بقلم: نعمة الله رياض
جلس العم كريم في مكتب رئيس النيابة يحكي له ما حدث في اليوم السابق، قال :- يا سعادة الباشا ، هل تصدق أن أمس كان آخر يوم في خدمتي كسائق أتوبيس الرحلات في هذه الشركة السياحية قبل أن أحال إلي المعاش، وطوال أكثر من خمسة عشر عاما لم تحرر لي أية مخالفة مرورية ، ولم أرتكب أي حادثه والحمد لله ، قال له رئيس النيابة :- عظيم ، إحكي لي إذن وبالتفصيل ما حدث أول أمس ، أجابه العم كريم:- لقد استلمت الأتوبيس من الجراج في الساعة الخامسة صباحاً وكما أفعل في كل رحلة ، اختبرت المحرك والتكييف ، وراجعت مستوي الماء والزيت ونظافة كابينة القيادة ومقاعد الركاب ، تناولت الشطائر التى أعدتها لي زوجتي وهي تدعو إلي الله أن يعيدني سالماً وشربت شاياً من مقصف الشركة .. وفي الساعة السادسة والنصف بدأ توافد الركاب وراجعت مع المشرف تذاكر السفر ، وكانت الرحلة متجهه إلي سانت كاترين ، وطبقاً لكشف الركاب كان عدد المقاعد المشغولة تسعة وعشرون مقعداً منهم مقعداً للمشرف على اربعة عشر طالباً وطالبة .. كان باقي الركاب وعددهم اربعة عشر راكباً من السائحين ورجال الأعمال ،ومنهم رجل وزوجته تحمل رضيعاً وثلاثة أبناء ، ورجل آخر مع زوجته وابنته، كما كان من بين الركاب شاب وخطيبته، أو ستصبح خطيبته !! ، وكان يمسك بيديها ويتهامسان طوال الرحلة ، وكان هناك أيضاً ثلاث سيدات منقبات شعرت بالتوجس من مظهرهن وحركتهن، واخيراً مقعد لراكب أخبرني أنه تعاقد مع فندق بسانت كاترين للعمل كعامل نظافة وانه اقترض قيمة تذكرة الأتوبيس ليتمكن من استلام عمله.. أكتمل عدد الركاب المسافرين وبدأت في التحرك بالأتوبيس حتي بوابة الشركة في تمام الساعة السابعة صباحاً ، وعند البوابة أوقفني رجال الأمن لمراجعة الأوراق الثبوتية وجوازات السفر للمصريين والأجانب المسافرين ، وقد انهوا أعمالهم بسرعة ومهارة وسمحوا للأتوبيس بالخروج من بوابة الشركة.. أثناء مرور الأتوبيس في شوارع القاهرة ، لاحظت أن سيارة دفع رباعي لونها أزرق قاتم تتابع الأتوبيس عن بعد ويتكلمون بالهواتف المحمولة باستمرار، لم القي بالاً كبيراً لها ولكني لاحظت انها مستمرة في متابعتي ، وصلت إلي بوابة الرسوم ثم تابعت السير وعيني علي السيارة الزرقاء والتي إتضح لي بما لا يدع مجالاً للشك انها تطاردني ، لم يكن أمامي سوي أن أستمر في السير بالأتوبيس طبقاً لخط التحرك المصدق عليه .. بناء علي طلب الركاب عرضت فيلم بالفيديو المجهز بالأتوبيس، بينما كان بعض الركاب الآخرين يتابعون عبر نوافذ الأتوبيس المناظر الطبيعية الخلابة والوديان والجبال وصخورها الملونة التي تتميز بها شبه جزيرة سيناء ، كان من بين الركاب سيدة تحاول إسكات طفلها الرضيع من ثديها ولكنه رفض ألرضاعة واستمر في الصراخ.. بينما لاحظت أن إثنين من الركاب يمسكان بحرص ملحوظ حقيبتين من النوع المقاوم للكسر أو للحروق ، إستمرت سيارة الدفع الرباعي في مطاردتنا حتي وصلنا إلي نقطة تفرع من الطريق الرئيسي