بقلم : هيثم السباعي
هو أنتوني تشارلز لينتون بلير ولد في ٦ أيار (مايو) ١٩٥٣ في مدينة إدنبرة الإسكوتلندية. درس القانون وعمل بالمحاماة بين عامي ١٩٧٦ و١٩٨٣. دخل المعترك السياسي عن طريق حزب العمال وكان يمثل جيلا جديدا فيه.
ترقى في العمل السياسي حين تولى العديد من المناصب داخل مجلس العموم، ممثلا منطقة “سيجفيلد” في شمال شرق إنكلتره فكان الناطق بإسم المعارضه للشؤون الماليه، ونائب الناطق لشؤون التجارة والصناعه واللورد الأول للخزنه ووزير الخدمه الشعبيه. إنتخب لعضوية اللجنه التنفيذيه القومية لحزب العمال في عام ١٩٩٢ قبل أن يترأسه، إثر وفاة رئيسه ‘چون سميث’ عام ١٩٩٤. إستخدم تعبير حزب العمال الجديد لينأى بنفسه وحزبه عن مواقف الحزب القديمة. قاد الحزب إلى نصر مؤزر في الإنتخابات البرلمانية العامه عام ١٩٩٧ والذي يعتبر من أكبر إنتصارات الحزب حيث فاز بنسبة ٤٥% من أصوات الناخبين، كما فاز بأغلبية المقاعد في مجلس العموم. بقي بلير في منصبيه كزعيم للحزب ورئيس للوزراء حتى إستقالته من المنصبين في ٢٧ حزيران (يونيو) عام ٢٠٠٧.
توني بلير شخصية جدلية بكل ماتحمل الكلمة من معنى كما سنرى بعد قليل. بدأت هذه المقاله بالجدلية لأنه أحد أصغر رؤساء الوزراء البريطانيين سناً منذ تولاها لورد ليڤرپول “روبرت جنكنسون” عام ١٨١٢. لم يحطم هذا الرقم القياسي سوى رئيس الوزراء الحالي ’ديڤيد كامرون‘، اذ تولى هذا المنصب أصغر من سن الرابعة والأربعين بعدة أشهر، في حين تولاها بلير في الثاني من أيار (مايو) ١٩٩٧ أي قبل إكمال عامه الرابع والأربعين بعدة أيام. بقي في هذا المنصب لثلاث ولايات متتاليه، مما يعتبر من أكثر الزعامات العماليه بقاء في منصب رئاسة الوزراء، لم يسبقه الى ذلك سوى مارغريت تاتشر.
يعتبربلير من أفضل الإصلاحيين بين رؤساء الوزرات الذين توالوا على حكم بريطانيا، على الأقل في العصر الحديث. من أهم الإصلاحات التي قام بها كانت في نظامي التعليم والصحة ، لم يسبقه إليهما أحد كما أنهما أصبحا من أفضل الأنظمة المعمول بها في أوروبا.
أضاع توني بلير هذه الأمجاد من انجازاته المميزه وغيرها والتي نسيها الجميع جراء إنجراره وراء سياسات الرئيس الأميريكي المتهورجورچ دبليو بوش الإبن في حروبه ومغامراته العبثية غير المحسوبة في أفغانستان وبعدها في العراق، وكأنه يعمل في الإداره الأميريكيه لاكرئيس لوزراء المملكة المتحدة والتي تعرف أيضا ببريطانيا العظمى. هذا بالرغم، حسب إعتقادي، بوجود بون واسع بين ذكائه وذكاء الرئيس الأمريكي المذكور.
فقد واصل الحصار الاقتصادي على العراق، والتفتيش على أسلحته، والإبقاء على منطقتي الحظر الجوي في المناطق ذات الأغلبيه الكرديه والمناطق ذات الأغلبيه الشيعية في شمال وجنوب العراق، على التوالي. شارك بغزو أفغانستان عام ٢٠٠١ مع الولايات المتحدة التي شكلت مع حلف الناتو بمايعرف “بقوة المساعده الامنيه الدوليه ‘إيساف‘“. كما شارك بغزو العراق عام ٢٠٠٣ بدخول قواته من الجنوب بعد تضليل مجلس العموم بتقديم معلومات إستخباراتيه كاذبه عن إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، كما فعل حليفه أمام الكونغرس، وسط تكذيب مفتشي الأمم المتحدة برئاسة هانز بليكس السويدي وعضوية الدكتور ديڤيد كيلي البريطاني الذين أكدا مع بقية المفتشين الدوليين أنهم أشرفوا بأنفسهم على تدمير كافة أسلحة الدمار الشامل في العراق وأنه لم يعد يمتلك مثل هذه الأسلحة على الإطلاق. ليس هذا فقط بل إتهم بإغتيال الدكتور ديڤيد كيلي خبير الأسلحة البيولوجية الذي وجدت جثته بتاريخ ١٨ تموز (يوليو) ٢٠٠٣ فيما يشبه الإنتحار في حديقة عامة في لندن وسط تكذيب عائلته بأنه من المستحيل أن يرتكب مثل هذا العمل. الحقيقة أن سبب إغتياله هو تسريب معلومة إلى هيئة الإذاعة البريطانيه تفيد بأن ملف أسلحة الدمار الشامل العراقيه الذي صدر عن الحكومة البريطانيه في إيلول (سيپتمبر) ٢٠٠٢ لايعدو أكثر من مكيدة هدفها القيام بعمل عسكري ضد العراق.
