بقلم: د. حسين عبد البصير
تكملة للعدد الماضي:
تعتبر مقبرة الملك «توت عنخ آمون» هي المقبرة الملكية الوحيدة التي وصلت إلى أيدينا كاملة إلى الآن. فبعد وفاة الملك «توت» بمائتي عام قام عمال الملك «رمسيس السادس» من ملوك الأسرة السادسة والعشرين، دون قصد، برمي الأحجار والرمال المستخرجة من حفر مقبرته فوق مدخل مقبرة «توت عنخ أمون» بل شيدوا أكواخهم فوق هذا الرديم. ولولا هذه المصادفة العجيبة لما نجحت مقبرة الفرعون الشاب من أيدي لصوص المقابر من كل زمان، ولما وجدها «كارتر» في صبيحة الرابع من نوفمبر عام 1922 بعد بحث مضن دام خمس سنوات طوال.
في عام 1917م حصل اللورد «هر برت إيرل كار نافون الخامس» (1866- 1923م) على موافقة مصلحة الآثار المصرية بالتنقيب في وادي الملوك. وكان حلم «هوارد كارتر» (1873- 1939) هو العثور على مقبرة الفرعون الصغير «توت عنخ آمون» بين مقابر وادي الملوك. فطلب اللورد «كارنافون» من «كارتر» أن يجرى الحفائر لحسابه في الوادي. وكان «كارتر» يتمتع بسمعة أثرية كبيرة فقد سبق له اكتشاف مقبرة الملك «تحتمس الرابع» عام 1903م بمساعدة الأمريكي «تيودور ديفيز».
وبدأت الحفائر في العام نفسه، ومضى دون أي نتائج مشجعة. وتذكر «كارتر» كل ما قاله أسلافه علماء الآثار السابقون أمثال «جان- فرانسوا شامبليون» و«جاستون ماسبيرو» و«جيوفانى بلزونى» من أن الوادى قد لفظ كل ما بداخله.
العمل على استكمال اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي في الأقصر
لم ييأس وواصل العمل. فقد كانت ثقة «كارنافون» تدفعه حبه وصبره يشدان من أزره الذي لا يلين. واستمر الحفر خمس سنوات أخرى دون نتائج مرجوة. ومر صيف عام 1922 كان إيمان «كارتر» كبيرا بأنه سوف يعثر على مقبرة الملك الصغير ذات يوم. وبدأ اللورد «كارنافون» يقنط ويهمل الأمر كلية ويدعه جانبا. فطلب منه «كارتر» منه أن يمنحه فرصة أخيرة: هذا الموسم الذي سيبدأ في نوفمبر 1922م. واستمر الحفر في مساحة صغيرة مثلثة الشكل أمام مقبرة الملك «رمسيس السادس» لم يسبق الحفر فيها. لقد كان «كارتر» في مأزق حقيقي إن لم يعثر هذا الموسم الأخير على هذه المقبرة، فسوف يرحل اللورد إلى انجلترا ويفقد التمويل المادي وتذهب جهوده المضنية لسنوات طوال وأحلامه أدراج الرياح.
لم يكن «كارتر» يعلم أن صباح الرابع من نوفمبر هو يوم مجده الحقيقي. يقول «كارتر» في كتابه الممتع عن مقبرة الملك «توت عنخ آمون» في معرض حديث عن ظروف الاكتشاف: «هذا هو بالتقريب الموسم الأخير لنا في هذا الوادي بعد تنقيب دام ست مواسم كاملة. وقف الحفارون في الموسم الماضي عند الركن الشمالي الشرقي من مقبرة الملك رمسيس السادس. وبدأت هذا الموسم بالحفر في هذا الجزء متجها نحو الجنوب. كان في هذه المساحة عدد من الأكواخ البسيطة التي استعملها كمساكن العمال الذين كانوا يعملون في مقبرة الملك رمسيس السادس. واستمر الحفر حتى اكتشف أحد العمال درجة منقورة في الصخر تحت أحد الأكواخ. وبعد فترة بسيطة من العمل، وصلنا إلى مدخل منحوت في الصخر بعد 13 قدما أسفل مهبط المقبرة. كانت الشكوك وراءه بالمرصاد من كثرة المحاولات الفاشلة، فربما كانت مقبرة لم تتم بعد، أو أنها لم تستخدم، وإن استخدمت، فربما نهبت في الأزمان الغابرة، أو يحتمل أنها مقبرة لم تمس أو تنهب بعد. كان في يوم 4 نوفمبر 1922».
ثم أرسل «كارتر» برقية سريعة إلى اللورد «كارنافون» يقول فيها: «أخيرًا، اكتشاف هائل في الوادى، مقبرة كاملة بأختامها، كل شيء مغلق لحين وصولك. تهانينا».