إلي طريق فرعي تحت الإنشاء ، عندها لحقت سيارة الدفع الرباعي بنا وارغمتني ( هكذا يحكي عم كريم) علي دخول الطريق تحت الإنشاء وكانوا يوجهون مسدساتهم نحوي .. قدت الأتوبيس حوالي أربعة كيلومترات تحت تهديدهم حتي أصبحنا في قلب الصحراء، عند ذلك فوجئت بالمنقبات الثلاثة يخلعن عبائتهن الخارجية السوداء ليظهرن تحتها بملابس رجالي ، لكن كانوا يبقون علي ألأقنعة حاجبة الوجوه ، وكانوا يحملون مسدسات وأعلنوا أن الأتوبيس تم إختطافه وأمروا الركاب بالخروج من الأتوبيس والإصطفاف في طابور خارجه ، ثم أمروهم بتسليم متعلقاتهم الشخصية من هواتف خلوية وأجهزة اللابتوب ومحافظ للنقود ، وامروا النساء بتسليم المشغولات الذهبية التي يتزينون بها وطلبوا من الرجلين الذين يحملان الحقائب التي تفتح بالشفرة ركوب سيارة الدفع الرباعي معهم، وهكذا إتضح أن الرجلين مشاركين في الإختطاف ، واخيراً استولوا مني علي مفاتيح القيادة والأتوبيس وجمعوا غنائمهم وفروا هاربين بالسيارة ذات الدفع الرباعي .. أصبحت انا وباقي الركاب في موقف صعب للغاية جعل النساء والأطفال يبكون ويصرخون.. تجمع المشرف مع الأربعة عشر طالباً الذي نصحهم بالهدوء والبقاء في مقاعدهم والدعاء إلي الله أن ينجدهم، أما الأسرة التي جلس فيها الزوج مع زوحته المرضعة والثلاثة أبناء ، فقد عاني أفرادها من محنة حقيقية تهدد حياة الرضيع وأخوته الصغار.. إشتدت حرارة الصحراء وأصبح البقاء داخل الأتوبيس أو خارجه أقسي من القدرة علي الإحتمال. وزع الطعام والماء علي الركاب بالتساوي مع التنبيه بالإقتصاد الشديد في استهلاكهم .. وفي هذه الظروف العصيبة تذكرت شيئاً مهماً للغاية وذلك بفضل من الله ، تذكرت وجود جهاز لاسلكي مثبت في الأتوبيس منذ مدة ويستخدم للطوارئ ولم استخدمه أنا قط ، ولم يعلم الخاطفون بوجوده .. توليت مع مجموعة من الركاب تشغيله واستطعنا الاتصال برؤساء الشركة السياحية وشرحت لهم كل ما حدث فوعدوني بإتخاذ كل ما يلزم لإنقاذنا .. وبالفعل صدرت الأوامر بعمل عدة كمائن علي الطريق وبوابات الرسوم لتوقيف سيارة دفع رباعي زرقاء اللون والتعامل مع قائدها وتفتيشها، كما تم تجهيز طائرة مروحية تابعة للقوات المسلحة ، للانطلاق علي وجه السرعة نحو إحداثيات مكان الأتوبيس وإنقاذ ركابه .. أما خاطفي الأتوبيس فعندما وصلوا إلي نقطة تفرع الطريق الرئيسي والطريق تحت الإنشاء ، إتجه السائق للطريق الذاهب لسانت كاترين، كما هو مخطط، وعندما إقترب من بوابة الرسوم ، فوجئ بكمين وزحام لتفتيش السيارات ، فغير مساره وقاد السيارة في الطريق العكسي المؤدي للقاهرة مما لفت نظر أفراد الكمين فأسرعوا بمطاردته ومن ثم القبض عليه وعلي كل من في السيارة .. في التحقيقات اتضح أن الخاطفين أعضاء في تنظيم متطرف وأن الحقيبتين بهما نقود أجنبية وسبائك ذهبية تستخدم في تمويل التنظيم .. انتهي السائق كريم من أقواله أمام رئيس النيابة الذي أشاد به لإنقاذه حياة الركاب وإفشاله مخطط خبيث يستهدف سلامة الوطن.