بقلم: كندة الجيوش
الجاز والمقام رحلة مابين التفرد أو الانفراد والانغماس في الانضباط الجماعي يجمع بين تناقضات تؤدي الى عالم متكامل. ومن نظرة تاريخية، انتشرت موسيقى الجاز في الولايات المتحدة الامريكية حوالي الفترة التي انتهى فيها عهد العبودية. واستدرك وأقول ان التمييز العنصري لازال يؤرق اجيالنا بأشكال مختلفة وأوجه متلونة في بلدان كثيرة حول العالم ومنها عالمنا العربي.
ولكن ما يلفت النظر وينعم الروح في عالم موسيقى الجاز هو فكرة الارتجال اثناء العزف، حيث يتناوب العازفين الرئيسيين في الفرقة على التناوب بالارتجال في الأداء والتجلي. ويحدث هذا على آلة البيانو والساكسفون والبيانو وغيرها من الاَلات دوريا، وكل يبدع بطريقته ويأخذ النوتة علي نحو مختلف وهدفه في النهاية ربما اضافة نوع من التجلي والسمو الفني.
واذكر هنا ان الجاز يقارب مع ما نعرفه في بلادنا بالمقامات. ولطالما رأيت شبها جميلا بين الأداء في هذا العالم الموسيقي وعالم الأداء السياسي الديمقراطي. وتمنيت لو تعلمنا منه في عالم السياسة في بلادنا. هذا الشبه الذي هو أشبه بالتطبيق الديمقراطي للحكم حيث يتناوب العازفين على الامساك ببقعة الضوء والإبداع في الأداء بهدف الرقي بالفرقة والعمل الموسيقي الجماعي وكذلك إمتاع الحضور! ويتم التناوب بالأداء وكل يحاول مناجاة الاخر بأداء احيانا بعيد وأحيانا قريب اللحن ولكنه يسعى الى هدف واحد!!
ومن هنا اذهب قليلا الى عالم المقامات. وأكن محبة خاصة للمقام العراقي والتركي التي زرعتهما والدتي فينا وعلمتنا تذوقها. وكانت – رحمها الله العلياء الحديدي- تعشق هذا النوع من الموسيقى لجماليته ورقيه ولأسباب اخرى عديدة منها القرب العائلي والثقافي والجغرافي في مدينتي الحسكة في شمال شرق سوريا التي ولدت وولدت والدتي فيها.
والمقام العراقي هو التراث الغنائي الذي وضعته اليونسكو على لائحة التراث العالمي وهو شيء يندر حصوله.
وطبعا المقام الأندلسي والمقامات الاخرى تبقى لها مساحتها الفنية الرائعة ولكني هنا اخص العراقي وذلك ان مقالة جميلة ذكرها الأخ والصديق العزيز الدكتور موفق التكريتي عن الموسيقى في العراق اعادته الى دائرة الحنين خاصتي واليكم انقل بعضا مما قال عن هذا العالم الجميل والتاريخ العريق، يقول الدكتور موفق التكريتي:
« مقدمه لمحاضرتي في واشنطن عن المقام العراقي الموسيقى في العراق كانت رفيقة الملوك ومناجاة الأله وتسمع في المعابد ..
فالقيثارة السومريه التي أدهشت العالم عثر عليها الأثاريون في المقابر الملكيه السومريه … أي التصاق بالموسيقى الذي يجعل الملوك يصطحبون القيثارة معهم إلى العالم الأخر . «الموسيقى هي تراتيل إلهية مقدسة» هذا ما قاله الملك شولكي امبراطور العراق العظيم وهو أيضاً موسيقار اور البارع. نعم موسيقار وإمبراطور..»
في العصر العباسي الذي اشتهر فيه اسحاق وإبراهيم الموصليين .
كان هنالك أمير واميرة مغنيان هما أخوة هارون الرشيد؛ ابراهيم بن المهدي وعلياء بنت المهدي .
في العصر الحديث كان مؤسس معهد الفنون الجميلة هو الشريف محيي الدين بن حيدر وهو من العائله المالكة العراقية وهو نفسه الذي تدرب على يديه جميل بشير ومنير بشير وسلمان شكر وغانم حداد وجميل بشير هو نفسه الذي أحيا الأغاني الصوفية كفوك النخل التي ألفها ملا عثمان الموصلي واصل كلماتها .. عالي ألعرش فوق.
هكذا تختلط العباده والغزل بالذات الإلهيه بالموسيقى .
العراق فاز بالجائزة الأولى في مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة سنة 1932 وكان المحكِّمون فيها من أكبر اساتذة الموسيقى في العالم والذي اقتصر العراق فيها على المشاركه بالمقام العراقي فقط وكان القارئ هو الأستاذ محمد القبنجي ..
المقام العراقي هو التراث الغنائي الذي وضعته اليونسكو على لائحة التراث العالمي وهو شيء يندر حصوله ..
أعشقك يا عراق واعشق موسيقاك
موفق التكريتي