قصة بقلم: شريف رفعت
أجنح أحيانا إلى فلسفة أمور حياتي، يشعرني ذلك بأنني ذكي و حكيم رغم أني لا هذا ولا ذاك، آخر تجلياتي التحليلية النفسية الفلسفية مفادها أن عمري قد ضاع هدرا، حسنا، حسنا، قد تكون هناك مبالغة في هذه العبارة، دعوني أعيد صياغتها، حياتي كان مفروضا أن تكون أكثر إثارة و بالتالي أكثر متعة، ما حدث أني إلتزمت و كلمة “إلتزمت” هنا مهمة و مأساوية، أقول إلتزمت بقواعد و قوانين و مفاهيم مبعثها ديننا و عاداتنا و تقاليدنا، مضمون كل هذا منظومة حياتية أراها سخيفة و بائسة و مملة. دعوني أتحدث عن هذه المنظومة ببعض التفاصيل.
المجتمع يفرض علينا أن نكون كلنا في حياتنا عاقلون مجدون ملتزمون متدينون و يترجم ذلك إلى الآتي:
في طفولتنا و صبانا يجب أن نجتهد في دراستنا، المذاكرة و أداء الواجبات المدرسية لها الأولوية فوق أي شيء آخر، أثناء العطلات المدرسية من المستحسن أن نعد أنفسنا للسنة الدراسية القادمة حتى نضمن تفوقنا، بخصوص اللعب ليس من المفروض أن نلعب في الشارع مع أقراننا حتى لا نكون من أولاد الشوارع، ثم أن اللعب في الشوارع قد يقود إلى تعلم الألفاظ البذيئة بينما من لهم خلفية أسرتي الاجتماعية محرم عليهم إستخدام الألفاظ البذيئة. بذيئة! هناك كلمات في العربية الفصحى لها وقع سخيف يدفع للإبتسام و “بذيئة” هي إحدى هذه الكلمات.
في مرحلة الشباب يجب علينا الاستقامة، من يتعاطى المخدرات و لو على سبيل التجربة فهو ملعون ملعون منبوذ منبوذ، نفس الشيء بالنسبة لمن يعاقر الخمر، يعاقر! كلمة فصحى أخرى لها وقع سخيف يدفع للإبتسام.
جزء مهم جدا في تكويننا هو الموقف من الجنس، مفروض تبعا للدين و العادات و التقاليد أن تكون ممارسة الجنس بين الرجل و زوجته فقط، معنى هذا أنه لا جنس قبل الزواج، حتى لغويا هناك كلمة في العربية تعكس هذا الفكر و هي “حصورا” و معناها في القاموس “لا يأتي النساء مع القدرة على إتيانهن تعففا و زهدا” و دينيا ينظر للحصور نظرة تقدير، هل قلت لكم عن الكلمات الفصحى ذات الوقع السخيف التي تدفع للإبتسام “حصورا” تضاف لهذه الكلمات. بالطبع بعد الزواج يجب أن نكون مستقيمين فلا علاقات عاطفية خارج إطاره اللعين.
بالنسبة للعمل أو لحياتنا الوظيفية يجب التفاني فيه، مثلا إذا كان الجو في الخارج رائعا لا يمكنك أن تأخذ عطلة من يوم عملك لتستمتع بالطبيعة و الجو. هناك سباق قاسي نحو القمة يجب أن نخوضه و ننجح فيه.
عندما أنظر خلفي لما مر من حياتي أجد أنني قد إلتزمت حرفيا بهذه القواعد المجحفة. في محيط اسرتي كانوا يعتبرونني قمة في العقل و الإستقامة، كثيرا ما رددوا “ربنا يحميه عاقل و مستقيم”. فقد كنت متفوقا في دراستي و ناجحا في عملي و مهذبا مع الجميع لم أعرف في حياتي إلا جسد زوجتي و لم أنطق بكلمة غير مهذبة.
أنا مللت و سئمت هذه المنظومة أعتبر كل ماجاءت به نوعا من القمع و تقييد الروح البشرية التي مفروض أن تكون حرة منطلقة مستمتعة بالحياة. و هذا بالضبط ما سأفعله. رغم تقدمي في السن فإن سنواتي و قد تكون فقط أيامي المقبلة ستكون مليئة بمتع الحياة بالمغامرة بالحب و أحيانا حتى بالخطيئة. سأصلح أيضا خطءً جسيما وقعت فيه فبسبب إقتناعي السابق بهذه المنظومة المجحفة ربيت إبني عليها فنشأ مثلي مؤدبا مجتهدا عاقلا داجنا، سأصلح هذا الآن مع حفيدي سأعلمه الإنطلاق سأجنبه المنظومة القاتلة و أعلمه حب الحياة التي سأبدأ من الغد الاستمتاع بها.
قد يهاجمني المتقعرون دينيا و يتهموني بكل الرذائل، لكن صدقوني أنا أجد شيئا جميلا شيئا إنسانيا و روحانيا في الانطلاق، في العيش دون قيود حتى دون القيود الدينية. بل أجد هناك شيئا في تفكيري الجديد هذا منسجما مع الدين، أليس هناك حديث نبوي مفاده “إذا كان البشر لا يخطئون لذهب الله بهم و أتى بآخرين يخطئون و يستغفرون فيغفر الله لهم”.
إن غدا لناظره قريب فليراقبني العالم و أنا أنطلق.
في اليوم التالي صحا صديقنا من نومه و قد أصابته سكتة دماغية، فأدخلته أسرته المستشفى للعلاج.
ماذا حدث، هل كانت أفكاره المتضاربة الطموحة المجنونة التي نام بها أكثر مما يحتمل عقله فانهار العقل؟؟ بعض الإسلاميين قد ينظرون لما حدث على أنه معجزة إلاهية، لأن الله يحب صديقنا فقد أصابه ما أصابه كي لا يرتكب ـ علَى كِبَر ـ الكبائر التي كان يطمح إليها، فهي نعمة إذا متخفية في صورة نقمة.
عندما خرج من المستشفى بعد عدة أيام أصبحت حركته محدودة للغاية، يتنقل على كرسي للمقعدين و مقدرته على الكلام شبه معدومة فهو يخرج أصواتا كالعواء غير مفهومة.
المدهش في الموضوع أن صديقنا ـ رغم حالته البائسة ـ لم تتغير أفكاره و هذا يحسب له، ما زال مصمما على التحدي ما زال مصمما على أن يعيش حياة مثيرة، ما زال مصمما على الإنطلاق، لذلك أثناء الليل و أهل المنزل كلهم نائمون تسلل على كرسيه المتحرك إلى الثلاجة فتحها و بدأ يأكل منها كل ما منعه الطبيب عن أكله.