بقلم: إدوار ثابت
ما وضعه الكاتب رينيه رادووان في تلك الفقرة من كتابه التي يقول فيها عن موضوعات مجلده الثاني (أدين بالجزء الأكبر منها لبيلباي) يختلف عما أوضحناه من ناحية ، ويشبهه من ناحية ثانية ، فهو يختلف عنه لأنه يقول أن لافونتين نفسه يعتقد بلزوم ملاحظة أمتنانه للحكيم الهندي للأقتباسات من كتابه ….، فيبدو ذلك بشكل عام قد يفهم منه لكل ما وضعه لافونتين في مؤلفه (الحكايات) ، وهذا ما لم يبدُ فيما فسرناه وبرهنا عنه ، ويشبهه من ناحية ثانية لأنه في تذييله لهذه الفقرة يوضح ما لم يوضحه فيها ، فيكتب في التذييل أن هذه الأسنادات مستعارة من كتاب قديم ، وأن لافونتين يقول ما يقوله عن حكايات المجلد الثاني تحت (تنبيه أو إعلام) ، ولأمانته يوضح أنها بتصرف ، وها هو ما أوضحه وهذه ترجمته : « أسنادات النشرة المقدمة مستعارة من المؤلف الآتي : خرافات بيلباي الفيلسوف الهندي أو سلوك الأمراء . باريس 1698 . ولافونتين نفسه يقول عن حكايات المجلد الثاني (تنبيه صفحة 223) مع بعض التصرف : ادين بالجزء الأكبر منها لبيلباي»
Les références de la présente édition sont empruntées au volume suivant: Fables de Pilpay, philosophe indien, en la conduite des rois, Paris 1698. La Fontaine dit lui même des fables du deuxième recueil (Avertissement page 223) avec quelques exagération: “j’en dois la plus grande partie à Pilpay”
فأنظر إلى (en) فهي ضمير يحل محل مفعول يتبع حرف الجر de كأن تقول في جملة il est content de ces choses وتستبدلها هكذا il est content أي بدلآ من (هو مسرور من هذه الأشياء) تقول هو مسرور منها . إذن فمجمل القول أن لافونتين يدين لبيلباي بالجزء الأكبر من حكايات مجلده الثاني الذي يشمل الكتب من السابع إلى الحادي عشر ، وليس كل حكاياته التي يحويها مؤلفه ، فيقول : (أني أدين بالجزء الأكبر منها لبيلباي) ، وذلك على عكس ما توضحه الكثير أو بعض الأسنادات التي يعرضها الكتاب ، وبخلاف ما تكتبه دون تفصيل فئة كثيرة من النقاد . وقد قلنا منذ قليل حتى نزيد الدقة في هذه المسألة سنعرض بعض الفقرات من كتاب فرنسي قديم ، وقد أستعرضناها ، ثم نبرز ما وضعته إحدى الموسوعات الفرنسية . ثم ما في موقعين من مواقع المعرفة العربية والفرنسية . أما ما وضعته إحدى الموسوعات الفرنسية وهي موسوعة (روبير للإعلام Robert des newspapers فهو لايزيد كثيراً عما أوضحناه ، ولكنها تجمله بشكل عام عن معرفة لافونتين بيلباي فتقول : قد عرفه من بعض التراجم ، فعن الرواية الهندية (بانشاتنترا) تقول ترجمتها . « وهي نفسها قد تصرفت إلى عدد من اللغات ، وأوحت – بعد كتاب الحكايات – لافونتين الذي عرف بيلباي من الترجمة الفرنسية للرواية الفارسية ، والترجمة اللاتينية للرواية الأغريقية» « موسوعة روبير . باريس 2007 في الصفحات 263 ،1704 ،1148»
Elle même (la version du Panca tantra) déclinée en plusieurs langues, elle inspira après les auteurs des fabliaux, La Fontaine qui connut Pilpay par une traduction français d’une version Persane et une traduction de la version grecque (1)
