بقلم: هيثم السباعي
يقول المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي: “…في الواقع لدى الإستعمار معلومات عنا، أكثر بكثير مما عندنا عنه. إنه يُكَيِّف موسيقاه وفقا لإنفعالاتنا، ولعقدنا، ولنفسيتنا. إنه يعرف مثلاً أننا تجاهه لانفعل، بل ننفعل. وهو عندما يكون دخل مرحلة التفكير في مشاكل الغد، في الحفر الموحلة، التي يريد أن يوقعنا فيها، نكون نحن لانزال نفكر في مشاكل الأمس، في التخلص من الحفر الموحلة التي أوقعنا فيها فعلاً.”
القول السابق يفسر حال العالمين العربي والإسلامي اليوم، إذ لم يكد العالمان المذكوران ينتهيان من تداعيات الأعمال التي قام بها تنظيم القاعدة حتى أتحفنا الغرب بتنظيم جديد متوحش لم يشهد التاريخين العربي والإسلامي مثيلاً له.
بعيداً عن نظرية المؤامرة، كلنا يعلم أن تنظيم القاعدة شكله الغرب بقيادة الولايات المتحده لمحاربة الإتحاد السوڤييتي الذي احتلَّ أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. تؤكد الوثائق الصحفية والرسمية أن الولايات المتحده كانت الممول الرئيسي للتنظيم بالمال والسلاح. كما أن زعيمه الراحل ‘أسامة بن لادن’ حظي بزيارة مسؤولين أميريكيين رفيعي المستوى في مخبأه في كهوف جبال تورا بورا، على رأسهم مدير مكتب الرئيس، في حينه، ووزير الدفاع إبان غزو العراق، فيما بعد ‘دونالد رامسفيلد.’
أُهمل التنظيم عندما انتهى دوره الذي رسم له بطرد الجنود السوڤييت من أفغانستان، خرج المارد من “القمقم” وانقلب السحر على السحر. بدأ التنظيم بمحاربة الغرب بعد أن تبناه وحماه تنظيم طالبان ودبر الأميريكيون فيما بعد الهجمات على برجي التجارة العالميين في نيويورك وتوريط بعض العرب المسلمين بها وألصقوا التهمة بالتنظيم الذي بلع الطعم وتفاخر بتنفيذه ليكون حجة لإحتلال أفغانستان والعراق فيمابعد. لامجال هنا للدخول بالتفاصيل ولكن، باختصار شديد من المستحيل تخطيط وتنفيذ مثل هذه الهجمات من قبل تنظيم كالقاعدة لأنه بالتأكيد يحتاج إلى إمكانيات دولة.
قصفت الولايات المتحدة جبال تورا بورا لعدة أيام في محاولة لقتل زعيم تنظيم القاعدة وكبار قادته. قيل أن القنابل التي ألقيت على الجبال وقتها، تعادل الكمية التي استخدمت من قبل جميع الأطراف خلال الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة من أيام الرئيس چورچ بوش الأب قد خرجت علينا بعد انهيار الإتحاد السوڤييتي بتبني نظرية ‘النظام العالمي الجديد’ وهو الجزء الثاني من نظرية صراع الحضارات ‘لصموئيل هانينغتون.’
قبل إنتهاء الفترة الثانية من عهد چورچ بوش الإبن طرحت مستشارته للأمن القومي ووزيرة خارجيته فيما بعد، كوندوليزا رايس، نظرية الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد، بهدف تفتيت المنطقة إلى دويلات صغيرة لضمان أمن إسرائيل وجعلها الدولة الأقوى في المنطقة. كل هذا وسط إنشغال الحكام العرب بالبحث عن الوسائل التي تمكنهم من الإستمرار في الحكم والقبض بيد من حديد على مقدرات البلاد والعباد، بدعم من الدول الغربية أو الشرقية أوالإقليمية.
بحسب قول المفكر الجزائري الراحل الذي بدأنا به هذه المقالة، فقد كان الغرب يدبر بديلا عن تنظيم القاعدة قبل تصفيته. بالفعل إنشق أبوبكر البغدادي عن تنظيم القاعدة في العراق وادعى الخلافة وأسس تنظيماً دعاه دولة الإسلام في العراق والشام الذي يدعى إختصاراً بداعش. اختلفت الروايات حول الجهة أو الجهات التي تقف وراء تشكيله. في كل مرة تتهم دوله عربية أوأجنبية، وأحياناً أثرياء الدول الخليجية إلا أن أكثرها منطقية، ذكر مرة واحده على مواقع التواصل الإجتماعي الذي يقول إن الإستخبارات الخارجية البريطانية (إم آي ٦) هي صاحبة الفكرة التي دعتها “عِش الدبابير” التي نفذتها بالتعاون مع الموساد ووكالة الإستخبارات المركزيه.
لن نذكر هنا الفظائع التي نفذها التنظيم في سورية والعراق وكيفية إمتداده إلى شمال أفريقيا غرباً وإلى أفغانستان شرقاً والعمليات الوحشية التي قام بها في المناطق المذكورة، لأن هناك أسئلة لم أجد حتى الآن إجابات لها.
وللحديث بقيه.