بقلم: د. حسين عبد البصير
تكملة للعدد الماضي:
هكذا سقطت مزاعم علماء الآثار أمثال: «بلزونى» و«ماسبيرو» و«شامبليون» ممن عملوا في وادي الملوك، وزعموا أنه لم يعد هناك شيء في بطنه، وهكذا تأكد ويتأكد للعالم أن الرمال المصرية لم تبح بكل أسرارها بعد ولا تزال تحتفظ بالكثير من الاثار الرائعة في بطنها لأجيال عديدة قادمة حتى تظل مثيرة للدهشة إلى أقصى درجة ممكنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ثم توالت بعد ذلك مراحل الكشف الأخرى إلى أن تم نقل محتويات المقبرة إلى المتحف المصري في القاهرة لتظل شاهدة على حضارة لم ولن تندثر أبدًا. وأردد مع «كارتر» قوله: «ما زال الغموض فى حياة الملك توت عنخ آمون يلقى بظلاله علينا، فعلى الرغم من أن تلك الظلال تنقشع أحيانًا، فإن الظلمة لا تختفي من الأفق أبدًا». وهذا هو شأن من شؤون الحضارة المصرية القديمة العريقة في الحقيقة.
ولعله من حسن الطالع أن يقام هذا معرض توت عنخ آمون في إطار الاقتراب من الاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لاكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي، والتي سوف تكون في 4 نوفمبر 2022؛ لذا ترعى مصر هذا المعرض الفريد فى إطار جولة عالمية بين بلدان العالم لآثار الفرعون الذهبي وتحفه الفنية التي لا مثيل لها. وسوف يحقق هذا المعرض زيادة في عدد السائحين لمصر لاكتشاف آثارها الفرعونية واليونانية ــ الرومانية والقبطية والإسلامية الفريدة على أرض مصر نفسها.
ومن الجدير بالذكر أن متحف اللوفر يضم مجموعة كبيرة من الآثار المصرية القديمة، غير أنه لا توجد أية آثار فى العالم تتفوق على الآثار الساحرة للفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون. وفي 1976، تم تنظيم معرض آخر عن آثار نجم الأرض الفرعون الخالد الملك رمسيس الثاني في قصر «جران باليه» في باريس ما أتاح للفرنسيين وجيرانهم فرصة أخرى للتعرف على قطع جديدة وصفحات عظيمة من التاريخ الفرعوني العريق. وسوف تساهم العوائد المالية من هذا المعرض في دعم واستكمال المشروعات الأثرية الكبرى في مصر خصوصًا مشروع المتحف الكبير الذي يجري إنشاؤه حاليًا على بُعد كيلومترين والنصف من أهرام الجيزة الخالدة.
ومنذ فترة قام السيد رئيس الجمهورية بزيارة مشروع المتحف الكبير التي تعد زيارة تاريخية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وتدل على مدى الاهتمام الكبير الذي يوليه الرئيس لمصر وآثارها، وتؤكد على مدى عمق الوعي الحضاري والحس الثقافي والاهتمام بمستقبل مصر الأثرى والثقافي والسياحي لدى السيد الرئيس، وتؤكد أن سيادته يعمل دومًا من أجل أن تحتل مصر المكانة التي تليق بها بين جميع دول العالم.
إن المتحف المصري الكبير هو بحق هدية مصر للعالم فى القرن الواحد والعشرين، ويؤكد على أن مصر دولة عظمى ثقافيًا وأثريًا وحضاريًا، وأنها ما تزال قادرة على أن تقدم للعالم العطاء والإبداع والإبهار من خلال مشروعات ثقافية عملاقة، وأن مصر هي جاذبة أنظار العالم لها دومًا. ومشروع المتحف المصري الكبير هو مشروع مصر القومي مثل إقامة هرم خوفو فى مصر الفرعونية وقناة السويس فى عهد الخديو إسماعيل فى مصر الحديثة وبناء السد العالي فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر فى تاريخ مصر المعاصر. ومن الجدير بالذكر أن المتحف المصري الكبير تم وضع حجر الأساس لإنشائه في فبراير 2002 ليكون صرحًا ثقافيًا ومركزًا عالميًا لتواصل الحضارات والثقافات.
