بقلم: نعمة الله رياض
ترقرت دمعة من عينه وانسابت علي خده وهو يعيد إبنته الرضيعة إلي حضن أمها، عندما إنتهت موعد الزيارة في سجن زفتي المركزي، وتابع بنظره زوجته وهي تتجه بجسدها الرشيق عبر الممر المؤدي إلي بوابة الخروج من الصالة المخصصة لمقابلة الزوار، أعاد الحارس القيد الحديدي إلي يد سامح وإصطحبه إلي زنزانته .. في ركن قصي من الزنزانة جلس علي الأرض خافضا رأسه حتي لامست ركبتيه وراح يبكي بصوت لا يسمع متذكرا الأحداث التي قادته في النهاية لوراء القضبان .. لقد نِشأ في أسرة ميسورة الحال، تخرج من كليه التجارة بتقدير عالي، وعين معيداً في الكلية .. بدأ بالعمل في القطاع الخاص وإختار عدد من كبار العملاء ليحسب لشركاتهم ميزانيتها السنوية والضرائب المستحقة عليها ، أشتهر في مجال عمله وأصبح معروفاً ، تعامل مع كبار رجال المخدرات ورؤساء الجماعات المتطرفة وذلك بتبييض اموالهم تحت إسم نشاط لشركات لها أسماء معروفة ومسجله في السوق المحلي .. إسترجع بذاكرته مشهد إقتحام رجال امن الدولة حجرة مكتبه وجمع ملفات الانشطة والحسابات الحقيقية للشركات المتورطة التي سلمته لمحكمة الجنايات ، والحكم عليه بالحبس ثلاث سنوات وغرامة عدة ملايين من الجنيهات ..
عاد بذاكرته يوم وصوله إلي السجن لأول مرة عندما تم إقتياده مع زملائه المساجين الجدد للمخزن حيث تسلموا ملابس السجن وللمكاتب الأخري حيث تم تصويرهم وأخذ بصماتهم .. تم إطلاقهم في فناء السجن مع باقي المساجين في فترة الراحة والرياضة.. إستقبلتهم عصابة من المساجين الذين فرضوا سيطرتهم علي باقي النزلاء، بالحفلة المعتادة لكل مسجون جديد،لإخضاعهم وكسر إرادتهم ، ذاقوا خلالها من الصفع واللكمات والضرب بالأرجل في جسدهم مما جعلهم يصرخون من شدة الالم طالبين من الحراس أن يأتوا ليخلصوهم ..بلغ ما حدث لمأمور السجن فحضر طابور صباح اليوم التالي وطلب إحضار المساجين الجدد في مكتبه ، إطلع علي ملف كل واحد منهم وإختار سامح مع إثنين اخرين للقيام باعمال ادارية نظرا لخبراتهم السابقة قبل إيداعهم السجن ، مقابل ذلك صرح لهم بالاقامة في غرف مستقلة مؤثثة بفراش ووسادة للرأس ومرأة وكرسي والإحتفاظ بصور عائلية وقراءة الصحف والإضاءة في غرفته بعد مواعيد النوم المقررة .. كل هذه المميزات الإضافية لم تعوضه عن حريته التي سلبت وعن حياته الطبيعية التي لم يعد يعيشها ويتمتع بها.. والواقع أن هذه بالضبط فلسفة قضاء عقوبة السجن ، فهي تتدرج من مجرد فصل مجتمع المسجون الضيق الجديد عن مجتمعه الطبيعي الذي كان يعيش فيه قبل ارتكابه الجريمة ، إلي حبسه في زنزانة منعزلة ليس بها ادني مميزات بل تحريم حتي التحدث معه !! وهذا أقسي درجات التعذيب ، لإن الإنسان مخلوق إجتماعي بطبعه ، هو يعلم انه يمكن حصوله علي الافراج بعد انقضاء نصف المدة إذا سلك سلوكا حسنا مع طاقم الحراسة ومع غيرة من المحبوسين واحترم قواعد السجن ولوائحه ، وكان يفعل كل ما يستطيع لتحقيق ذلك ، كما علم أن هذا يجعله مذكوراً في كشف الإفراج المقدم في الأعياد الدينية والوطنية مثل مولد النبي وعيد الشرطة في 25 يناير وذكري ثورة 23 يوليو وذكري عبور القنال في 6أكتوبر وغيرها من المناسبات التي حفظ تواريخها عن ظهر قلب وأصبح ينتظرها يوما بعد يوم ، ويصاب بالإحباط كلما نشر كشف خال من أسمه .. هذا أيضاً نوع أقسي علي نفسه وعائلته باطالة فترة حرمانه من عودته إليها ، فالحرمان يؤثر بشدة عليه وعلي اسرته علي حد سواء.. أخيراً جاء النبأ السعيد فقد هرع إليه أحد زملائه وصاح :- مبروك يا سامح إسمك مكتوب في كشف الإفراااااج .
































