بقلم: تيماء الجيوش
بالتعريف الأكاديمي والقانوني هي انتهاك جرمي بدافع الكراهية بناءً على أساس العرق ، الانتماء القومي، العرقي، اللغة، اللون، الدين، ، الجنس، الإعاقة العقلية، أو الجسدية ، أو أي عامل مماثل آخر. وهذا الانتهاك الجرمي له أنواع عدة منها المادي و منها اللفظي.
ما يعني أن جرائم الكراهية هي أفعال جرمية يرتكبها شخص ما بدافع التطرف، التحيز أو الكراهية تُجاه أفراد، أو فئة اجتماعية ، عرقية أو دينية معينة ،وهي هنا تُرسل بارتكابها مؤشراتٍ بالغة الخطورة لهم بالرفض و عدم القبول بهم في مجتمعهم أو دولتهم. و هكذا تمتد حدود الجريمة بما يُسببه ارتدادها من أضرارٍ ليس فقط لضحاياها بل وللحلقة المجتمعية التي ينتمون إليها ، وقد تتوجه هذه الجرائم نحو أشخاص أو مجموعات بعينها أو نحو أهداف مادية أو رمزية كدور العبادة من كنائس أو مساجد.
تنبّه المشرع الدولي إلى خطورتها ووقف بشكل حازم ضد جرائم الكراهية و ذلك بما يتسق والمبادئ الدولية و المعاهدات التي نصّت على منع جرائم الكراهية بكل ما تنضوي عليه من خرقٍ في حماية حقوق الأقليات ومنع التمييز ضدهم ، احترام الحق في التعبير، الحق في السلامة والأمن و منع العنف بكل أشكاله.
وحقيقة الأمر أن جرائم الكراهية ليست حديثة العهد في تاريخ المجتمعات البشرية بل وُجِدت في دول الغرب كما في دول الشرق و كان دوماً يُغذيها التوتر العرقي أو الثقافي أو الديني بين المجتمعات المختلفة ، كما يغذيها الحروب الأهلية، الصراع المسلح حدث هذا مثلاً في سوريا ، و كما حدث في لبنان، العراق، دول شرقي أوروبا ما بعد انتهاء الحرب الباردة …إلخ.
معظم التشريعات الدولية على تنوعها في الدول الديمقراطية ، أقّرت خطط عمل لمناهضة جرائم الكراهية و في ظل وسائل التواصل الاجتماعي كان لا بد لهذه الاستراتيجيات أو الخطط أن تتناول الإنترنت و تعود إلى ما اكتسبته منظمات المجتمع المدني من خبرات كمصدرٍ لها.
تتنامى اليوم جرائم الكراهية في سوريا كما في بلدانٍ أخرى من خلال مساحات افتراضية لا محدودة . أضحت الأحداث المروعة التي تتناقلها وسائل الإعلام الرسمية والاجتماعية تثير الكثير من الخوف، القلق والتوتر لدى السوريين.
من يتابع التعليقات و ما يُنشر من قبل الأفراد سيجد أن جرائم الكراهية جزءاً يتزايد باضطراد من خطاب السوريين فيما بينهم. بالتأكيد لا يمكن الجزم الآن بان هناك أدبيات ، إحصاءات دقيقة، سوابق قضائية تم تصنيفها ، أو حتى مسحٍ للضحايا على المستوى الوطني المحلي يُمكن الاعتماد عليه لأجل العودة إلى ضحايا جرائم الكراهية و ما يحتاجونه في ظل المرحلة الانتقالية. لكن ما يجب البدء به قانونياً و تشريعياً هو جريمة الكراهية كجرمٍ جزائي لا بُدّ من النص عليه في المنظومة القانونية والتشريعية في الحالة السورية، أي أن يتقدم النص الدستوري بحيث ينص وبوضوح لا لبس فيه كما هو الحال في المجتمعات الديمقراطية على حماية الأفراد و الجماعات من كل أشكال جرائم الكراهية إن كانت بالقول أو بفعلٍ مادي يعني سواء، تشهير ، سب علني…. الخ. يلي ذلك قيام قانون العقوبات على وجه التحديد ببلورة نصوص محددة تتناول ما يلي :
أولاً: تحديد أركان جريمة الترويج للإبادة الجماعية ومن ثم تحديد عقوبتها ، وهذا حدث ضد اليزيديين على يد داعش في تاريخنا القريب. ثانياً : ايضاً التحريض يتم اعتباره جريمة لا سيما عندما يوجّه ضد مجموعة عرقية ، دينية أو مختلفة ثقافية ضد جماعة محددة ما يسهم في زعزعة السلم العام و هذا حدث في تفجير كنيسة مار إلياس أو ما حدث من مجازر في الساحل أو في السويداء ، أو كما حدث من قبل نظام الأسدين ضد السوريين على مدى عقود من الإرهاب والترهيب الأمني والسياسي .