وسوف يضم المتحف أهم وأندر آثار مصر المكتشفة عبر العصور من خلال عرض متحفي مبهر على أحدث التقنيات العالمية فى مجال إقامة المتاحف والعرض المتحفي على مستوى العالم ليكون متحفا بالمفهوم الحديث للمتاحف، وليس كما كان المتحف مخزنا للآثار فقط. وتعد درة المتحف المصري الكبير كنوز وآثار الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، والتي تقدر بأكثر من خمسة آلاف قطعة، وتم نقل عدد كبير منها من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف الكبير لتعرض فى مساحة تمثل سبعة أضعاف مساحة عرضها في المتحف المصري بميدان التحرير.
كما تم نقل عدد كبير من أخشاب مركب الشمس من جنوب هرم خوفو الأكبر بالجيزة إلى المتحف الجديد ليتم تجميعها وعرضها فى المتحف الكبير فى قاعة تخصها وحدها. ومن المقرر أيضًا نقل المركب القديمة إلى المتحف الكبير. وفى 25 يناير 2018 تم نقل تمثال الملك رمسيس الثاني، والذي يبلغ وزنه نحو 83 طنًا، من أرض مشروع المتحف، التي كان فيها منذ نقله من ميدان رمسيس في وسط القاهرة في 2006، إلى مقدمة المتحف كي يكون في استقبال الزائرين عند زيارة المتحف عند افتتاحه.
وتم ربط معامل الترميم ومخازن الآثار بجسم مبنى المتحف بثلاثة أنفاق تحت الأرض. وسوف يضم المتحف مجمعا للمتاحف النوعية منها متحف للأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة لتربية النشء على حب الآثار والحفاظ على كنوز مصر العظيمة. وكذلك سوف يضم المتحف منطقة ترفيهية على مساحة كبيرة تشمل عددًا من الحدائق والمطاعم والخدمات والأماكن الترفيهية والمرافق العامة.
إن المرحلة الأخيرة من المشروع، والتي تتضمن مبنى المتحف وملحقاته قد بدأت في عام 2012، على وشك أن تنتهي في عام 2020. ومن المقرر أن يتم احتفال عالمي في افتتاح المتحف وسوف تتم عرض أوبرا توت عنخ آمون من تأليف دكتور زاهي حواس والإيطالي فرانشيسكو سانتوكونو ومن موسيقى الإيطالي لينو زمبوني.
والحقيقة فإن العالم كله يترقب وينتظر هذا الحدث الثقافي الأعظم في الوقت الحالي، وأعني افتتاح المتحف المصري الكبير، افتتاح القرن، حيث يمكث توت عنخ آمون في بيته الجديد ناظرًا لآثار وأهرام أجداده العظام: الملوك خوفو وخفرع ومنكاورع.
ولا يسعني إلا أن أتوجه بعميق الشكر والتقدير لكل الجهود العظيمة والمخلصة التي تقوم بها وزارة الآثار والهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة وكل العاملين بمشروع المتحف المصري الكبير لإنهاء المشروع وخروجه للنور على أكمل وجه كي يعبر عن مصر صاحبة العطاء الحضاري الفريد عبر العصور والأزمان، وكي يكون المتحف المصري الكبير بحق البيت الجديد للفرعون الذهبي الملك الأسطورة الفرعون توت عنخ آمون.
وفي النهاية، أقول إن مصر العظيمة هي دومًا معلمة الحضارات وصانعة المعجزات وملهمة الثقافات.
