بقلم: تيماء الجيوش
لايمكن الحديث عن الديمقراطية دون الحديث عن دور المرأة و أهمية تمثيلها في الهيئات التشريعية و ما تؤدي إليه من زخمٍ ديمقراطي و فوائد مجتمعية و هذا ما تدعو إليه حثيثاً عدة حكومات ، منظمات الدولية ، مؤسسات المجتمع المدني ، مع فهمٍ و تحليلٍ مفاده انه بالرغم من التقدم في مجتمعاتنا الإنسانية و نظمها الاقتصادية و الاجتماعية إلا أن نقص تمثيل المرأة يُمثّل مشكلة عالمية ،و هذا يعود بطبيعة الحال إلى هرمٍ من معوقات متعددة يأتي على رأسها العامل التقليدي الاجتماعي، البنى الثقافية المجتمعية التي لا تُقر بمبدأ المساواة و تدفع المرأة بعيداً عن الحياة السياسية. هذه البنى هي ذاتها التي تدعم القوانين التمييزية و الصور النمطية عن المرأة على مستويين أساسيين هما الإعلام و الأحزاب السياسية مما يجعل أمر وصول النساء للترشح و الانتخاب صعباً و غير قابل للتحقيق في أحوال عدة. ناهيك عن ضعف التمويل و المنظمات و الشبكات المهنية الداعمة لهكذا ترشح بالدرجة الأولى. يضاف إلى ما سبق ومع تمازج حياتنا اليومية مع وسائل التواصل الاجتماعي ،يبقى العنف و التحرش السياسيين الذي يقع على النساء و بشكلٍ حادٍ سبباً مانعاً لمشاركة المرأة في الحياة السياسية ، والتي هي بطبيعة الحال تواجه ثقلاً مضاعفاً على كتفيها من مسؤوليات أسرية لا تمنحها توزاناً مع أي جدول عمل سياسي . ناهيك عن الخوف من الرفض ، الثقة بالنفس و ما يرسمه المجتمع لادوارٍ و توقعات تخص النساء دون غيرهم.
على أية حال في المجتمعات الديمقراطية حيث احترام مبدأ المساواة ، استمرّ الدفاع عن دور المرأة و الشراكة السياسية ، وان الثقة و الشرعية لأية حكومة أو نظام تبدأ من التمثيل المتوازن في صنع القرار السياسي، بل ووجود النساء يزيد من تعزيز هذه الشرعية . وأن السياسات للدول لا بد من أن تكون أكثر شمولاً رجالاً و نساءً حيث المناصفة و الشراكة مع المرأة على وجه الخصوص تؤثر بشكلٍ مباشر على قوانين المساواة و تطبيقها ، قضايا العنف، و كل ما يتعلق بحقوق النساء و الأطفال و الفئات الضعيفة. و ذهبت إلى أن التنوع التشريعي يعزز من صنع القرار و يجعله مبنياً على الحقائق والواقع المُعاش من قبل الأفراد. ثم أن المجتمعات الإنسانية بحاجة إلى وجود قياداتٍ نسوية سواء من حيث الترشح و الانتخاب ، و قد أثبتت التجربة و بالبرهان أن مشاركة النساء في الحياة السياسية قد أدى إلى تدني نسبة التمييز و التحيز ضدهم. موازاةً مع هذا الفهم لدور المرأة باتت العديد من الاستراتيجيات للدول تنحو إلى الإصلاح الانتخابي و الإصلاح المؤسساتي، و تُطبق مبدأ الحصص لا سيما في الهيئات التشريعية و تمنح المرأة تمثيلاً في البرلمان و الحكومات فكان إن زاد عدد المُشّرعات مع احترامٍ لأدوارهن و العديد منا شهد ولا زال يشهد مشرعات يقفن في مجالس تشريع أوروبية و أمريكية يحملن أطفالهن و يناقشن ما يُطرح أمامهن من مسائل اقتصادية اجتماعية و سياسية و عسكرية ، باتت هذه الصورة أقرب إلى الوعي العام بما تحمله من ابعادٍ مختلفة ، و عززت من احترام تعدد مسؤوليات ما يقع على عاتق المرأة.
في الفترة الواقعة ما بين الخامس عشر و العشرين من أيلول / سبتمبر للعام ٢٠٢٥ عُقِدت انتخابات برلمانية في سوريا . و هي تختلف عما سبقها وما تمّ في عهد ديكتاتورية الأسدين من حيث اعتماد نظام انتخابي مؤقت غير مباشر وفقاً ل مواد الإعلان الدستوري المؤقت ، و أخذاً بعين الاعتبار عدم توفر قاعدة بيانات سكانية دقيقة نتيجة لأعمال العنف والحرب الأهلية عبر ١٤ عاماً. و هكذا كان مجمل عدد المقاعد الانتخابية هو ٢١٠ مقاعد ، منها ١٤٠ يتم انتخابهم عبر نظام يقوم على الدوائر او بمعنى آخر يتم اختيار أعضاء المجلس من قبل لجان مؤلفة من شخصيات مجتمعية ، مهنية، أكاديمية ، وما تبقى من المقاعد ( سبعين مقعداً) يتم تعيينهم من قبل الرئيس السوري بشكل مباشر. مدة ولاية المجلس ستكون ثلاثين شهراً قابلة للتمديد و من مهامه التشريعية سنّ وإلغاء القوانين ، الموازنة العامة، تصديق و توثيق المعاهدات الدولية ، والاهم تشكيل لجنة لإعداد دستور دائم. ….الى آخر المهام التي يتولاها أي مجلس تشريعي.
