بقلم: إدوار ثابت
كان لافونتين كما يبدو في أعماله كثير الإطلاع ، أكتسب ثقافته وقدراته اللغوية والفنية من إطلاعه على الكثيرين ممن سبقوه فقرأ هوميروس وسقراط وقرأ أفلاطون وأرسطو ودرس هوراس وأفيانوس وبحث في بلوتارك وبلانيد ثم أضفى على ثقافته من إبداعه اللغوي والفني ما بدا بمؤلفاته التي أصدرها ومنها هذا المؤلَّف (حكايات Fables ). وقد تحدث لافونتين عن هؤلاء الفلاسفة والكتاب بأختصار وخاصة في مقدمة مجلده الأول ، مما يوضح أنه أطلع على أعمالهم . وقد درس الشعر الفرنسي ، وأتقن قواعده وأسسه ، ونظم فيه كل حكاياته ، أما التقديم الذي يقدم به مجلداته الثلاثة والخاتمة التي يختمها بها فبعضه كتبه بالشعر وبعضه بالنثر ففي تقديمه للمجلد الأول كتبه في جزئين جزء منه بالنثر وجزء منه وهو الأهداء وكذلك الخاتمة كتبهما بالشعر أما الثاني فكتب التنبيه بالنثر والأهداء والخاتمة بالشعر ، أما مجلده الثالث الذه أهداه إلى الدوق دوبورجوني فهو بالنثر ولم يضع له خاتمة . والشعر الفرنسي يرتكز على قواعد يلتزم بها الشاعر في قصائده ، وهو يشبه الشعر العربي في ناحية ، ويختلف عنه في ناحية ثانية ، فيشبهه بأحتوائه على أيقاع Rythme أو وزن كالشعر العربي ، وفي قافية Rime تنتهى بها أبياته .
ولكنه يختلف عنه في مصدر هذا الأيقاع ، فايقاع الشعر العربي ينبع من عدد من التفعيلات بربطها بحر من بحور الشعر التي أبتدعها الخليل والأخنش أو من الجرس الموسيقي الناتج من الجمل المنظمة وعلاقتها ببعضها في النظم الحر . أما الشعر الفرنسي فأيقاعه يصدر من مقاطع الألفاظ ، والمقطع Syllabeهو عدد من الحروف تشمل على الأقل حرفاً صوتياً واحداًVoyelle أو كما يسمونه بالعربية حرفاً متحركاً وتسميه هذه الحروف بالعربية بالحروف المتحركة ليست دقيقة فلفظة Voyelle هي صوتية أي به صوت فهي حروف صوتية تطلق صوتاً عند نطقها وهي ستة (a,e,I,o,u,y) أما أذا أخذنا بالدقة تقول هي محركة وليست متحركة ، فهي تحرك غيرها من حروف الأبجدية الفرنسية التي يطلق عليها consonne أي صامتة مثل S, T فمثلاً حرف L لا ينطق بمفرده إلا إذا أرتبط بها فإذا أرتبط بحرف منها مثل a يتحرك وينطق la (لا) والمقطع ينطق مرة واحدة فمثلاً لفظ Mouton يتكون من مقطعين ton, mou ولفظه son تتكون في نطقها من مقطع واحد وتسمىMonosyllabe .
والبيت الشعري يتكون من هذه المقاطع ويختلف باختلاف عددها في البيت أو في ابيات القصيدة ، فقد يكون من مقطعين dissyllabe أو ثلاثة Trissyllabe أو أربعة مقاطع quatrisyllabe أو أكثر من ذلك إلى أثنى عشر مقطعاً ، ومن تتابع هذه المقاطع يحدث الأيقاع أو الوزن في أبيات القصيدة الفرنسية .