بوق توت عنخ آمون
تحيط الألغاز الغامضة الكثيرة بحياة ووفاة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون وبمقبرته. وحين اكتشف هوارد كارتر في 4 نوفمبر عام 1922 مقبرة توت عنخ آمون في البر الغربي بالأقصر انبهر العالم كله بالآثار الساحرة للفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون.
وضمن مقتنيات الفرعون الذهبي، وجد كارتر اثنين من الأبواق المزخرفة، أحدهما من الفضة والآخر من البرونز. ويبقى بوقا الحرب الخاصين بالفرعون الذهبي لغزين. ويعد مثيرًا ومن أهم الغرائب في دنيا الآثار ما تبع النفخ في أحدهما من اندلاع للحروب وللثورات. ومن الجدير بالذكر أن البوق كان في مصر القديمة آلة موسيقية عسكرية. وكانت الأبواق أهم الأدوات الداعية للحرب.
ويبلغ طول البوق المثير حولى50 سم. وفوهة هذا البوق عبارة أسطوانية الشكل بحلقة فضية عند النهاية الخارجية ومثبتة فى أنبوب. وعلى الوجه الخارجي لطرف البوق المتسع، والذي يشبه الجرس، منظر يصور الملك توت عنخ آمون مرتديًا التاج الأزرق التاج المفضل لأسرته، ويمسك بالصولجان المعقوف. ويقف الملك أمام تمثال لرب الفنانين والصناع الإله الشهير بتاح في هيئة مومياء.
وفي عام 1939، زار أحد علماء الآثار الفرنسيين المتحف المصري، وأمسك ببوق الحرب الذي كان يمتلكه توت عنخ آمون، ونفخ فيه ليجربه، ففوجئ الجميع بدوي الصوت من خلاله. وبعد ساعات قليلة، وقعت الكارثة وقامت الحرب العالمية الثانية. فقال علماء الآثار إنه يمكن الاستعانة ببوق الفرعون وإعادة النفخ فيه لإعلان الحرب أو التحذير من المصائب الكبيرة؛ وذلك لأن البوق كان يُنفخ فيه للإعلان عن الحرب.
وفي سنة 1939، حاولت هيئة الإذاعة البريطانية تسجل صوت هذه الأبواق على الهواء. واستطاعت أن تقنع مصلحة الآثار المصرية بالمشاركة في البث. وقبل العزف بخمس دقائق انقطعت الكهرباء وانطفئت الأضواء من كل الأجهزة المصاحبة لكل الأفراد الذين كانوا موجودين لتسجيل هذا الحدث المهم. ثم نجح العزف بعد ذلك. وظل العزف على البوق لمدة 5 دقائق متواصلة. ولكن أثناء النفخ، حلت ثانية بدايات اللعنة بالحدث. وانكسر البوق. وتم إصلاحه. وأخيرًا نجحت عملية تسجيل الصوت. وبعد البرنامج بأشهر، قامت الحرب العالمية الثانية بكل أحداثها الدموية المريعة.
وحاول أحد أمناء المتحف المصري بالتحرير إنكار فكرة وقوع الحروب والكوارث بعد النفخ في البوق معتبرًا إياها خرافة، فقام بالنفخ في البوق سنة 1967، ولكن بعدها قامت حرب 1967 بين العرب وإسرائيل. وخسر العرب الحرب وتم احتلال الكثير من الأراضي العربية. وفي سنة 1990، حاول أثري مصري أن يعيد التجربة كنوع من الدعابة، فقامت بعدها حرب الخليج الثانية بين العراق والكويت. وفي سنة 2011، نفخ أحد الأثريين المصريين في البوق. وبعدها بأسبوع، قامت ثورة 25 يناير 2011.
وبناءً على ما سبق، نشأ اعتقاد راسخ لدى الأثريين بأن من النفخ في هذا البوق معناه قيام للحرب؛ فقد ذلك يشعل الحرب أو يُحدث كارثة كبرى على الفور أو بعد النفخ بوقت قصير.
وما تزال حياة وآثار الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون مليئة بالسحر والجمال والأسرار والغموض.