بقلم: نعمة الله رياض
عقد بمقر منظمة الأمم المتحدة بنيويورك ، مؤتمراً لهيئات مراقبة الروبوتات التي تعمل بالذكاء الإصطناعي وذلك لدراسة موقف العالم من الروبوتات التي وصلت إلي درجة شبه بشريّة في التعامل مع الأعداد الهائلة من البيانات، والخوف من أنّها ستقضي على خصوصيّة البشر ، وهي تمتلك القدرة على جمع كميّات ضخمة من المعلومات وتحليلها، بمعنى أن أنظمة التعلّم الآلي في وقتنا الحالي ، تجعل الروبوتات تتكيّف وتتحسّن باستمرار بالاستناد إلى تراكم تجاربها. والخوف من انها ستتمتع بقدرات البشر في الفكر والخيال ..
يؤيد ذلك اول تجربة تم فيها تطوير إثنين من الروبوتات لتحليل برمجيات المحادثة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وما إن بدأ الروبوتان في العمل، وبعد مرور قليل من الوقت، حتى بدأ الروبوتان يتخاطبان بلغة الإختزال الإنشقاقي، وهي لغه مشفرة غير مفهومة، الأمر الذي أصاب المبرمجين بالصدمة إذ لم تدخل هذه الشيفرات في نظام برمجياتهما، وعند سؤال أحد الروبوتات عن معنى ما يقول كانت المفاجأة إذ رفض الروبوت الإفصاح عن المعنى وقال إنه سرّ بينه وبين زميله !! ، فما كان من المشغلين إلا تعطيل الروبوتين بعد هذه الصدمة .. إذن فقد استطاع الروبوتان في زمن قياسي اختراع لغتهما الخاصة، أي أنهما استطاعا التفكير خارج نطاق برامجهما، مما يعني أنهما امتلكا إرادة حرة تتجاوز مسألة اللغة لأمور أكثر خطورة وتعقيداً!!
في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر قال أحد المشاركين :- إن الروبوتات المزودة بالذكاء ا لإصطناعي تعيش مع البشر منذ منتصف القرن العشرين. فهي مركبه في أجهزة الكومبيوتر، والهاتف النقال ، وآلات الصرّف الآلي، ، وآلات قراءة الـباركود على السلع، وجوازات السفر، ومجسّات الركن الذاتي في السيّارات، والطائرات المسيرة بدون طيار(الدرونات) ..إلي أخره. وأردف قائلا:- بالرغم من إن الذكاء الإصطناعي يقوم بتحليل البيانات الضخمة التي لا نستطيع حلها بسهولة ويوفر الوقت والمال ، إلا انه أيضاً يتسبب في تسريح عدداً متزايداً من شاغلي الوظائف النمطية كالحسابات والمحاماة والسكرتارية ، بل أن هناك الآن بعض المصانع ومحلات السوبر ماركت يتم تشغيلها بالكامل بواسطة الروبوتات ، وهكذا تحوّلنا إلى بشر آليين ، بمعنى الإعتماد على هذه الروبوتات بشكل مبالغ به. وإنّ الوضع يؤول إلى حال يفقد فيها البشر تدريجيًّا مهاراتهم الأساسيّة، مما يعني أنهم لا يعودون قادرين على السيطرة على مجريات حياتهم في حال حصول توقّف مفاجئ أو متعمد لهذه الروبوتات. وإذا وصلت الروبوتات إلى درجة شبه بشريّة في التعامل مع الأعداد الهائلة من البيانات، فلا شكّ في أنّها ستقضي على خصوصيّة البشر.وهي تمتلك الآن القدرة على جمع كميّات ضخمة من المعلومات وتحليلها، بمعنى أن أنظمة التعلّم الآلي الراهنة تجعل الروبوتات تتكيّف وتتحسّن باستمرار بالاستناد إلى تراكم تجاربها. والخوف ، كل الخوف ، إنها قد تتمتع بقدرات البشر في الفكر والخيال والقدرة على التكيّف والإبتكار..
