بقلم : شريف رفعت
التنين يجوب أنحاء المدينة، كبير قبيح وقح متوحش و قاسي، يحاول بعض السكان تجاهل وجوده لكن وجوده غلاب مهيمن مخيف و قاتل، ينتقي ضحاياه من سكان المدينة، رجال، نساء و حتى الأطفال، لا تفرقة و لا إعتبارات عنده. من يفترسهم مباشرة أحسن حظا من غيرهم فهم و أهليهم لا يعانون محنة إنتظار مصيرهم، محنة الأمل الكاذب في أنهم سيحاربونه و ينتصرون عليه. من يختارهم كي يفترسهم مستقبلا ترتسم على وجوههم ملامح الذعر و الضياع، ملامح الضحية التي تعرف مصيرها المؤلم، يعبث التنين معهم، يعبث بحيواتهم، عبث مجرم قاسي، يذكرني بعبث القطة مع الفأر قبل إلتهامه، حتى عندما لا يتجول الوحش في المدينة، يخيم شبح وجوده الثقيل القاتل على منازلها و سكانها فهو القدر المحتوم الذي لا فكاك منه.
عندما وقع إختياره علي ضمن ضحاياه في البداية لم أصدق نفسي، كانت هذه مرحلة الإنكار التي لم تستمر طويلا، ثم فكرت كالأحمق المأفون الجاهل بأني سأحاربه و أن قوة إرادتي و ذكائي و ثقتي بقدري سيمكنونني من الإنتصار عليه. في أول مواجهاتي معه، عندما إقترب مني متحرشا مهاجما حاولت ضرب قدمه بسيفي، كنت في غاية الرعب و الإضطراب لكن لم يكن هناك بديلا عن المحاولة، قبل أن يهوي سيفي على قدمه ضربني اللعين بذيله القوي الكبير فرماني عدة أمتار بعيدا عنه، و أنا دائخ من وقع الضربة سمعته يقهقه بصوتٍ كئيب رهيب و يقول:
ـ تعجبني شجاعتك الحمقاء، لنا لقاء آخر قريب، من يتحداني يوفر لي تسلية ظريفة.
تقرر مجموعة من الضحايا المستقبليين للتنين أن يأخذوا الأمر بأيديهم و أن يـَتـَحِدوا معا في محاربته، يجتمعون، يخططون كيف ستكون المواجهة، يحيطون به من جميع الجوانب شاهرين سيوفهم التي تبدو أمامه كأنها لعب أطفال، عند إشارة البدأ يقتربون منه آملين في ضربه ضربات متعددة قاتلة، ينظر لهم التنين في كسل ممزوج باللامبالاة ثم يتبول عليهم جميعا. بَوْلـُه نتن حارق يندفع بقوة فيطرحهم أرضا و يضطرون للهروب.
فكرت في مصيري، تفكير عميق واقعي بستعرض إحتمالات نجاتي و التي تبين لي أنها معدومة. ذهبت بعدها للتنين و قلت له:
ـ دعنا نعقد إتفاق بيننا.
نظر لي مندهشا، فهو لم يتعود أن تناقش ضحاياه مصيرهم معه، قال لي بصوته القبيح:
ـ هات ما عندك.
أجبت:
ـ سأستسلم لمصيري، لن أقاومك، في المقابل دع أولادي و شأنهم، لا تفكر فيهم و لا تعتبرهم ضحايا مستقبليين لك.
للحظة ظهر الإندهاش على ملامحه المجرمة، ثم إنفجر ضاحكا ضحكة فاجرة و قال:
ـ من يساوم يجب أن يكون عنده ما يساوم به، أنت لا تملك شيء مقابل تعهدي بألا أفترس أولادك، أغرب عن وجهي أيها الأحمق.
ثم خطى نحوي و ملامح الشر التي على وجهه قد أستفحلت و في عينيه نظرة كراهية و غدر.
إضطررت أن أهرب من أمامه، عندما إستدرت معطيا له ظهري إقترب برأسه مني و أطلق من فمه نارا أحرقت ظهر ثيابي، نتيجة الحريق إنكشف ظهري و مؤخرتي عاريان. و أنا مازلت أعدو متألما سمعت ضحكاته الآثمة تسخر مني و تسحق آدميتي. بعض المارة في الطريق ظهرت الشفقة على وجوههم لما أصابني، البعض الآخر أدار وجهه بعيدا متجاهلا ما حدث، آخرون إبتسموا لما إعتبروه موقف طريف، رجل يجري خوفا و مؤخرته عارية.
الآلام الجسمانية التي عانيت منها بسبب تعرضي للهب التنين و أسوأ منها الآلام النفسية بسبب المهانة التي تعرضت لها منعاني من النوم ليلة أمس. هذا الصباح إعتزمت أمرا، أخذت سيفي و توجهت مرة أخرى للتنين، عندما رآني ظهرت الدهشة على وجهه القبيح يخالطها إبتسامة هازئة. قال:
ـ أنت مرة أخرى.
صحت:
ـ نعم أنا هنا للقضاء عليك.
إندفعت نحوه مهاجما شاهرا سيفي و أنا مدرك و غير عابيء بمصيري.