بقلم: خالد بنيصغي
عُقِدَتْ أول قمة عربية في مايو (أيار) 1946 في مصر، بعدما وجهت دعوة ثالثة لعقدها. وكتب البيان الأول بماء الذهب، ووقع عليه الملوك والرؤساء العرب، ونص بيانها الختامي على «رغبة أكيدة للدول العربية في السلم الدائم»، كما نص على أن قضية فلسطين هي قضية العرب جميعاً، ولا يمكن الموافقة على هجرة يهودية جديدة إليها .
وتوالت القمم العربية بعدها في لبنان ومصر والمغرب والسودان والجزائر والسعودية والعراق والأردن وتونس .. ثلاثون قمة عربية في ستين سنة ، وهذه السنوات الطويلة تغيرت فيها الأجيال العربية ، والحياة العربية ، والسياسات العربية ، رحل ملوك وزعماء ورؤساء الدول العربية ، وخلفهم ملوك وزعماء ورؤساء آخرين ، معظم القمم العربية كان موضوعها الأساسي هو القضية الفلسطينية ، والقدس عاصمة فلسطين ..
بعد أزيد من ستين سنة لم تحقق أية قمة عربية أي نجاح يذكره التاريخ ، بل بالعكس مع مرور الوقت والسنون لم يزد العرب إلا تفرقة ونفوراً ، وزادت الخلافات والانشقاقات بشكل كبير ، وانتشرت بؤر التوتر في البلادات العربية وتوسعت إلى أعلى مستوياتها .
والأدهى من هذا وذاك هو انعدام الثقة بين العربي والعربي ، وانعدام الثقة بين الزعماء العرب أنفسهم وانقسامهم انقساما واسعاً ، إضافة إلى إحساسهم الفظيع بالضعف والوهن من القوى العالمية الكبرى ، كلها عوامل تجعل النجاح العربي شبه مستحيل إن لم نقل هو مستحيل بالفعل ، والسؤال العريض الذي يطرح نفسه هو : لماذا لم تستطع أي فئة من الزعماء العرب الذين تعاقبوا على حكم الشعوب العربية طيلة هذه السنوات التي تناهز الستين سنة أن يقدموا النجاح العربي االمنتظر ؟؟
رحل ملوك وزعماء ورؤساء القمم العربية المنعقدة في سنوات السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات دون أن تتقدم القضية الفلسطينية قيد أنملة ؟؟ بل إن بعضهم كانت نهايتهم غير سعيدة وغير متوقعة كإعدام الرئيس العراقي صدام حسين ، وقتل الرئيس الليبي معمر القذافي ، وعزل الرئيس المصري حسني مبارك، والرئيس اليمني علي الصالح والذي تم قتله مؤخرا بعد حرب طاحنة ، وعزل الرئيس التونسي بنعلي ، وحرب سوريا المريرة على بشار الأسد التي لم تنته بعد ، فيما إن قتل وتشريد الأسر السورية لا يزال مستمرا بكل استفزازاته القذرة …..
تشخيص الوضع العربي لا ينتهي عند هذه المأساة ، بل يتعداها حين يتعلق الأمر بمستقبل غامض لهذه الدول العربية وشعوبها ، هذا الجيل الحالي من الزعماء والحكام العرب لم يستطع أن يجتمع لبضع ساعات فقط وإعلان القدس عاصمة لفلسطين كرد عادي وطبيعي على إعلان الرئيس الأمريكي “ ترامب “ أن القدس عاصمة إسرائيل ؟؟
في تصورنا لو أعيد ترتيب قمة عربية للزعماء العرب الذين رحلوا أو عزلوا أو قتلوا أو أعدموا ، لما ضيعوا فرصة الكرامة والهمة للشعوب العربية ، وخرجوا بقرارات ذات قيمة وفعالية تجعل من الإنسان العربي مفخرة العالم كله ، لست أدري إن كان هذا مفيدا للزعماء والحكام العرب الذين يحكمون الآن الشعوب العربية من الماء إلى الماء ، أن ينهوا هذه النعرات والنزاعات العربية ويتحدوا على قلب رجل واحد ليذكرهم التاريخ بالفخر والعزة والشهامة ، وحتى لا ننسى أنه يجب الإلمام بأمور لا تقبل الانتظار، والذئب لا يأكل إلا القاصية من الغنم ..