بقلم: ﭽاكلين جرجس
و نحن نُحى الذكرى الثامنة بعد المائة للإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك هذا الشهر ؛علينا أن نقدم إنحناءة تقدير لكل إمرأة أرمنية و نتذكر مدى قوة تحملها و صبرها على ما لاقته من أهوال حين سار الآلاف من الأرمن على أقدامهم في الصحراء تحت ظروف قاسية، دون طعام أو شراب، وتسابق المتوحشون من الميليشيات العثمانية إلى تعذيبهن ، فإن كنا نود معايشة ما قاسته و تحملته المرأة الأرمنية فعلينا بقرأة كتب التاريخ بدقة أو نتخيل معًا أننا اتخذنا ألة الرجوع بالزمن وسيلة لنعرف من هى المرأة الأرمنية حيث نجد لها دور بارز فى الحياة العامة فى فترة الحكم العثمانى ، و كان هذا الدور جليا في الحياة الثقافية والاجتماعية، حينما عملت على تثقيف نفسها ودخولها إلى المدارس من أجل تعليمها وكسبت خبرات واسعة، بعد أن كان التعليم حكرا على الرجال فقط واشتهرت الكثير من النساء الأرمنيات في هذا المجال وفي مقدمتهن الأخوات خيزانسي. كما برزت المرأة الأرمنية في الجانب الاقتصادي، إذ عملت بجهد كبير في تحقيق مكاسب مادية من أجل توفير سبل العيش لها وإلى عائلاتها، ومارست أنشطة و مهن صعبة و مختلفة كذلك كان لها مواقفها القوية و الواضحة فى الجانب السياسي وعملت جاهدة من أجل تحقيق أهداف الأرمن ونيل الاستقلال من الدولة العثمانية، إذ شاركت الرجل في نشاطاتها وقادة التظاهرات حتى تحقق لها ما أرادت في عام 1923م.الحكم العثماني ، أما عندما أقبل عليها عصر الاستبداد، أصبح دورها مستتراً، في بيئة تقليدية رجعية ، لم يسنح لها بتقرير مصيرها ، ولم يترك لها خيار نمط العيش، لا بل سجنت بين جدران أربعة، خاضعة لأحكام أهلها؛ اضطرت أن ترتدي ثيابا صبيانية ويمرغ وجهها بالوحل أو الرماد عند سن البلوغ ، كي لا تتعرض للملاحقة والخطف ؛ أما في عهد التحرير والابادة، أي بعد معاهدتي “برلين وسان ستيفانو”، دعيت المرأة لسلوك طريق الحرية أو الاستشهاد ؛ لذلك نجد المرأة الأرمنية مكرسة بشدة للعائلة..
و بالرغم من كل ما مرت به أرمينيا و المرأة الأرمنية تحديدًا إلا أن القدر يجعل أرمينيا على موعد دائم مع الحرب و الألم ففى العصر الحديث انخرطت أرمينيا وأذربيجان، وكلاهما كانا جزء من الاتحاد السوفياتي السابق، في حرب بعد إعلان استقلالهما في أعقاب زوال الاتحاد السوفياتي. وقد انتصرت أرمينيا واستولت على أجزاء كبيرة من أراضي أذربيجان، بما فيها إقليم ناغورنو – كاراباخ. وانتهت الحرب بوقف لإطلاق النار بوساطة روسية عام 1994.واتسمت العشريات الثلاثة التالية بمحاولات دبلوماسية فاترة لإيجاد حل، فضلاً على الاشتباكات العسكرية العرضية. وقاد مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا الجهود الرامية لإيجاد حل للصراع بين أذربيجان وأرمينيا،وشُكلت «مجموعة مينسك» عام 1992 بواسطة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (التي تشترك في رئاستها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا) لمعالجة هذه المسألة. ولم تنجح المجموعة بسبب سياسات القوة الدولية، وكذلك عدم رغبة أرمينيا في الانخراط كبلد له اليد العليا في هذا المجال، واعتقاد أذربيجان بأن الرؤساء المشاركين للمجموعة موالون لأرميني الم يتغير شيء، حتى حرب الأسابيع الستة عام 2020 (حرب كاراباخ الثانية)، عندما ألحقت أذربيجان هذه المرة هزيمة ساحقة بالجانب الأرمني.
ومنذ انتهت في خريف 2020 الحرب الثانية بين أرمينيا وأذربيجان حول ناغورني قره باغ المتنازع عليه بينهما، تدور بين البلدين اشتباكات حدودية متكررة ، إلى أن تم الانتهاء من وضع مسودة اتفاق سلام مع أذربيجان وأرساله إلى باكو، وكذلك إلى الدول الأعضاء في مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا و إن أرمينيا استكملت العمل على مسودة اتفاق حول السلام والعلاقات مع اذربيجان وتم تسليم مقترحاتها الى الجانب الاذربيجاني ، واعلن رئيس الوزراء الأرميني: “يجب أن تجسد الوثيقة فلسفة معينة، ونظامًا للضوابط والتوازنات، والذي سيمنع أي سيناريو يمكن فيه انتهاك سلام دائم ومستقر”.وتابع: “نأمل أن نتمكن من البناء على التقدم المحرز في الجولات الثلاث من المحادثات، ويجب ألا يتحول توقيع الوثيقة إلى حرب ، بل يعني في الحقيقة سلامًا “.
و تخليدا لدور المرأة الأرمنية العظيم يقف شامخًا فى قلب العاصمة الأرمنية يريفان تمثال شاهق هو تمثال “أم أرمينيا” الذى يبلغ طوله 36 متراً، ويجسد شخصية الشهيدة الأرمنية “صوصى مايريك” وهى تحمل سيفاً وكأنها تقف حارساً لحماية البلاد. يرمز نصب أرمينيا الأم إلى السلام النابع من القوة وهو يمثل عدداً من الشخصيات النسائية في التاريخ الأرمني أمثال الأم (صوصي مايريك) وآخرون ممن حملوا السلاح لمساعدة أزواجهن في الإشتباكات التي وقعت مع القوات التركية والجماعات الكردية الغير نظامية. كما يرمز النصب إلى الأهمية التي توليها العائلة الأرمنية إلى الأم أو الجدة الأكبر سنا في العائلة.و يقع فى حديقة النصر ويضم أسفله متحفاً عسكرياً من 5 أدوار وقبراً للجندى المجهول تخليداً لذكرى الجنود الذين فقدوا حياتهم فى الحرب العالمية الثانية، وكذلك فى حرب ناجورنو كاراباخ ومن بينهم عدد من النساء، يظهر من جميع المواقع فى يريفان، للخصوبة والنماء ويؤكد على الأهمية التى توليها أرمينيا لدور المرأة فى كافة مجالات الحياة ويقف هذا التمثال، الذى تم تصميمه فى عهد الزعيم ستالين، فى قلب العاصمة شاهداً على أهمية دور المرأة، سواء فى فترات الحرب و السلام.ويجسد اعتراف أرمينيا بدور المرأة فى المجتمع فى جميع الأوقات، وخاصة خلال الحروب والأوقات العصيبة التى شهدتها أرمينيا على مدار التاريخ.