بقلم: تيماء الجيوش
حضرت إلى مكتبي بمدينة دمشق ( الشام) ذات مساء سيدة تسألني النصيحة القانونية. و باختصار كانت سيدة متزوجة وأم لطفلين و خريجة كلية الاقتصاد، تدير مشروعاً تجارياً صغيراً أنشأته وأدارته بجهودها وأموالها لتدعم من ارباحه اسرتها الصغيرة . حدث خلاف بينها و بين زوجها قررت على أثره أن ترفع دعوى تفريق لعلة الشقاق ضده ، تركت منزل الزوجية منذ عام ، ولاحقاً قام الزوج من خلال مفاوضاته بإبداء استعداداً للطلاق الفوري و ان يختصر الجهد و الوقت الذي تاخذه هكذا دعاوى في المحاكم و التي قد تصل الى ١٥ عاماً و شرطه الوحيد كان ان تتنازل عن ملكيتها لمشروعها التجاري . عند هذا الحد كل هذه المعلومات لم تخرج عن حد التفاوض ان كان ضمن اطار الزواج او اَي اطارٍ تجاري اخر بالرغم من تحفظي على ان المعايير الأخلاقية في الأسرة يجب ان يُحافظ عليها في حالات الطلاق وهي تقتضي الكثير من الاحترام و اللين و الرحمة و المنطق و الطرح ما بين زوجين جمعت بينهما حياة مشتركة لأعوام خلت. على أية حال انتهى عرض تفاصيل الموكلة بسؤالها الهام لي :»ماذا عليها ان تفعل و قد فاجأها زوجها بتقديمه مذكرة كيدية للمحكمة الشرعية بأنها زوجة ناشز وانه يطلبها لبيت الطاعة بيت الزوجية الذي غادرته منذ عامٍ خلا»؟ و أضافت أن هذا يحدث من باب الضغط عليها كي تتنازل له عن ملكيتها التجارية.
بالتعريف الشرعي و الفقهي الزوجة الناشز هي :
«التي تمتنع عن طاعة الزوج و اداء الحقوق الزوجية له و تقوم بعصيان اوامره و تتمرد عليه و هو من دلائل سوء الحياة الزوجية». و بناءً على هذا التحديد الشرعي استندت قوانين الأحوال الشخصية العربية في تعريف من هي الزوجة الناشزة. و منها قانون الأحوال الشخصية السوري الذي عرّف الزوجة الناشزة في المادة ٧٥ منه بأنها :»التي تترك دار الزوجية بلا مسوغ شرعي أو تمنع الزوج من الدخول الى بيتها قبل طلبها النقل الى بيت اخر».
و بهذا يشابه التشريع السوري كل التشريعات العربية في المعالجة القانونية للنشوز و أحكامه، ربما بعض الفروق البسيطة هنا أو هناك دون المساس بالأرضية القانونية له.
ومن المتفق عليه فقهاً وقانوناً و عُرفاً و تبعاً لهذا التعريف ان من صور النشوز خروج المرأة من منزلها دون إذن الزوج او ان تقوم بنشاط اجتماعي او ان تكون لها دائرة اجتماعية لا تحظى بموافقة الزوج او ان تتلفظ بألفاظٍ نابية ضده او اَي فعلٍ او تصرف يُخالف إرادة الزوج. و يعزو البعض في مغالةٍ لتحليله ان من أسباب نشوز المرأة و عدم طاعتها لزوجها هو سوء تربيتها و غرورها و عدم تلقيها القيم الصحيحة كذلك تأثرها بالفكر الغربي. لكن ما هي الاحكام القانونية المترتبة على النشوز حين وقوعه من قبل الزوجة؟
اهم ما يترتب على النشوز من نتائج هو حرمان الزوجة من حقوقها أي النفقة و المسكن الشرعي لانها بالمقابل أي الزوجة امتنعت عن تنفيذ الحقوق المترتبة عليها في طاعة الزوج و الالتزام بما يرضيه و ما يمليه عليها و هذا ما أكدته و ما ذهبت اليه المادة ٧٤ من قانون الأحوال الشخصية السوري إذ نصت :»إذا نشزت المرأة فلا نفقة لها مدة النشوز» . و يستطيع الزوج إثبات نشوز الزوجة بتقديم الدليل على تركها منزل الزوجية و الرحيل عنه دون إذنه . فالقوامة الممنوحة للرجل من مسؤولية و تكليف و انفاق تمنحه هذه المساحة الواسعة من الحقوق وفقاً للشرع و القانون بل و له في حال نشوزها أي الزوجة ان يضربها كي يضع حداً لعصيانها له، و هذا لسبب بسيط فالأحكام الشرعية تؤكد سلطة الزوج التأديبية على المرأة و لا يوجد حتى اللحظة نصاً قانونياً صريحاً يمنع ضرب الزوج لزوجته ومن ثم العقاب عليه.