ثالثاً : ما يعزز حقيقة الحماية القانونية هو إيجاد تعريف دقيق لماهية الجماعة لمحددة التي يقع عليها جرم الكراهية.
رابعاً: كما يجب أن يُذكر في قانون العقوبات و بموازاة هذا التعريف تحديد وتعريف قانوني لدافع التحيز، دافع الكراهية، و التمييز وأركانه ما يُسّهل عملية التقاضي و إلقاء العقوبات على مرتكبيها فإن كان هناك دليل على أن الجريمة كانت بدافع التحيز أو التحامل أو الكراهية القائمة على العرق أو الأصل القومي أو الإثني أو اللغة أو اللون أو الدين أو الجنس أو العمر أو الإعاقة العقلية أو الجسدية أو التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية أو التعبير عنها، أو أي عامل آخر مُماثل.. كان للمحكمة أن تعود للأسباب المشددة للجريمة.
خامساً: كما يُمكن أن يُضاف إلى نصوص قانون العقوبات عقوبات مشددة إن ثبُتَ من خلال وقائع الجرم الجزائي الترويج المتعمد للكراهية عبر الوسائل الخاصة بالتواصل الاجتماعي أو الإعلام الرسمي و الخطاب الخاص والعام . و كذلك الأذى بدافع الكراهية ضد الممتلكات الدينية لا سيما دور العبادة ، و هذا حدث في عددٍ من المرات التي تناولها الإعلام و استفاض في شرحها و هي لا تختلف مضموناً عن جرائم الكراهية في ظل نظام الأسدين حيث ارتُكِبَت لا لشيء إلا لدافع التحيز و التعصب ضد جماعة محددة. من منا لا يذكر أعوان نظام الأسد الديكتاتوري وهم يدعون إلى قتل المتظاهرين المطالبين بالحرية و العدالة ؟
الآن يمكن طرح السؤال كالتالي لماذا من الهام أن يتم معالجة جرائم الكراهية قانوناً و على وجه السرعة ؟
لان الشرخ العميق الذي أوجده النظام البائد لا يمكن تجاوزه مادام هناك مجتمعات محلية قد تشعر بالخوف و الضعف كمجموعة وأنها لربما هي هدف في المستقبل لقتلٍ أو هجومٍ أو اعتداء ، و جرائم الكراهية لها من التأثير الشيء الكثير على الأفراد والمجتمعات فهي تؤدي بهم إلى العزلة والإحساس بالانفصال عن وطنهم الأم وهذا لا يفيد ولا يساهم في بناء سوريا الجديدة سياسياً، أمنياً، اجتماعياً و اقتصادياً ، سوريا الجديدة بعيداً عن إرهاب النظام الديكتاتوري .
من يقرأ التاريخ السوري سيجد ان التركيبة السكانية غنية جداً و تعود إلى آلاف الأعوام من الحضارات التي توالت عليها، بقيت مركزاً تجارياً وممراً في منطقة الحضارات القديمة ، تنوعت أعراقها و طوائفها من عرب وكردوارمن إلى تركمان و شركس إلى أيزيدية وإسماعيلية و سنة و علوية و دروز و شيعة و مسيحية ، عاش الجميع في وطنٍ واحد يتسع للجميع . كانت المساحات مفتوحة للناس لا ترسم لهم حدوداً لا يتجاوزوها في الأحياء و المناطق و البلدات والمدن عاش الأفراد على تنوعهم متجاورين ، و يعلم معظمهم أن العزل و البعد و التخندق الجغرافي في إطار طائفي أو عرقي لا يفيد ولا يغني. و ليس من شيم المجتمعات المدنية ذات العمق الحضاري أن تنجرف نحو سواقي جرائم الكراهية و السب العلني و القذف والشتم وإطلاق النعوت و الدعوى للإبادة والقتل . ليس هذا من شيم السوري ليس هذا من شيم الإنسان السوي. جرائم الكراهية آن للمشّرع السوري أن ينص على عقابها و يشدده. فنحن بانتظار سوريا الجديدة حيث يُحترم القانون ودوره وقبله يُحترم فيه الإنسان وكرامته و حقوقه دون تمييز بناء على جنسٍ أو نوعٍ أو عرقٍ أو دين أو طائفة.
اسبوع سعيد لكم جميعاً.