في خطاب مؤثّر ألقاه أمام ممثلي الدول خلال احتفال منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) بمرور ثمانين عامًا على تأسيسها، ندد البابا ليون الرابع عشر باستخدام الجوع كسلاح في الصراعات المسلحة، واصفًا ذلك بـ”الجريمة الصارخة التي تنتهك القوانين الدولية وتستهدف المدنيين الأبرياء”.
وقال البابا: “لقد عاد استخدام الغذاء كسلاح في الحروب للواجهة من جديد، وهو أمر يُعدّ جريمة ضد الإنسانية. هذه الاستراتيجية الوحشية تُحكم على رجال ونساء وأطفال بالجوع والموت البطيء. لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو، لا بد من إنهاء هذا العار”.
الجدير بالذكر أن هذا التصريح يأتي في وقت لا يزال فيه أكثر من 673 مليون شخص يعانون من الجوع يوميًا، بينما يعجز 2.3 مليار عن الحصول على غذاء مغذٍ. البابا أشار بأسى إلى أن “أطفالًا يعانون من سوء التغذية يُحرمون من النمو الطبيعي، في عالم تتقدم فيه التكنولوجيا وتتوسع فيه المعرفة”. وأضاف: “ما نشهده هو فشل جماعي ونكسة أخلاقية”.
البابا لم يكتفِ بالإدانة، بل دعا إلى تعبئة عالمية شاملة، قائلًا: “التغلب على الجوع لا يقع على عاتق الحكومات فقط، بل هو مسؤولية مشتركة تشمل المنظمات الدولية، والمجتمع المدني، والجامعات، وكل إنسان حر يرى في آلام الآخر ألمًا شخصيًا”.
وأكد أن هزيمة الجوع ستُفضي إلى “السلام والتضامن والعدالة بين الشعوب”، مشددًا على ضرورة تغيير الأنماط الاقتصادية التي وصفها بـ”البلا روح”، داعيًا السياسيين إلى وضع الإنسان فوق الأرباح والمصالح.
وقد حضر المناسبة عدد من كبار الشخصيات الدولية، أبرزهم الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، الذي قال: “عالم بلا جوع لا يزال هدفًا بعيد المنال. التراجع عن مبدأ التعاون الدولي مرفوض في ظل تزايد الفقر وسيناريوهات المجاعة”.
كما حضرت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي شددت على التزام إيطاليا بدعم السيادة الغذائية في إفريقيا عبر “خطة ماتّي”، وأكدت أن بلادها “تؤمن بالحق الإنساني في الغذاء وتعمل على تحقيقه بالشراكة مع الدول الأفريقية”.
علماً بأن الفعالية شهدت أيضًا افتتاح متحف وشبكة الغذاء والزراعة (MuNe) في مقر الفاو بروما، ليكون منصة تعليمية تفاعلية تعرض إنجازات المنظمة على مدى ثمانية عقود، وتُبرز العلاقة العميقة بين الغذاء والثقافة والبيئة. واعتبر المدير العام للفاو QU Dongyu أن المتحف يمثل “جسرًا بين التراث والابتكار، وبين الماضي والمستقبل”.
وفي رسالة مؤثرة، أشار البابا إلى عدد من الدول التي تعاني من المجاعة والصراعات، منها أوكرانيا، غزة، السودان، اليمن، هايتي، ومالي، مؤكدًا أن: “السكوت عن هذه المآسي هو تواطؤ ضمني، وأن استمرار تجاهل معاناة الشعوب هو خيانة لقيم الإنسانية”.
واختتم البابا كلمته بقوله: “إنه من غير المقبول أن نُطالب الآخرين بالتحرك، بينما نقف نحن مكتوفي الأيدي. الجوع ليس رقمًا في تقرير… بل إنسان ينتظر يدًا تمتد له”.
