بقلم: تيماء الجيوش
تأتي أهمية القانون الدولي من عاملين هامين أولهما في انه أوجد تعريفاً محدداً للعنف ضد المرأة ووضع معايير دولية له ، و ثانيهما تتأتى من احترام الدول و تقّيدها بتنفيذ التزاماتها الدولية في مرحلة ما بعد التصديق والتوثيق للمعاهدات والاتفاقيات. في التشريع الدولي المعاهدات الدولية لها مكانة عليا في القانون الدولي والدولة الطرف في المعاهدات من حيث التنفيذ تقع على عاتقها المحاسبة إذ ما أخلّتْ بالمسؤولية القانونية، الأخلاقية و السياسية أمام المجتمع الدولي في هذا الصدد. وهذا هو جوهر المعاهدات الدولية . الخطوة الأولى في اي التزامٍ دولي توقيعاً و تصديقاً تبدأ بأن تتعهد الدول الأطراف اعتماد الخطط والبرامج اللازمة على الصعيد الوطنية والمحلية لديها للاعتراف بهذه الحقوق و العمل بها و بحسب ورودها في المواد المختلفة في المعاهدات محل التوقيع . ووفقاً للمعايير الدولية. على اختلاف الأجيال المتتابعة لمعاهدات حقوق الإنسان ، أكدّ المُشّرع الدولي أن الحق في الحياة، والمساواة بين الجنسين، منع التمييز على أساس الجنس، وحماية السلامة الجسدية، الصحة، و غيرها هي من الحقوق الأساسية التي تتأثر بالعنف القائم على النوع أو الجندر ، والتي من الواجب صونها لهذا كان بديهياً لهذه الحقوق مجتمعة أن يُضمنْ حمايتها واحترامها في بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وإن لم يكن بتفصيل دقيق كما حدث لاحقاً في معاهدة مناهضة العنف ضد المرأة CEDAW. و العنف ضد المرأة هو قضية قانونية، هو جزء من حقوق الإنسان، بالرغم من هذا و ذلك غاب العنف عن معاهداتٍ بعينها بتفصيلٍ دقيق كما ذُكِرَ أعلاه ومنها معاهدات الجيل الثاني وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تمّ تبنيها في العام ١٩٦٦ و من ثم دخلت حيز التنفيذ في العام ١٩٧٦. ICCPR -THE INTERNATIONAL COVENANT ON CIVIL AND POLITICAL RIGHTS. هذه الاتفاقية على أهميتها الاستثنائية ، جاءت عامة في بعض موادها فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة تحديداً حيث نصّت في موادها لا سيما في المادة (٢) على التمييز بناءً على الجنس و حرصت على منع المعاملة الغير إنسانية والمهينة . و في المادة الثالثة منها حرصت على الحقوق المدنية والسياسية للنساء و الرجال بشكلٍ متساوٍ ، ما سمح لاحقاً للشّراح و الباحثين و أصحاب الاختصاص في قانون حقوق الإنسان بالاستناد عليها في القانون الدولي و القول انها أي هذه المواد تُفيد أيضاً بمنع العنف ضد المرأة. على أية حال تصاعد الاهتمام القانوني الدولي بالمرأة، العنف، التمييز، القهر، الدونية، ، عدم احترام مبدأ المساواة و احترام الحقوق الأساسية هذا كان كله سبباً لسّن معاهدة دولية مختلفة عمّا سبق و تتجه مباشرة للنصّ على موادٍ و حرياتٍ بعينها، معاهدة عن المرأة وللمرأة . هذه النقلة المختلفة كمّاً و نوعاً في التشريع الدولي حقيقةً جاءت مع CEDAW معاهدة سيداو في العام ١٩٧٩ كريكزةٍ أساسية نحو تشريع دولي يحترم الحقوق الأصيلة للمرأة، تناولت المعاهدة الحقوق السياسية، المدنية ، الثقافية، الاقتصادية، و الاجتماعية للمرأة. ومن أجل المضي قدماً في مكافحة العنف والتمييز ضد المرأة اعتمدت الأمم المتحدة أدوات وتدابير محددة.. مذ ذاك عقودٌ عدة مضّت و العديد من الفرقاء والحكومات والمنظمات يعمل على المراقبة و صياغة التقارير الرسمية و تقارير الظل التي تُقدّم صورة متكاملة عن الحماية الشاملة والفاعلة من حيث النظرية و الواقع المعاش لحقوق المرأة مما هيأ الفرصة لمعرفة سعة الفجوة بين التوقيع والتطبيق بالنسبة للدول والمجتمعات المختلفة. ما قد يوسع الفجوة و لا يجعل التنفيذ يستقيم مع بنود الاتفاقية هو أنه ليس هناك سلطة قانونية مُلزِمة لاتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة او ما تلاها كمثل برنامج فيينا للقضاء على جميع أشكال التحرش و الاستغلال الجنسي او غيرها من البرامج و الاتفاقيات و المعاهدات . المُشرّع الدولي بذل عناية في صياغة توصيات للدول والحكومات كي تلتزم بها، خططاً او برامج او خطوطاً عريضة لبرنامج ما ، لكن ليس هناك محاسبة في حال انتهاك بنود الاتفاقية من قبل الحكومات المختلفة، او عدم وجود خطة عمل بإطارٍ زمني كما يتطلب الحال . بل يُحافظ على الأفعال المعنفة للمرأة و اضطهادها ، تبقى قائمة تحت ذرائع ثقافية و اجتماعية متعددة ناهيك عن تشريعات محلية عفا عليها الزمن ومضى، تُبقي قوانين هي أبعد ما تكون عن المدنية و الحضارة في تناولها لحقوق عدة منها الزواج، الطلاق، الجنسية، العمل ، التعليم …الخ المعاهدات تتضمن التزاماً و تعهداً دولياً من أطرافها باحترام موادها و تطبيقها في تشريعاتها المحلية إلا أن هذا ليس أمراً بالضرورة يحمل الدول التي قامت بالتوقيع والتصديق على تطبيق و تنفيذ تعهدها . المثال البليغ هنا هو حماية حق الحياة الذي قالت به المادة السادسة من ICCPR والذي نظرياً على الدولة أن تقوم بحمايته و تتعهد به تشريعاتها ، أو المواد ٢، ١٥ و ١٦ من اتفاقية سيداو و المتعلقة بالحماية القانونية للمرأة ، لكن المرعب حقاً و من حيث النوع الاجتماعي و الجندر و حق المرأة فهذا التعهد يساوي الصفر في أحايين كثيرة ، حيث لا زالت التشريعات المحلية العربية تحمي جريمة الشرف و تحرص على العنف القانوني المباشر ضد المرأة و لا يؤذيها قتل آلاف النساء سنوياً . ناهيك عن معاهدات و اتفاقيات و تحفظات و تلويحٍ بانسحاب من هذا الالتزام الدولي او ذاك بحجة الخصوصية الثقافية و الاجتماعية ما أن يأتي الحديث عن الحق في الطلاق ، الأدوار غير النمطية للجنسين ، المساواة، التعليم …..الخ . العنف ضد المرأة هو عنفٌ موجّه ينال من حق المرأة في الحياة ، من سلامتها الجسدية ، فيه تعذيب و إهانة و قسوة ، و الحماية تأتي من حقيقة استمرارية هذا العنف بأشكالٍ متنوعة غير مستثنٍ فئةٍ دون الاخرى من النساء. ربما فيما سيق ولا زال حتى الان يُمّثل الحصول على أرقام أكيدة و حقائق عن العنف صعوبة بمكان و يحمل في طياته الكثير من التحديات ومنها: أولاً : صعوبة الحصول على أرقامٍ موثوقة للدلالة على المستوى الحقيقي للعنف ضد المرأة نظراً لأنه يبقى بعيداً عن التبليغ عنه في معظم الأحيان. ثانياً: التبعية الاقتصادية والاجتماعية للمرأة و بقائها في ظل من يقم بتعنيفها و عدم استقلالها ما دامت لا تعمل ، أو ليس لها درجة من التعليم الأكاديمي او المهني تؤهلها للانخراط في سوق العمل و من ثم الاستقلال المادي. ثالثاً : النوع الاجتماعي او الجندر يغيب عن التشريع عن سياسات الحكومات و عن المجتمعات وكأنه لا وجود له. رابعاً : عدم الاعتداد بتجارب النساء والفشل في تحليل التمييز و الصراع الذي ينال من حقوق المرأة . في الخامس و العشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر يُحتفى بيومٍ دولي للقضاء على العنف ضد المرأة, هذا العام ٢٠٢٣ سيكون عنوان الاحتفاء بهذا اليوم: استثمر لتنهي العنف ضد المرأة و الفتاة. (Invest to Prevent Violence against Women & Girls.) بمعنى أن يُستثمر في الاستراتيجيات المختلفة للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يستشري في مجتمعاتٍ بعينها ما يؤثر بعمقٍ في مناحٍ تنال من حياتها. من خلاله تجدد الدول الديمقراطية و المجتمعات الإنسانية ما عاهدت به بالقضاء على العنف ضد المرأة لكنه يبقى مبتوراً ما زالت المعاهدة ليس لديها السلطة القانونية المُلزمة من التقنيات و الوسائل . ربما حان الوقت كي يقوم المجتمع الدولي بإعادة النظر والتفكير في جعل المعاهدات الدولية قوة مُلزمة.