بقلم: عادل عطية
كانت أجنحتها تنفض الهواء فوق رأسى!
أصيخ السمع، حتى ترحل وتتلاشى أصواتها، فأحس أن عضلات ذراعي مشدودة، وكأنى كنت أحاول لمس أجنحة تلك الطيور المهاجرة!
إنّه موسم الهجرة!
حيث تنساق مئات ملايين الطيور المغردة، آيبة من موطنها، كأنها نغمات موسيقية متلونة، واخطة السماء بأجنح كأنها الأنهر الداكنات، مُعبرة لنا ـ في غربتنا – عن قصتنا المشتركة، فإن كان رحيلها جزء من أحلامنا، فإن أوبتها: توكيد على الأمل البازغ بين ظهرانينا!
وهنا بدأت قصتي الخاصة جداً…
لقد اتخذ قدامى الفرس، من وحي غدو الطيور، ورواحها، أساساً للتقاويم الأولى المكتوبة، فقلت في نفسي: لماذا لا أتخذ من توارى الطيور وظهورها مجدداً كل عام، وحياً: لكتابة تقويم فريد فى حياتى الروحية؟!
فحين ترحل الطيور، فهي تسعى إلى الغذاء، وليس فراراً من البرد، فالشتاء بقسوته لا يستطيع طردها، إذا كان لديها ما تقتات به. فلماذا لا أرحل في أثرهم، للبحث عن الغذاء الروحي الخالد، الذي ينمو بين دفتي الكتب السماوية، بدلاً من اجترار سراب طعام العالم في صحراء مملكة الموت المألوفة؟!
وحين ترحل الطيور، فهى تسعى إلى الضوء. إنها تحتاج إلى مزيد من نور النهار، لتربية صغارها، أو: حماية أنفسها من الكواسر التى تطوف ليلاً بحثاً عن طرائد؛ فكيف أنسى نداء ربي، الذي تردده ذرات الكون في حركتها الأبدية: ليكن نور.. وأنا ما أزال في ظلمتي بعد، حتى في أيام العالم المشمسة المشرقة؟!..
وكيف لا أعرف أن أكون أباً صالحاً، وأربى صغارى علي معرفة الله، وأعلمهم التمييز بين الخير والشر. وكيف لا أحمى نفسى من الشرير، الذي يجول ملتمساً أن يفترسنا؟!
الطيور تعرف طريقها، تهتدى في تحليقها بموضع الشمس، ويرتحل بعضها ليلاً، حين تكون الشمس والطبيعة محجوبة، فتهاجر مهتدية بالنجوم. وفى الليالى الغائمات، تعرف بعضها سبيلها باستشعار الحقل المغناطيسي للأرض، وبعضها تهتدى بآذانها !
فلماذا لا أدرى طريقي؟، ولماذا لا أتبع شمس البر، وأصغي إلى صوته، وهدايته؟!
إن تحليق الطيور المهاجرة، لم يقتصر دورها على الزقزقة وموسقة الايام، وأن تصل ما بين العالم بضفائر من طيران، وإنّما امتدت خفقات أجنحتها، لتصل بين قلب، وقلب: قلب الله، وقلبي، إذ أيقظت في مكنوناتي حافزاً دفيناً علي أن ألمّ شعثى، وأرحل من عالم الاحساس بالغربة والغرابة والاغتراب، مستكشفاً طريق الحياة، وأرض الموعد!…