أما من حيث إجراءات الدعوى و مراحلها أمام المحكمة الشرعية المختصة فهي تبدأ عادة بقيد أو تسجيل دعوى النشوز أو كما ندعوها في القانون السوري دعوى المتابعة و بشرحٍ دقيق تعني متابعة الزوجة للزوج في بيت الزوجية بتوجيه الزوج للزوجة إنذاراً ندعوه قانوناً إنذار الطاعة عن طريق المحكمة يدعوها فيه الى العودة الى بيت الزوجية او كما هو متعارف عليه بالتعبير المحلي الى « بيت الطاعة»
و تنفيذ الإنذار يجب ان يتم خلال مدة معينة و للزوجة ان تعترض قانوناً على إنذار الطاعة و يقع على عبء الزوجة إثبات السبب القانوني و المباشر الذي يدعم الاعتراض و يعود للمحكمة سماع الشهود و التحقق من مزاعم الزوجين وًلتُصدِرَ حكمها لاحقاً في ان تَعُدَّ الزوجة ناشزاً أم لا. و هل من حق الزوجة حصولها على حقوقها و نفقتها أم لا سواء استمرت الحياة الزوجية أم انتهت بالطلاق و هنا نذكر ان حدوث الطلاق الى جانب النشوز يُسقط حقوق المرأة جميعاً باستثناء المهر باعتباره مستكملاً أركانه الشرعية و القانونية بقيام العلاقة الزوجية . يغلب على دعاوى المتابعة او النشوز و بيت الطاعة الطابع الكيدي و البوابة الواسعة التي تُبيح للزوج عدم اداء الحقوق المالية للزوجة كالنفقة و ما الى ذلك. و غالباً لا تستطيع المرأة باعتراضها ان تُثبت صحة دعواها و اسبابها و تفسير ذلك يعود الى ان مغادرة بيت الزوجية هوً نشوز لذلك كل الأدلة التي تقدمها الزوجة لا قيمة لها طالما ان القضاء يتخذ من مغادرة منزل الزوجية معياراً أساسياً للنشوز و عدم طاعة الزوجة لزوجها فتكون بهذه الحالة الزوجة هي التي خالفت القانون و كل ما تذكره قابلاً للنقض قانوناً و قضاءاً .
علينا ان نذكر هنا أمراً مفصلياً ، النشوز يبدأ تاريخه من تاريخ امتناع المرأة عن المتابعة أي العودة الى بيت الزوجية ، ووضع القرار موضع التنفيذ معناه قانوناً أن تنفيذه يتم عن طريق الشرطة التي تتحقق من واقعة النشوز كما و تُثبت امتناع الزوجة في محضر الضبط.
على أية حال يمكن للمرأة الناشز ان تُصرِح امام دائرة التنفيذ او الشرطة بأنها أنهت نشوزها او ان تتقدم بدعوى مستقلة.
من كل ما سبق لا يختلف رأي باحثي و محامي حقوق المرأة و حقوق الإنسان أن هذا يُعدُّ وجهاً بائساً و حقيقياً من أوجه العنف القانوني ضد المرأة .
في عودةٍ إلى سؤال السيدة أن المفارقة التي نعيشها نحن النساء في المنطقة العربية تتمثلُ في ان التاريخ العربي و الأدب العربي حاضرين يومياً إلى حدٍ ما في الإعلام و مناحي حياتية عديدة . ولهذا ليس مستبعداً و لا غريباً ان يتم الاستشهاد بأبياتٍ من الشعر العربي للدلالة على موقفٍ ما او فكرة من قبل أفرادٍ او مفكرين او كتابٍ او صحفيين و لعل أولها قصيدة هند بنت عتبة:
«نحن بنات طارق نمشي على النمارق .. ان تقبلوا نعانق وان تدبروا نفارق».
غالباً يتم قراءة هذه الابيات للدلالة على الاحترام و المكانة العالية السامية للمرأة العربية و لا أحد ينكر ان في ابياتها الكثير من الجزالة و القوة كما انها تُعدُّ مؤشراً في بعض المواضع للباحثين و المهتمين على مكانة المرأة العربية و سداد رأيها و تعبيرها وتأثيرها في مراحل تاريخية و إنسانية مختلفة و اين تطورت وتبلورت الى ان وصلت الى شكلها الحالي. بل و أزيد هنا ما لها من الرمزية الثقافية و الفكرية و الانسانية لامرأةٍ عربية. هي صورة تأخذ مركزها في وقتٍ عصيب قد يقرر مصير فريقٍ ضد فريق بل ابعد من ذلك تأخذ مركزها بتغيير شاملٍ و جذري لحياة مجتمعٍ بأكمله . لكن السؤال في زمننا الحاضر هو كيف يمكن لمجتمعٍ ما أن يعود للتأكيد على مكانة المرأة العليا شعراً و أدباً و تاريخاً و يأتي ما يقابله بذات الوقت و على النقيض تماماً قانوناً و فقهاً أحكام الزوجة الناشز و بيت الطاعة؟ أليس هذا تناقضاً صارخاً ان تحافظ على دونية المرأة في القوانين و التشريع بإحكام تحمل العنف القانوني في مفرداتها ثم تعود لتنشد وًبعنفوان نحن بنات طارق؟؟ أليس عنفاً ان تُجبر المرأة على العودة لبيت الطاعة رغماً عنها؟ أليس معيباً ان تُسلب إرادة المرأة على هذه الشاكلة في قوانين الأحوال الشخصية العربية؟ و في قانون الأحوال الشخصية السوري؟ الم يحن الوقت بعد كي يكون لبنات طارق الحق في المساواة و الاحترام لحقوق الإنسان و اعتبار حقوق المرأة جزءً لا يتجزء من حقوق الإنسان ؟؟ أما آن لهذا العنف و الاستلاب ان ينتهي ؟
أسبوع سعيد لكم جميعاً