان مشروعات استثمارية مشتركة وعم الرخاء في المنطقة ..