وهكذا سقطت مزاعم علماء الآثار أمثال: «بلزونى» و«ماسبيرو» و«شامبليون» ممن عملوا في وادي الملوك، وزعموا أنه لم يعد هناك شيء في بطنه، وهكذا تأكد ويتأكد للعالم أن الرمال المصرية لم تبح بكل أسرارها بعد ولا تزال تحتفظ بالكثير من الاثار الرائعة في بطنها لأجيال عديدة قادمة حتى تظل مثيرة للدهشة إلى أقصى درجة ممكنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ثم توالت بعد ذلك مراحل الكشف الأخرى إلى أن تم نقل محتويات المقبرة إلى المتحف المصري في القاهرة لتظل شاهدة على حضارة لم ولن تندثر أبدًا.
وفى النهاية نردد مع «كارتر» قوله: «ما زال الغموض في حياة الملك» توت عنخ آمون «يلقى بظلاله علينا، فعلى الرغم من أن تلك الظلال تنقشع أحيانا، فإن الظلمة لا تختفي من الأفق أبدًا». وهذا هو شأن من شؤون الحضارة المصرية القديمة العريقة في الحقيقة.
كانت الملكة الجميلة عنخ إس إن آمون حبيبة وزوجة والأخت غير الشقيقة للفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون. ويعنى اسمها «حياتها لآمون». وكان اسمها قبل التحول عن ديانة أبيها أخناتون، «عنخ إس إن با آتون» بمعنى «حياتها للآتون». وكانت الابنة الثالثة من البنات الست لأخناتون ونفرتيتي. وظهرت الأميرة في طفولتها وصباها في مناظر عدة مع والديها. واتخذت عددًا من الألقاب الملكية مثل «ابنة الملك من جسده»، و»الزوجة الملكية الكبرى»، و»سيدة الأرضين». ولا شك أن أهمية وشهرة هذه الملكة ترجع إلى زواجها من الفرعون الذهبي والظاهرة العالمية الملك توت عنخ آمون.
وبعد أن تولي الحكم في سن التاسعة، مات الملك الشاب في سن الثامنة عشرة بعد حكم دام حوالي تسع سنوات. ومات نتيجة حادث تعرض له وعلى أثر مضاعفاته، ولم يُقتل كما كان يُعتقد سابقًا. وعُثر على باقة زهور فوق مومياء توت عنخ آمون، ربما وضعتها أرملته تحية لزوجها وشقيقها ورفيق صباها الراحل قبل الأوان.
وبعد وفاة الملك، أرسلت ملكة مصر عنخ إس إن آمون رسالة إلى ملك الحيثيين تطلب منه أن يرسل إليها ابنه كي تتزوجه؛ لأنها ترفض أن تتزوج أحد خدمها، وكانت غالبًا تقصد حور محب! لكن تم قتل ابنه الأمير الحيثي زاننزا في حدود مصر على طريق حور محب، ففشل أمر زواجها منه! وتزوجها الملك «آى» قبل أن تختفي من الأحداث، غير أنها لم تكن زوجته الكبرى، وربما ماتت في عهده أو بعد عهده.
وفى مقبرة توت عنخ آمون، عُثر على مومياويين محنطين لطفلتين، إحداهما جنين غير مكتمل يبلغ خمسة أشهر، والأخرى لطفلة ابنة سبعة أشهر ماتت وقت الميلاد أو بعده مباشرة. وثبت أنهما بنتا توت عنخ آمون من عنخ إس إن آمون. وكانت المومياوان محفوظتين في قسم التشريح بطب قصر العيني، وتم نقلهما للعرض، مع آثار أبيهما الملك توت عنخ آمون، في المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم.
وماتت الملكة. ولم يتم العثور على مقبرة لها. ومن المحتمل أنها قد تكون دُفنت في مقبرة ٦٣ في وادي الملوك المجاورة لمقبرة توت عنخ آمون. وهناك بعثة مصرية بقيادة الدكتور زاهي حواس تحفر بحثًا عن مقبرتها في الأقصر. وأُجريت دراسات الدى إن إيه (الحامض النووي) لتحديد مومياء عنخ إس إن آمون، التي قد تكون إحدى المومياويين الملكتين من الأسرة الثامنة عشرة المكتشفتين في المقبرة رقم ٢١ من مقابر وادي الملوك، وربما تكون المومياء رقم كي في ٢١ إيه.
إن عنخ إس إن آمون هي ملكة عاصرت فترة مثيرة من تاريخ مصر. وكانت ابنة لأخناتون ونفرتيتي وزوجة لتوت عنخ آمون. ومات عنها زوجها. وشهدت جزءًا مهمًا من نهاية الأسرة الثامنة عشرة، وأفول نجم عصر العمارنة، تلك الفترة الغامضة والمثيرة في تاريخ مصر القديمة قاطبة.