وها نحن قد بلغنا ما نريد أن نبلغه ، ونوجزه بعد أن فصلناه ، وهو أن الكاتب والشاعر (جان دو لافونتين) قد كتب حكاياته هذه في القرن السابع عشر نظمها في شعر فرنسي راق بدت فيه موهبته وقدرته اللغوية ، ووضع شخصياتها من الحيوانات والطيور والنباتات ومن الجماد يرمز بها إلى الإنسان وبعضها إنسانية ضمنها كلها من الحكم والمواعظ ما يبدو في مغزاها الذي يشمل كل حكاية منها . وأن هذه الحكايات تختلف على عكس ما يعتقده البعض عن هذه التي يحكيها عبد الله بن المقفع في كتابه (كليلة ودمنة) في الشكل وفي المضمون معاً . وليس من شك في أننا قد لا نرضى هؤلاء الذين يعتقدون ذلك الأعتقاد ويتحيزون له بل قد نتعرض منهم للسخط ، ولكن من اليقين سنرضي أولئك الذين يمتلكون من الوعي والتحرر ومن الثقافة والتبصر ما يؤهلهم للإقتناع بالدقة فيما رويناه وفيما أوضحناه من هذا الشبه بل من هذا الخلط في أن هناك أختلافاً بين الترجمة من شخص وبين الاطلاع من شخص غيره، وأن هناك أختلافاً بين الإيحاء والإلهام من جهة وبين العمل الذي ينتج عن قراءات ودراسات الأديب الذي تنبع منها ثقافته من جهة ثانية . ونحن قد قرأنا حكايات كليلة ودمنة ، وقرأنا حكايات لافونتين ، فلم نلمح بينهما تشابهاً لا في الشكل ولا في المضمون ، ورأينا أن الأصل فيما يربط بين الأثنين هو الكتاب الهندي (بانكاتنترا) للحكيم (بيدبا) أو بيلباي بالفرنسية الذي ترجم أبن المقفع نثراً ترجمته الفارسية إلى اللغة العربية ، والذي أطلع عليه لافونتين وعرفه أو عرف مؤلفه من ترجماته إلى الفرنسية أو اللاتينية أو اليونانية ، فأصدر من أبداعه الشعري هذه الحكايات التي يحويها مؤلفه (فابل Fables) والتي ضمنها آراء ونقداً أجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً ؟ وأضفى عليها معها أراءً ونقداً نفسياً وفلسفياً يختلفان مع الإختلاف في مضمون الحكاية . ومع ذلك فهو يدين لبلباي ببعض الحكايات التي وضعها في مجلده الثاني وليس كلها . فليس من الحق أن يعتقد البعض أن لافونتين قد أستوحى أو أخذ عن كليلة ودمنة وهو له الأصل الهندي الذي ترجم إلى الفرنسية أو اللاتينية ولا سيما أنه لم يكن تيقن اللغة العربية . فإذا قال هؤلاء أن هذا التشابه بينهما هو في الشكل ، وأن هذا الشكل ينبع من أستخدام الحيوانات كشخصيات في الحكايات ، فليس ذلك ما يؤكد هذا الربط فكثيرون كتبوا في هذا الشكل ، ورغم ذلك لا نقول أن بين هؤلاء الكثيرين تشابهاً ، وقد يكون منهم من تأثر بغيره ، ولكنه لم يستوح منه ولم يأخذ عنه، كما أن في بعض حكايات لافونتين شخصيات من النبات والطيور ومن الجماد والحشرات وهذا في مجمله لم يكن بالأصل الهندي ، ولا عند أبن المقفع الذي ترجم هذا الأصل من ترجمته الفارسية إلى اللغة العربية . وإذا قال غير هؤلاء أن هذا التشابه بينهما هو في المضمون وأن هذا المضمون يأتي من إبراز الحكم والمواعظ في الحكايات ولكن كثيرا من الأدباء ضمنوا كتاباتهم هذه الحكم والمواعظ ، فمن الفرنسيين البير كامي ومونتسيكو كتبا في الحكم والمواعظ ، وجان جاك روسو وفولتير كتبا فيها ، ومن شعراء العربية أبو العتاهية وابو تمام وأبو نواس كتبوا في الحكم والمواعظ ، وأبو العلاءوالمتنبي كتبا فيها ، فهل يمكن أن يقول أحد أن بين أولئك وهؤلاء رابطة تربط بينهما أو أن أحدهم قد أستوحى من غيره أو أخذ عنه ؟!! أما من يتشبث بأعتقاده أن لافونتين في مؤلفه Fables قد أخذ حكاياته من حكايات أبن المقفع في كتابه كليلة ودمنة ومن يكتب هذا في أي مكان أو من يشبهه « وسنوضح ذلك فيما يلي» فذلك إما تحيز أو محاباة ، وإما ضعف في البحث وعدم الدقة فيه ، أو بعد ذلك أبداء الرأي على عواهنه من غير أن يهتم كاتبه بمن يدرك ويعرف الحقيقة ، ودون أن يراعي من يقرأ ، وفي رؤيته أن الكثيرين يقرؤون ويتصفحون وليفهموا ما يفهمون . ويظل بعد ذلك أمر هام شديد الأهمية ، يدفعني إلى أن أعرض بعضاً مما أستغرب له كل الأستغراب ، وهو ما قلنا عنه منذ قليل في أننا سنبرز بعد ما أبرزناه ما في موقعين من مواقع العربية والفرنسية .
البقية في العدد القادم