بقلم: تيماء الجيوش
من المجدي أن يُذكر في كل مرة أن ما يدفع الأفراد إلى اللجوء أسباب كثيرة ، و هو ينشأ كنتيجة مباشرة للحروب ، الحروب الأهلية، الصراع المسلح، الكوارث الطبيعة، و ربما الاقتصادية ….الخ . تدفعهم إلى التخلي عن مجتمعاتهم ، أسرهم، أعمالهم ، منازلهم و اللوذ بالمجهول . تصبح المعادلة لدى اللاجئ ذات بُعدين لا أكثر هما المغادرة أو الموت. لا مساحة هنا للخيار و لا رفاهية في الوقت للتفكير والتدبير . تزداد المعادلة تعقيداً مع وجود أُسرٍ بأكملها لم يعد يحميها سقف آمن. تزداد شراسةً مع ازدياد ضراوة المعارك ووقعها الذي يحمل الفناء في كل تفاصيله ،و مع غياب معظم المعايير الأخلاقية و القانونية إن لم نقُل جُلَّها تتصاعد أرقام الضحايا من المدنيين لتبقى شاهدةً على قباحة الصراع، الحرب، الحرب الأهلية و كل أشكال العنف.
والأمثلة كثيرة في بلدانٍ عربية عدة، ما مثّل صدمة عنيفة للعديد من حيث نوعية و كمّ الجرائم التي أرتُكِبت و لا زالت تُرتَكب بوقاحة الجاني الذي لا يخشى عاراً ولا ملامة و لا مانع لديه في مزيدٍ من الدماء.
هذا حديث عن اللجوء واللاجئين قديم جديد ، نصّ عليه القانون الدولي، و حثّ الدول الموقعة و المصادقة على معاهدات حماية اللاجئين على احترام النصوص شكلاً و مضموناً ، و لازال العديد من الدول من تُرفع له القبعات حقاً يعمل على رفع سوية الوعي المجتمعي و التعريف باللجوء وأسبابه و ما يقتضيه ذلك من واجبٍ إنساني ، قانوني ، أخلاقي في استضافة من جاء يبحث عن سماءٍ آمنة و شيء من الكرامة. بل و لازالت هذه الدول تعمل على مراجعة معاهدات حماية اللاجئين ، و بحث معاييرها و جعلها ترقى إلى التغيير الذي ينال من عدد اللاجئين، تنوع أسباب اللجوء، استمراره لسنين عدة و هكذا. غير أن هذا ليس الوجه الأوحد لموقف الدول، بل هناك دولٍ أخرى مناهضة للجوء . اللاجئ بات فيها عبئاً ، حملاً ثقيلاً، سبباً لكوارث اقتصادية و اجتماعية و سياسية بل وأمنية .
أمسى اللاجئ في عين استقطابات سياسية يترنح فيها في ظل الترند السياسي ، والذي يتراوح ما بين صعود اليمين و اليمين المتطرف، الوسط ، يمين الوسط…الخ. باتت ورقة اللجوء ورقة رابحة تلعب دوراً في زيادة عدة الأصوات و الفوز بالمقاعد الانتخابية. معظم الأحزاب السياسية المناهضة للجوء تتجه نحو الفئات الأقل وعياً مجتمعياً، تُلقي بمزيدٍ من الوقود على النار ، تجعل من اللجوء و اللاجئين سبباً للفساد ، الفقر في فرص التوظيف، غلاء الأسعار، الأزمة السكنية، الأزمات الثقافية ، تُلقي على كاهل اللاجئ ما يحلُّ من عللٍ اجتماعية و اقتصادية دون أي تردد. هذا الأمر سلبي و مثير للقلق في المجتمع الدولي، فكلما تصاعد التوتر و الصراع و ما يليه من حروب على أنواعها ، يزداد عدد اللاجئين و تصبح مناهضتهم أشد تصلباً ، وضوحاً و مباشرةً. لم يعُد مرفوضاً بالمطلق أن يتقدم احد الأحزاب الأوروبية مطالباً بإعادة لاجئي الحرب العاطلين عن العمل إلى وطنهم الذي يرزح تحت نير الحرب. لا يُلقي بالاً إلى أن من يطالب بترحيلهم هم غالبية من الأطفال و النساء من لا زالوا بحاجة إلى مهاراتٍ لغوية، مؤهلات مهنية تتماشى مع متطلبات سوق العمل ، ناهيك عن أن هناك أطفال هم أحوج إلى الرعاية . لا تعود شعارات يطلقها بعض هذه الأحزاب على الملأ احصل على عمل أو عد من حيث أتيت محرجةً سياسياً لهم. لا حرج سياسي هناك على الإطلاق بل ان عدم تبني هذه الشعارات بمفهومهم يعني انك طرف خاسر وان هناك مؤامرة ما تُنسج للإضرار باهل البلد و من قام ببنائها نجح هذا لديهم ، التصنيف العرقي لم يعد عيباً لديهم، طرد اللاجئ أصبح علامة للقوة و السيادة.
على الجهة المقابلة عملت دول ديمقراطية عديدة و بشكلٍ حثيث على ضمان توفر بنية تحتية اجتماعية تضم الجميع بأمان و باحترام شديد لخصوصية وضع اللاجئ . لا تقييد على وصول المهاجرين ، تسوية أوضاعهم تجري وفقاً لقوانين جوهرها احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني، تؤكد عبر كل خطوة تشريعية و احرائية تخطوها إلى مساهمة اللاجئ و المهاجر في دعم الحياة الاقتصادية و ان تدفقهم يوازن الاضطراب في سوق العمل و يزيد من نسبة العمالة المؤهلة التي يحتاجها البلد . و تعيد في كل مناسبة متاحة و عبر تفاصيل حياتية ان التنوع هو جوهر المجتمع الإنساني و مستقبله . بلدنا كندا تقوم بهذا فعلاً ، إعادة التوطين أنقذت حياة الآلاف من الناس من أنحاء عدة من العالم ، يأتي اللاجئ عابراً الحدود الكندية يعلم تماماً ان كرامته مُصانة، له حقوق في مساحة قانونية ودور للقانون يحترمه الجميع في نظام ديمقراطي فصل السلطات و استند إلى تفويض الناخبين لنائبيهم بتمثيلهم و الدفاع عن رؤاهم و مجتمعهم الذي بنوه بجهد و كد. حريٌ بنا ان نذكر هذا و نحن على عتبة الاحتفال بيوم كندا الوطني. حريٌ بنا ان نفخر بكندا و ما تمثله. و هي كأي بلد آخر تختلف فيها الآراء وتتنوع و يتسع النقاش السياسي و الحزبي و له ايضاً خطوطه الشاقولية و الأفقية لكن يبقى الأساس ألا وهو كندا بلد ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان ،دور القانون، ويعمل على الدفاع عن التنوع و كرامة الإنسان.