وهناك وزنان يلتزمهما كثير من الشعراء ، الأول الذي يتكون من ثمانية مقاطع octosyllabe والثاني من عشرة مقاطعdécasyllabe أما الوزن الشائع في الشعر الفرنسي فهو يتكون من أثنى عشرة مقطعاً ويسمى Alexandrin وكثرة المقاطع فيه تتيح للشاعر الحرية رغم ما يحتاج ذلك إلى قدرة لغوية منه .. في أن يوضح مشاعره باستفاضة . أما القافية Rime فقد تكون في أبيات القصيدة بالتتابع كأن تكون بين بيتين متاليين وتسمى Plates أي بسيطة أو منبسطة ويرمز لها بالرمز ( AABB ) أو بالتبادل بينهما وبين من يليهما فتكون القافية في بيت ما ثم تتغير في البيت الذي يليه ثم يشبه البيت الثالث في قافيته قافية البيت الأول ويشبه البيت الثاني القافية التي تكون في البيت الرابع وتسمىcroisées ويرمز لها بالرمزABAB أي متقاطعة ويأخذ التبادل شكلاً ثانية فتكون القافية في البيت الأول ثم تتغير فتكون في البيت الثاني والثالث ثم يكون البيت الرابع مثل قافية البيت الأول ويطلق عليها embrassées أي متعانقة ، ويرمز لها بالرمزABBA . ولاتتوافق القوافي في حروفها وإنما في نطق المقطع الآخير في البيت . ومع ذلك فالبعض يستخدم الأصعب في القوافي والأوزان الشعرية لتوضيح قدراتهم اللغوية . ونضرب لذلك مثلاً في بيتين من أبيات الشاعر لافونتين في حكاية الأسد والفأر لتوضيح هذا الوزن الشائع الذي يتكون من أثنى عشر مقطعاًAlexandrin فهو يقول قي بداية حكايته :
يجب بقدر الإمكان أن نقدر كل الناس فغالباً ما يحتاج الإنسان إلى من هو أقل منه
Il faut autant qu’on peut, obliger tout le monde (12)
On a souvent besoin d’un plus petit que soi (12)
ولننأى قليلً عن لافونتين حتى نتخفف بعض الشئ ولنرجع إليه بعده لنعرض شكلاً من أشكال القافية ونمطاً من أنماط الأوزان في قصيدة أو جزء منها للأديب والشاعر فيكتور هيجو (القرن التاسع عشر) يقول فيها : كما نترجمه:
غداً عندما يشرق الفجر في تلك الساعة التي تبيض فيها الحقول
سوف أرحل ، كما ترين ، وأعرف أنك تنتظرينني
سأجتاز الغابة ، وسأجتاز الجبل
ولا أستطيع أن أمكث كثيراً بعيداً عنك .
Demain, dès l’aube, à l’heure où blanchit la compagne A
Je partirai, vois-tu, je sais que tu m’attends B
J’irai par la forêt, j’irai par la montagne A
Je ne puis demeurer loin de toi plus longtemps B
فالميزان في القصيدة Alexandrin يتكون فيها البيت من أثنى عشر مقطعاً والقافية متقاطعة (ABAB) croisées بين البيتين الأول والثالث في كلمتيMontagne, compagne وبين البيتين الثاني والرابع Longtemps, m’attends
ولأ أذن لنفسي أن أنأي أكثر ، وقد شعرت بجمال الشعر الفرنسي . فأنظر إلى قصيدة من أشهر قصائد الشاعر (لامارتين)Lamartine شاعر فرنسي – القرن التاسع عشر – وهي البحيرة Le Lac التي تعد من الزخارف الرومانتيكية وهي المكان الذي تغني فيه بمحبوبته التي كان يلتقى بها كثيراً به وعلى ضفاف هذه البحيرة . وقد غدت هذه القصيدة من القصائد الخالدة التي تعكس القلق والشقاء أمام القدر والتشوق إلى السعادة ، والحب الزائل الذي يصبو إلى الأبدية، والعشق الذي لا يزول . يقول فيها كما نترجمه :
آه أيها الزمن ، فلتعطل سرقتك وأنت ايتها الساعات التي تواكبينه عطلي جريانك أتركينا نتذوق اللذات السريعة في أجمل أيامنا كفى شقاءً وخففي الوطء هنا ، وكفاك ألحاحاً به وجريانا بالعاشقين نحوه فتأخذين العناية منهم فتلتهمهم الأيام وتنسين السعادة
Ô temps, suspends ton vol, et vous heures propices A
Suspendez-votre cours B
Laissez-vous savourer les rapides délices A
Des beaux de nos jours B
Assez de malheureux ici – bas vous implorent a
Coulez, coulez pour eux b
Prenez avec leurs jours les soins qui les dévorent a Oubliez les heureux b
والوزن في هذه القصيدة من أثنى عشر مقطعاً في الأبيات الأول والثالث والخامس والسابع ، وستة مقاطع في الأبيات الثاني والرابع والسادس والثامن والقافية فيها متقاطعة (ABAB) Croisées في الجزئين مع اختلاف القافية فيهما . والشعر الفرنسي ككل شعر يمتزج بالتشبيه والأستعارة ، والمجاز والجناس وغير ذلك من المحسنات اللفظية والبديعية ، وهو يشمل نمطان كبيران وهما الشعر الغنائي lyrique وهو الذي يتغنى فيه الشاعر بمشاعره وأحساسيسه ، والشعر اللازم engagé الذي يعرض موقفاً ما ويتحدث عنه والذي يدعو إلى البحث في أمر ما أو موضوع يحويه .
البقية في العدد القادم