في السادس من أكتوبر / تشرين أول تم إعلان نتيجة هذه الانتخابات و التي تمثل أول برلمان سوري ما بعد مرحلة القمع و الإرهاب الذي مارسه الأسد. ومع انتهاء مدة الطعن القانوني بها باتت نتائجها نهائية . وفي قراءة أولية لهذه النتائج لا سيما من منظور نسوي ، نجد أن المرأة نسبة تمثيلها كانت ضئيلة ، لا تُذكر ، اقتصر على مقعد نسوي واحد في حمص ، واحد في عفرين من محافظة حلب ، ومقعد آخر محافظة طرطوس في دوائر دريكيش و الشيخ بدر ، وفي حارم من محافظة إدلب كان مقعد ثالث و هكذا لم يتجاوز عدد النساء الناجحات في الانتخابات خمسة عضوات ، ما شّكل نسبة مئوية قدرها ٤٪ من مجموع الأعضاء الـ ١١٩.
وحقيقة الأمر هذا لا يتماشى مع دور المرأة السورية و ما قدمته ، مع دورها الحضاري ، كذلك لا يتماشى مع الواقع الاجتماعي والإنساني حيث كان للمرأة السورية نصيباً وافراً فيه. المرأة السورية لم تكن غائبة عن التظاهر و المطالبة بالحرية والحقوق سواء عبر منظمات و مؤتمرات أو عبر مبادرات فردية صاغتها بجهدٍ ووعي سياسي ووطني .
لم تكن المرأة السورية مستثناة بإلا من العنف ، الاعتقال ،التعذيب ،الاختفاء ،النزوح والهجرة منذ بدء الثورة السورية في ٢٠١١ ، وعلى امتداد الأربعة عشر عاماً إلى حين سقوط النظام. النساء السوريات ازداد فقرهن و لم تكن لديهن ذات الفرصة في التعلم ، ربما زادت فرصتهن في الدخول في سوق العمل نظراً للظروف العامة لكن هذا أدى إلى مضاعفة أعبائهن التي كانت ولا زالت تتمحور في ثبات أسرهن و ضمان الاستقرار لهذه الأسر..تقدمت نساء سوريا مطالبة بالمساواة و حقوق الإنسان و العدالة الاجتماعية ، تم هذا عبر المنظمات و مؤسسات المجتمع المدني. ساهمت المرأة السورية و دون هوادة في بناء رأي دولي عام ضد ممارسات الأسد القمعية و شرحت تفاصيل القضية السورية على أنها قضية حق أولاً. الآن وعند الحديث عن شراكة المرأة و زيادة نسبة تمثيلها في المجلس التشريعي فهذا ليس منّةً ولا فضلاً بل هو نتيجة جهد و عمل مستمر تتجاوز حدود نتائجه لتشمل المجتمع السوري عموماً . بناء سوريا الحديثة يعني عدم إغفال البعد الجندري لها، يعني ان تتقدم النساء صانعات القرار السياسي كحقٍ مكتسب بالدرجة الأولى.
لا زالت الفرصة قائمة أمام الإدارة السياسية بزيادة نسبة تمثيل المرأة في الثلث المتبقي .
و هذا ما نوّه إليه رئيس لجنة الانتخابات محمد الأحمد في تصريحاته برفع توصياتٍ الى الرئيس الشرع برفع نسبة النساء في مجلس الشعب ما دام له حق التعيين المباشر لنسبة الثلث. وهذا ما يتفق تماماً مع الفقرة الثانية من المادة ٢١ من الإعلان السوري المؤقت والتي نصّت تحديداً على ان : «تكفل الدولة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة، وتحميها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف.»
ويتفق ايضاً مع ما اتجه إليه الإعلان الدستوري في الفقرة الثانية من المادة ١٢ :
«تُعد جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءًا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري.»
وبالنتيجة هنا فإن القانون الدولي هو جزء من القانون الأول المؤقت في سوريا إلا وهو الإعلان الدستوري ، أي أن الفقرة الأولى من المادة الرابعة من معاهدة سيداو هي جزء من القانون السوري و التي تنص : «لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية، ولكنه يجب ألا يستتبع، على أي نحو، الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة. « و بموجبها و بشرحٍ دقيق قانوني و تشريعي لا بد للدول و الحكومات من اعتماد و تنفيذ تدابير مؤقتة وخاصة تهدف إلى زيادة وتيرة مشاركة المرأة وفقاً لمبدأ المساواة على المستوى السياسي ، الاقتصادي ، الاجتماعي و الثقافي .
اليوم من مهام السوريين كتابة تاريخهم الحديث ، أن يرسوا دعائم دولةً ديمقراطية تحترم الحقوق والحريات دون تمييز يعود إلى دين أو جنس أو لون . أن تكون المرأة صانعة للقرار و ان تكون الشراكة واقعاً لا بنداً اضافياً ، و أن تأتي الأجيال القادمة و هي تعي أن سوريا الحديثة بُنيت بأيدي رجالها و نسائها ، بُنيت بدمائهم في سبيل حريتهم و كرامتهم .