بقلم: كنده الجيوش
يقوم بعض الأصدقاء من الصحفيين المهنيين في أيامنا هذه بنشر صور لهم أثناء تأديتهم عملهم وواجباتهم المهنية اليومية ، والتي تنطوي على تصوير مهني موثق، أو صور فوتوغرافية أثناء عقد لقاء صحفي مع شخصية هامة ، أو أثناء تغطية حدث استثنائي ، أو مكان لواقعة كبيرة.
والهدف لديهم عادة يكون في زيادة الوعي حول الصحافة المهنية ، ومن امتهنها كعمل يومي ، وإيضاح الفرق بينها وبين من يمتهن الكتابة على وسائط التواصل الاجتماعي ، وهي ايضاً لها احترامها الخاص بها ، ولكن طبيعتها تختلف قليلا عمن امتهن الصحافة.
وهنا لا بُدّ من الإيضاح ان الصحافة المهنية تُعنى بالأحداث الكبيرة وتسعى خلفها ، وأحياناً يكون لها جماليتها وأهميتها كحدث ذو أبعاد دولية مختلفة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الفنية ، وما يرافق ذلك من جرعات تدفق الأدرينالين الكبيرة ، أهميتها وايضاً مخاطرها التي لا تُحصى.
بالعودة إلى هذه الصور الجميلة التي توثق لأحداثٍ فارقة يجدر بتسميتها بالتاريخية نجد منها ما يُظهر توقيعا لاتفاقية سلام في طرف الصور، بينما يقف الصحفي أو الصحفية في الطرف الآخر يسجل ويكتب ما يحدث … وتزداد جماليتها عندما تكون غير ملونة اي بالأبيض والأسود و كأنها قادمة من زمنٍ مختلف لكنه ثري ، ما يزيد في بهائها من حيث قدمها وهي توثق تاريخ هذه المهنة.
احد أصدقائي اختار صورة له في أفغانستان فوق سطح منزل وهو يرصد القتال .. وصديقة صورة لها في مقر القوات الأمريكية في بيروت، وصور أخرى لمن يحضر توقيع اتفاق سلام أخير في نقطة حدودية مشتركة.
تعود بنا إلى التساؤل و معرفة ما هو الفرق والمخاطر وحتى الحوافز وكل ما يُميز العمل الصحفي عن غيره؟
العمل الصحفي بطبيعته يحمل الكثير من المسؤولية الإنسانية في إيصال التفاصيل الصحيحة ودقة الخبر لأنها تعني مواقف سياسية بالغة الأهمية قد تبنى على ما يتم رصده .. وهده المواقف قد تكون رسالات تدعو إلى السلام ، أو حتى تنبيه لمقدمات و لقرب وقوع حرب.
وقد تكون تقارير بحثية واستقصائية حول تطورات سياسية أو اقتصادية أو كلاهما معا ، وقد تدل أيضاً على حسن إدارة أو ربما فساد كبير.
في أيامنا هذه عالم الصحافة يكبر ويتسع، ولكن من الضرورة بمكان أن يتم التمييز بين تصنيفات هذا العالم المتغير. وليس الهدف أن نقول إن هذا أفضل من ذاك ، ولكن الهدف هو ان نميز وان نُعّرف العمل الصحفي بدقة أكثر ، و الكثير من الصحفيين المهنيين اليوم يستعينون بوسائط التواصل الاجتماعي لينشروا ما لم يستطيعوا نشره عبر الوسائل المهنية أو دور النشر أو المؤسسات الإعلامية الكبيرة.
والهدف من النشر للصور ليس فقط للتمييز بين أنواع الصحافة ، بل ايضاً للتعريف بمهنة الإعلام عموما وما يمكن أن تنطوي عليه وظروفها وخصوصياتها وأماكن عملها وكيفية سير التغطية الإعلامية وما هي منعطفاتها أو حتى تكلفتها الكبيرة أحيانا.
ومع تمنياتنا لكل الصحفيين بالسلامة – فكلنا يُدرك صعوبة مهنة الصحافة تحديدا ، إحدى الدراسات العالمية تقول أن الصحفيين ممن يعملون في أنواع معينة من المهنة – في أجواء الحروب والتوترات السياسية والاقتصادية وغيرها – يسجلون أعلى إصابات في الأزمات القلبية القاتلة – في القرن الماضي.
أي أن أكثر أسباب الموت شيوعاً لدى الصحفيين هو الأزمة القلبية والموت المفاجئ. طبعا هذا يأتي من شرائط معينة منها ضغط العمل الشديد ، والظروف الأليمة التي عليهم القيام بتغطيتها مثل الحروب بالإضافة إلى عوامل أخرى لا تقل شدة عن الأولى ومنها المنافسة الحادة في العمل حيث يكونون محكومين بفكرة السبق الصحفي وغيره. و هذا يفيد حقيقة أن الإنسان مهما بلغت نسبة نجاحه و قدرته على التحمل فالضغط سينال منه. ولا يعني هذا بالمجمل أن كل من عمل في الصحافة وفي ظل ذات الظروف الاستثنائية سيتعرض لنفس المصير ، ولكن من باب الإقرار بالواقع أن الكثير ممن عملوا في ظروف قاسية وخلال الحروب والنزاعات المباشرة أو غير المباشرة يتعرضون لحالات وأزمات صحية كثيرة.
وربما هذه الظروف القاسية تقود إلى الإحساس بالتضامن العميق الذي نجده بين الصحفيين وبين الجنود أو من عمل خلال الحروب رغم اختلاف الدور والتجربة. فهم جميعا عاشوا الظروف والألم بشكل متنوع ومشابه. ومنها الاكتئاب أو حالات ما بعد الصدمة.. وهذه أمراض أصبحت منتشرة بكثرة في ظل ظروف حياتية وإنسانية معينة صعبة يتعرض لها الكبار والصغار. …
أمنياتنا اليوم كما هي بالأمس أن تنتهي الحروب في العالم أو أنها لو لم توجد أبدا ، وألا يكون هناك منشأ لأدنى ظروف تسمح بخسارة الإنسان لحياته أو أن يقع فريسة لصراعٍ أو حربٍ أو عنف . وان يبقى العمل الصحفي سباقاً و مسؤولاً و سلطة رابعة توثق وترصد و تُحلل و تكتب تاريخاً.