كشف النقاب حديثاً عن مذكرة وجهها وزير خارجية الولايات المتحده ‘كولن پاول’ إلى رئيسه بتاريخ ٢٨ آذار (مارس) ٢٠٠٢، أي قبل غزو العراق بعام واحد، أبلغه فيها أن “بلير سيكون معنا فيما إذا كان من الضروري القيام بعمل عسكري في العراق”. كان ذلك قبل إجتماع بلير ببوش بأسبوع واحد في مزرعة الأخير ‘كروفورد’ في تكساس والتي يعتقد الكثيرون أنه – بلير- عقد صفقة مع الرئيس الأميريكي للتخلص من صدام حسين.
مقابل هذا الدعم اللامحدود لقرارات الرئيس الأميريكي وسياساته الرعناء، قام الأخير بالوساطة اللازمة لتعيين بلير في نفس اليوم الذي إستقال فيه من رئاسة الوزراء وزعامة حزب العمال مبعوثاً دولياً للجنه الرباعية الدولية الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط والمؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والإتحاد الأوروبي والأمم المتحده والتي تم تشكيلها في مدريد عام ٢٠٠٢، لذلك تُعرف بإسم لجنة مدريد أيضاً. إستدعى المنصب الجديد إستقالة بلير من عضوية مجلس العموم أيضاً وبقي في المنصب الجديد حتى وقت قريب، وسنتطرق لعمله في هذا المنصب فيما بعد.
خلفه في زعامة حزب العمال ورئاسة الوزارة البريطانيه، وزير ماليته “غوردون براون”. أعلن براون بتاريخ ١٥ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩ عن تشكيل لجنة برئاسة السير چون تشيلكوت أسماها “تعلم الدروس” من الصراع، هدفها التحقيق في الحرب العراقية. أعلن السير تشيلكوت أنه أنهى تحقيقاته وسينشر تقريره بخريف عام ٢٠١١. عاد وغير موعد النشر إلى صيف عام ٢٠١٢ بحجة تحقيق العدل بسبب التعقيدات التي يتضمنها الموضوع. مرة ثانيه غير السير تشيلكوت موعد نشر التقرير حتى منتصف عام ٢٠١٣. ثم أعلن في مطلع تشرين ٢ (نوڤمبر) ٢٠١٣ أنه لايستطيع نشر تقريره بسبب وصوله إلى طريق مسدود لعدم الإفراج عن وثائق هامه تم تبادلها بين بوش وبلير وفي أيار (مايو) ٢٠١٤ أعلن السير تشيلكوت أنه سينشر رؤوس أقلام عن الوثائق المتبادلة بينهما ولكن الوثائق الكاملة ستبقى سرية.
عبر ديڤيد كاميرون ووليام هيغ بتاريخ ١٦ تشرين ١ (أوكتوبر) ٢٠١٤ عن أملهما بأن ينشر تقرير السير تشيلكوت قبل الإنتخابات العامة في عام ٢٠١٥. على النقيض من ذلك، صرح السير تشيلكوت بتاريخ ٢١ كانون ٢ (يناير) ٢٠١٥ بأن تقريره لن ينشر قبل الإنتخابات العامة في أيار (مايو) ٢٠١٥.
نفذ صبر ديڤيد كاميرون، عندما أعلن عن إستيائه بتاريخ ١٧ حزيران (يونيو) الماضي من طول المدة التي إستغرقها التحقيق بموضوع العراق، ما جعل السير تشيلكوت يؤكد بتاريخ ٩ إيلول (سيبتمبر) الماضي أن عملية جمع كامل المعلومات اللازمة للتحقيق قد تمت، دون أن يحدد أي موعد جديد لنشر تقريره.
أجرت محطة “سي إن إن” التيليڤيزيونية مقابلة مع توني بلير بتاريخ ٢٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٥ قدم خلالها إعتذاره عن الأخطاء التي إرتكبت جراء تسرعه بالذهاب إلى حرب العراق وعدم التخطيط السليم للإجراءات التي كان يجب إتخاذها بعد الغزو معترفاً بأن تلك الحرب أسهمت بنشوء داعش.
من الواضح أن هناك تسويف بإصدارتقرير لجنه التحقيف لأسباب سياسية بالتأكيد سنعرفها بعد لأي من الزمن.
وللحديث بقية






























