بقلم: خالد بنيصغي
كما الشمس تغرب في كل المساءات معلنة نهاية نهار ذلك اليوم وبداية الليل .. غربت شمسٌ بجمال روحها وطيبتها «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي « غربت لكن ليس لتشرق في اليوم الموالي ، بل لتشرق مباشرة بعد غروبها في العالم الآخر عند كريم مقتدر ، رب غفور رحيم .
ومن علامات الرضا والصلاح والفلاح أن تجتمع إشارات كثيرة ومتعددة في هذه الشمس التي ستشرق بجبين ساطع بالنور، ووجه يَهْزر بالصفاء والسعادة الخالدة « وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية … «
من كرم الله سبحانه وتعالى أن تنقطعين يا سيدتي الفاضلة عن الدنيا في اليوم الأول من الأيام البيض ، وتفيض روحك الطاهرة في اليوم الثالث والأخير من هذه الأيام العظيمة من شهر محرم العظيم وهو من الأشهر الحُرُم ، والتي تشهد لك بصيامها إيمانا واحتسابا لله جل وعلا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» ومن كرم الله تعالى أن تفيض روحك مع وقت صلاة الفجر العظيمة وهو الوقت الذي تشهد لك فيه ملائكة الرحمان بقيامك الليل بالصلاة وقراءة القرآن في جل الليالي حبّاً في الله وإكثاراً في طاعاته وعبادته ، ومن كرَمِه ومَنِّهِ لك أن سخَّر لك هذا الكم الهائل من المسلمين في جنازتك الرهيبة ليُصَلوا عليك آخر صلاة ، بالدعاء لك بالرحمة والمغفرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ : ما من مسلم يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يَبْلُغُونَ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ إلَّا غُفِرَ لَهُ، فَكَانَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ يَتَحَرَّى إذَا قَلَّ أَهْلُ الْجِنَازَةِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ « ما أكرمكَ يا رب العالمين جعلتَ الصفوف أكثر بكثير … ومن كرم الله عليك أن كانت جنازتك مُيَسَّرَةً بالكرم والود من كل الناس الذين أحبوك أيًّما حب وشهدوا لك بالتصدق سرّاً وعلانية ، وبالكرم والإيثار ، ونُبْلِ الخُلُق ، وحُسْنَ الأخلاق .. يا كريمة وابنة الكرماء ، أكرمكِ الله تعالى بالجنة مع الشّهداء والصِّديقين والمحسنين في علِّيِّين وحَسُنَ أولئك رفيقا.
لقد تركتِ في قلوبنا جميعاً جروحاً غائرة ، وآلاماً كبيرة في أحشائنا – أستغفر الله العظيم – تركتِ فراغاً رهيباً في حياتنا ، لن نراك بعد اليوم بيننا في هذه الدنيا ، لن نراك أبدا للمرة الأخرى ، ولكن عزاؤنا وآمالنا الكبيرة جدا أن نلقاك في الدار الآخرة بوجه كريم يطفح بالخير ومغفرة من رب العالمين ..
لم نعد نملك لنا إلا الصبر والسلوان ، ولا نملك لك إلا الدعاء ، وأعدك وعد المسلم الحر أن أدعو لك في صلاتي كلها بالمغفرة والرحمة طول حياتي إلاَّ أن يشاء الله عز وجل ، إنه على كل شيء قدير ، وأتوجه إلى الله تعالى يا أختي بديعة بالدعاء لك راجيا من الله عز وجل أن يتقبل مني إنه سميع الدعاء ..
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَها ، وارْحمْها ، وعافِها ، واعْفُ عنْها ، وَأَكرِمْ نزُلَها ، وَوسِّعْ مُدْخَلَها واغْسِلْها بِالماءِ والثَّلْجِ والْبرَدِ ، ونَقِّها منَ الخَـطَايَا، كما نَقَّيْتَ الثَّوب الأبْيَضَ منَ الدَّنَس ، وَأَبْدِلْها دارا خيراً مِنْ دَارِها ، وَأَهْلاً خَيْراً منْ أهْلِها، وأدْخِلْها الجنَّةَ ، وَأَعِذْها منْ عَذَابِ القَبْرِ ، وَمِنْ عَذَابِ النَّار».