بقلم: تيماء الجيوش
كانت خيبة أملٍ مضاعفة ل فتيات وبنات أفغانستان حين أصدرت طالبان قرارها بإغلاق المدارس والجامعات في وجههن في ربيع ٢٠٢٢. حقيقةً لم يُفاجأ ما حدث من يعي ماهية هذه الحركة ، مبادئها ،قيمها وسياساتها المُتسمة بالتشدد ،العنف و دورها في جلب المزيد من التخلف لهذا البلد الصغير الفقير و أهله و نسائه.بلدٍ كان له أن يبقى أسيراً للقسوة و الحروب التي لا تنتهي حتى تعود. لم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه إلى صدور قرارٍ آخر في شهر كانون الأول ديسمبر ٢٠٢٢ بمنع نساء الأفغان من العمل مع المنظمات الغير حكومية الدولية والمحليةNGOs والرقم هنا أي النساء العاملات يتجاوز الآلاف في هذا البلد المنكوب. كنتيجة أولية العديد من البرامج الإنسانية لهذه المنظمات تم تعليقها ، كما تمَّ إبلاغ الموظفات والعاملات في هذه المنظمات في البقاء في بيوتهن حتى إشعارٍ آخر. ووفقاً لتصريح المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة Barbara Woodward، باربرا وودوارد هناك 15٪ من المنظمات غير الحكومية جمدت جميع أعمالها في أفغانستان وأن 68٪ منها خفضت عملياتها بشكل كبير.
لم يُكلّف مصدروا القرار عناء أنفسهم بدراسة آثاره و نتائجه على المدى القريب والبعيد ،ولعل أولها عدم قدرة المنظمات غير الحكومية NGOsفي إيصال الخدمات و المساعدات الحيوية إلى الأفراد عموماً و النساء والفتيات على وجه الخصوص في ظل الحاجة الشديدة و ظروفٍ من شتاءٍ قارس ، الفقر، وربما الدنو من الانهيار الاقتصادي. بادرت منظمات أممية الى انتقاد القرار وتبعاته كان أولها
منظمة اليونيسف UNICEF عبر ممثليها التي شددت على وضع الأطفال والفتيات هناك. تبعها ما أشار إليه OCHAمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدة في أفغانستان حيث أورد أن المساعدات الإنسانية قد قُدِّمتْ من قبل الشركاء المانحين لدعم الأسر في شتاء تصل الحرارة فيه ما دون الصفر بعدة درجات و هي تشمل وسائل تدفئة، ثياب، ومساعدات مالية لكن التوزيع قد تأثر سلباً و بقسوة جراء منع النساء من العمل مع المنظمات غير الحكومية واللواتي هُنّ أيضاً حُرِمنْ من مداخيل لأسرهن . بمعنى أدق ما كان مُقدّراً أن يوُزّع لفئاتٍ كثيرة معوزة ينهكها الفقر المدقع لم يحدث كنتيجة لقرار طالبان.
تعلم يقيناً الأمم المتحدة ، المنظمات الدولية و الإنسانية أن المرأة لها دور مركزي وحاسم في إطار العمليات الإنسانية والاغاثية ، ملايين الأفغان كان للمرأة العاملة دوراً في وصول المساعدة إليهم ، فهي تتمتع بخبرة فريدة في الوصول إلى السكان الذين لا يستطيع الزملاء الذكور الوصول إليها..
وجاءت بياناتها متسقة مع هذا من حيث المطالبة بوصول كامل وآمن ودون عوائق للعاملين في المجال الإنساني «بغض النظر عن الجنس» ما يثير الدهشة هو أن مصدروا القرار لم يعوا أبعاده القانونية على صعيد التشريع الدولي من حيث عدم احترام حقوق المرأة و السذاجة القانونية و السياسية في تبني المزيد من القرارات و الإجراءات القمعية بحق نساء أفغانستان دون الأخذ بعين الاعتبار أن أفغانستان دولة وحكومة لديها التزامات دولية انبثقت بالتوقيع على العهود والمواثيق الدولية و لعل أهمها وما يتصل تحديداً بقرار منع النساء من العمل لدى المنظمات هو معاهدة مناهضة العنف ضد المرأة CEDAW. هي المعاهدة التي تدعو موادها المتعددة إلى احترام حقوق النساء والفتيات ، ومشاركة المرأة الكاملة ، الحث على احترام مبدأ المساواة و الهدف الأساسي منه في دمج المرأة مجتمعياً، اقتصادياً، سياسياً أفقياً وشاقولياً. المجتمع الدولي لم يغض الطرف عما حدث ، تنّبه إلى مآلاته ونتائجه و ما يضاعفه من تمييزٍ و قمعٍ بل وانتهاكٍ لحقوق الإنسان.
مجلس الأمن UNSC عقد أجتماعاً مُغلقاً في الثالث عشر من الشهر الجاري ٢٠٢٣ حثت من خلاله الدول المجتمعة على التراجع الفوري عن جميع الإجراءات القمعية ضد النساء والفتيات ،التقيد بالالتزامات التي تم التعهد بها لمجلس الأمن ، احترام حقوق المرأة والفتيات ،المشاركة الفاعلة ، الكاملة والمتساوية لهم والهادفة لاندماجهم في المجتمع الأم في أفغانستان و على الصُعد المختلفة من السياسي والاقتصادي إلى التعليم والفضاء العام بحسب التعبير الوارد في التصريح الصادر في نهاية الاجتماع. من الُمجدي الذكر أن طالبان في أول مؤتمر صحفي لها بعد استلام السلطة في العام ٢٠٢١ أكدت على احترام حقوق المرأة وأن المرأة ستكون نشطة في المجتمع الأفغاني. لكن الواقع يُثبت أن طالبان تُكرر أخطائها و تجربتها لا زالت كما هي. لا زالت حركة تناهض المرأة و لا تُتقيم وزناً لتعهداتها الدولية. القانون الدولي و معاهداته وبرامجه و الحكومات الديمقراطية و سياساتها تعلم يقيناً أنه لا يمكن أن تعمل لسلام واستقرار بلد و أمنه مادام هناك انتهاك دائم ومستمر لحقوق المرأة.