بقلم: رفاه السعد
لم تعد ممارسة الفساد أمرا غريبا على العراقيين، بل أصبحت مسألة عادية لكثرة انتشاره في كل مجالات الحياة حتى أصبح العراقي فاقدا للثقة بالسياسيين وكتلهم وأحزابهم وتحالفاتهم التي لم تقضِ على الفساد ولم تحد منه، فالسرقات والتجاوزات والمخالفات أصبحت لا تعد ولا تحصى، وكل يوم نسمع قصصا وروايات جديدة عن الفساد المالي والإداري.
كما لم تجد احتجاجات وتظاهرات العراقيين ضد الفساد نفعا رغم أنها متواصلة منذ سبع سنوات، بل اصبحت محاربة الفساد عملية محفوفة بالمخاطر، فالمعترض عليه قد يتعرض للخطف أو القتل وقد تُلَفق له تهمة الفساد ليجد نفسه هو المتهم به.
استجوابات البرلمان، وإن كانت قد أطاحت بوزيرين حتى الآن، هما وزيرا الدفاع والمالية، لكنها بقيت معالجات سطحية كما أن الوزيرين المقالين لم يقدما للقضاء ما يعني أنهما أقيلا ليس لأنهما فاسدان بل ربما لأنهما لم يخضعا لابتزاز احدهم مثلما جاء على لسان وزير الدفاع المقال!
لقد أصبح المسؤولون خبراء في إخفاء ممارساتهم الفاسدة، وبدلا من أن يعينوا أقاربهم وأتباعهم مباشرة في وزاراتهم ومؤسساتهم، كما كانوا يفعلون سابقا دون حياء، أصبحوا يعينون أقارب بعضهم بعضا وهذا ما يحصل حاليا وهناك أدلة عليها, وحتى المواطن العادي اصبح يكشف العايبهم واساليبهم,اما القضاء فلا يستطيع أن يدينهم بها لكن من يتقصى الحقائق سيجد قصصا كثيرة في هذا المجال.
ولم ينفع مع الفساد وجود هيئة النزاهة ولجنة النزاهة وهناك ايضا ديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتش العام المنتشرة في كل وزارة ومؤسسة، بالإضافة إلى وسائل الإعلام، بل ظل ينتشر ويعزز من مواقعه في كل مكان.
وسائل الإعلام التي يفترض أن تكشف الممارسات التي تضر بالصالح العام بقيت اغلبها مترددة وربما تفتقر إلى الخبرة في هذا المجال.
بقي العراق في أعلى سلم الدول الفاسدة في العالم حسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية، ولم يزعج هذا التصنيف المسؤولين العراقيين كي يعملوا على مكافحة الفساد حفاظا على سمعة العراق وثروته، بل تصرفوا وكأن التصنيف قد منحهم الضوء الاخضر لمواصلة السرقة . لم يتقلص مستوى الفساد في أي وزارة أو مؤسسة إذ (حافظ) العراق على مستوى تصنيفه بين الدول الفاسدة خلال السنوات القليلة الماضية.
آخر ما تداولته الانباء هو أن البرلمان سوف يستجوب وزير وزير الهجرة والمهجرين محمد جاسم الجاف لمعرفة مصير ملياري دولار كانت مخصصة للنازحين… فهل يعقل أن بلدا يتعرض لكارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل وفيه أربعة ملايين نازح يفترشون العراء أو يعيشون في مخيمات تفتقر لابسط الخدمات الأساسية، من غذاء ودواء وماء صالح للشرب، ومع ذلك تتعرض الأموال المخصصة لإغاثتهم إلى السرقة؟ لن نستعجل الحكم وسوف ننتظر نتائج التحقيقات.
وهل يعقل أن ينتشر الفساد حتى في وزارة الصحة التي استوردت “حذاءا طبيا” بقيمة ٩٠٠ مليون دينار من البرتغال في وقت يعاني فيه القطاع الصحي من نقص كبير في الادوية والاجهزة الطبية والمستلزمات الضرورية، ناهيك عن تهالك مباني المستشفيات والمراكز الطبية؟
مع ذلك لم يجد البرلمان في هذا الإجراء أي خلل ونجت الوزيرة من الإقالة وعادت لتحتفل ببقائها في منصبها وكأنها حققت إنجازا عظيما!
بينما أخفق في استجواب وزير التجارة وكالة، سلمان الجميلي، حول صفقة الرز الفاسد دون أن يعرف احد أسباب هذا الإخفاق. والغريب أن هناك من دافع عن وزير التجارة، فمنهم من قال “إنه رز مسلوق وإن الشعب العراقي غير معتاد على هذا النوع من الرز”، ومنهم من رفع اصابع الاتهام بوجه ربات البيوت قائلا إنهن “لا يعرفن كيف يطبخنه”، بينما قدم أحد مسؤولي وزارة التجارة درسا تلفزيونيا في كيفية تناول الرز ليثبت أنه لذيذ وكل ما يقال عنه هو افتراء!
المدقق الدولي لصندوق تنمية العراق سابقا كشف عن هدر ملايين الدولارات في تعاقدات أبرمتها وزارتا النفط والاسكان والإعمار على مدى السنوات العشر الماضية. أما التعينات والترقيات في دوائر الدولة فتجري وفق حسابات المحسوبية والمنسوبية والطائفية، ناهيك عن الرشوة والانتماء السياسي، حتى أصبحت الوزارات ومؤسسات الدولة أشبه بالمقرات الحزبية. معيار الكفاءة في التعيينات غائب تماما وهناك الكثير من المؤهلين والأكفاء عاطلون عن العمل.
رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي تربع على عرش مملكة الفساد في العراق لثماني سنوات عجاف، اختفت خلالها ثمانمائة مليار دولار، لم يحاسبه أحد، وحتى تقرير اللجنة النيابية بخصوص سقوط الموصل الذي أدان المالكي بوضوح، قد وضع على الرف دون تبرير مقنع. 800 مليار دولار كان يمكن أن تبني العراق من جديد حسب الخبراء، لكنها ضاعت وربما لن يعرف مصيرها إلى الأبد، ليصبح العراق مفلسا ومكبلا بالديون ينتظر هبات الدول الأخرى والقروض (الميسرة) من البنك الدولي!
ربما كان النائب مشعان الجبوري، عضو لجنة النزاهة النيابية، أكثر السياسيين صدقا عندما صرح علانية “بأننا جميعا فاسدون، بمن فيهم أنا”! لكنه عاد وحاول تلميع صورته بأنه أخذ خمسة ملايين دولار من شخص كي يوقف التحقيق معه في قضايا فساد، لكنه، ويا للنزاهة، أخذ المبلغ وواصل التحقيق!!! لا يمكن الحديث عن دولة عصرية متماسكة منصفة وديمقراطية إن لم يخرج العراق من نفق الفساد المظلم والذي لا يُرى في نهايته أي ضوء حاليا.
ولا يمكننا ان نتحدث عن اصلاحات من خلال تغيير الشخصيات ..فعلى الحكومة قلع الفساد من جذوره قبل أي خطوة.