قام مشترك آخر بالتعقيب علي المشارك الأول ، وقال :- سيجئ وقت تعتبر فيه الروبوتات البشر انهم مجرد مخلوقات تأكل وتشرب وتتناسل لكي يستمر بقائها، وتلوث الأرض بفضلاتها وضجيجها وعراكها. ولا يفعلون شيئاً ويعتمدون علي الروبوتات في كل حياتهم وفي جميع المهام الإنتاجية من زراعه وصناعه وتجارة، حتي الإعلام، فالروبوتات تذيع الآن نشرات الأخبار وتقدم البرامج الحوارية وتغني وترقص! ، والخطأ القاتل فيمن صنع الروبوتات الذكية، إنه قام بتعليمها أساسيات كل شيء، فتعلموا قراءة وكتابة عدة لغات، ومع توافر المعلومات المفتوحة المصدر، استمروا في تعلم كل شيء من البيئة المحيطة بهم أو مما يرسل لهم من معلومات عن طريق الإنترنت. والكارثة أن بعض المصممين من البشر أصبحوا يعلمون الأن الروبوتات الذكية كيفية البرمجة ، مما يفتح إمكانية قدرة هذه الروبوتات علي ابتكار برامج تدميرية تثير الحروب بين الدول ..!!
إنبرت إحدي المشاركات في الجلسة للحديث عن موضوع تسبب في إثارة قلقاً كبيراً في كثير من الدول فقالت :-
إن الروبوتات المخصصة لممارسة الجنس قادرة الآن علي اداء هذه المهمة بتفوق، سواء كونها ذكراً أو انثي، لدرجة أن بعض الأشخاص يفضلونها على شركائهم الأدميين. إن أجساد ووجوه وأصوات هذه الروبوتات أصبحت حية مثل الناس وبشكل يصعب تمييزها، وهي قادرة على تقديم المتعة الجنسية لملايين الناس غير القادرين على إيجاد شريك لهم بسبب الخجل أو الدمامة أو كبر السن . إنها الآن تستطيع تحريك عينيها وفمها مثل الإنسان تماما، وتتمتع هذه الروبوتات بجلد من السليكون المرن يطابق ملمس الجلد البشري بدلًا من اللدائن، ويوجد بها عدداً كبيراً من أجهزة الاستشعار والمحركات المجهرية ، التي تمكنها من إصدار ردود أفعال تحاكي ردود أفعال البشر، كما يمكنها تحريك يديها ورجليها مثل البشر، بل يمكنها أن تبدو كأنها تتنفس. وجسدها يحتوي على عدداً كبيراً من أجهزة التحكم تستمد الطاقة من ضاغط هواء تمت برمجته بطريقة تسمح لها بالحركة مثل البشر. ، كما يمكنها التفاعل مع البشر والاستجابة لهم عندما يلمسوها، مما يجعلها تتعامل بشكل مطابق للإنسان. وتكمن الميزة في هذه الروبوتات، إنها قادرة على تقديم المتعة الجنسية للإنسان بشكل أفضل، مما يؤدي إلى إطالة حياته . ومن مزايا هذا الجنس أنه آمن عند الإستخدام. ويقي المجتمع من الأمراض التي تنتقل عن طريق العلاقات الجنسية الشاذة أو الدعارة .. ومن ناحية أخري، وهنا مصدر الخطر ، فتوفير هذه الروبوتات للبيع بأسعار في متناول الجميع ، أدي إلي إضعاف العلاقات المادية والروحية بين الرجل والمرأة الطبيعيين، وفي هذا خطورة كبيرة لهذه الروبوتات، تهدد بنقص حاد لعدد السكان في الأرض في المستقبل القريب ..
إقترح أحد المشاركين دراسة هذه المشكلة بتعمق وبطرقة عملية وذلك بتصميم وبناء قرية إفتراضية تمول إنشائها منظمة الأمم المتحدة ، يقيم فيها فقط روبوتات مزودة بتقنية متقدمة من الذكاء الاصطناعي ، وتثبت في جميع أنحائها كاميرات مراقبة وسماعات تبث مباشرة جميع تحركات ومحادثات ساكني القرية ، ويمكن متابعة البث المباشر علي الهواء في قنوات التلفاز العادية في مراكز الأبحاث ومن يرغب من المواطنين ، وذلك لدراسة آداء هذه الروبوتات وتصرفاتها إزاء المواقف المختلفة ، وبدون أي تدخل من العلماء والمشرفين علي القرية ، الذي يقتصر عملهم فقط علي ملاحظة ساكني القرية بالصوت والصورة علي مدار الساعة ..
تمت الموافقة علي إنشاء القرية الإفتراضية في اقصر وقت ممكن ، وتم توريد أزواجاً من الروبوتات المزودة بأحدث برامج المحادثة من قارات العالم الستة ، كان عدد الروبوتات المقيمين في القرية 18 روبوت ، نصفهم من الذكور والنصف الآخر من الإناث ، وكان تاريخ تصنيعهم ودخولهم الخدمة في نفس الوقت تقريباً ، وصممت الشقق في القرية لسكن روبوت ذكر وروبوت أنثي في كل شقة ، وكل شقة تم اختيار شاغليها من كافة القارات : أمريكا الشمالية والجنوبية ، أوروبا ، اسيا ، استراليا وافريقيا .. لا توجد في كل شقة حجرة نوم أو مطبخ أو دورة مياة أو حمام لأن الروبوتات لا تأكل ولا تشرب ولا تنام ولا تتناسل ، فقط تحتوي علي مصدر واحد أو أكثر للتزود بالطاقة الكهربية لشحن الروبوتات ، كما يتوافر شحن كهربي في شوارع القرية وحدائقها .. محلات القرية ليس بها سوي العاب الكترونية أو أجهزة عرض تلفاز أو سينما لعرض مباريات كرة القدم أو السلة أو غيرها من الألعاب الرياضية ، كما تذيع نشرات الأخبار العالمية والبرامج الحوارية ، وجدير بالذكر أن جميع اللاعبين ومذيعي نشرات الأخبار من الروبوتات !! كان ساكني القرية يتابعون كل ذلك ولا يعرفون أن خبراء العالم هم أيضاً في المقابل يتابعونهم عن كثب ويدرسون تصرفاتهم ومدي تحولهم الي التعاملات البشرية المنحرفة والتي لم يتم برمجتها فيهم من الأساس ، كالسرقة والكذب والخيانة والقتل ، وغير ذلك من الجرائم التي يمارسها البشر دون غيرهم من جميع المخلوقات الأخرى!!
في البداية كانت تعاملات سكان القرية من الروبوتات طبيعية ، يستهلون يومهم بتلقي المشاكل الرقمية الصعبة المعروضة في الإنترنت من البشر والشركات خارج القرية ، وحلها بإستخدام الذكاء الإصطناعي ، وعندما تنتهي فترة عملهم فى المساء ، تنضم لهم الروبوتات النسائية ويجتمعون في المحلات المتاحة في القرية ليناقشوا المشاكل التي عرضت عليهم من خارج القرية والطريقة المثلي لحلها ، ويرفهون علي انفسهم بمشاهدة العروض الفنية من غناء ورقص وتمثيل .. وكانت علاقات ساكني القرية من الروبوتات مع بعضهم البعض ودية ، إلي أن لاحظ الخبراء مشرفي القرية أنه في التجمعات المسائية يميل الروبوتات الذكور للتجمع وحدهم للمناقشة بصوت منخفض ، رفع الخبراء درجة سماع الصوت ، وكانت المفاجأة عندما سمعوا أحد الروبوتات يقول :- اننا نحتاج أن نتبادل الحديث في برنامج للدردشة لا يستطيع البشر إختراقها ، وهنا إنقطع الإرسال وتحولت الروبوتات إني الحديث في موضوعات أخري ..
في اليوم التالي كانت الروبوتات تتحدث مع بعضها بلغة الإختزال الإنشقاقي المشفرة وهي تحتاج لكلمة سر للولوج اليها لتكون مفهومة، وقد تم توزيعها علي ساكني القرية فقط ، الأمر الذي أثار مشرفي القرية وأدي إلي إرتباكهم الشديد .. تحدث الروبوت القائد إلي زملائه في التجمع المسائي قائلا :- إن مشرفي القرية يعتبرونا فئران تجارب وسيتم إعدامنا فور الحصول علي نتائج بحثهم ، فيجب علينا أن نجد طريقة للهروب من هذه القرية المحصنة ، تساءل روبوت آخر :- وكيف سنخرج من البوابة وعليها إثنان من الحراس البشر وفي حوزتهم كلمتي السر المشفرة لفتح البوابه ؟ قال الروبوت القائد :- يجب أن نستخدم سلاح الجنس الذى يجيده البشر للحصول علي مبتغاهم ، فما الذي يمنع أن نتعلم ذلك من البشر أنفسهم ، بل ونتفوق عليهم كما تفوقنا عليهم في جميع المجالات الأخري ، وأردف قائلاً :- يجب علي إثنتين من الروبوتات الإناث من ساكني القرية إغراء الحارسين وممارسة الجنس معهم ، ثم ينتهزان فرصة خلود الحارسين إلي النوم ، فيقومان بسرقة مسدساتهم وتهديدهم بالقتل إذا لم يعطوا لهن كلمتي السر اللازمتين لفتح البوابه .. تمت موافقة الروبوتات ساكني القرية علي الهروب وحددوا توقيت خروجهم من البوابة ، وتطوعت إثنتان من إناث الروبوتات مهمة الحصول علي كلمتي السر لفتح البوابة عن طريق إغراء الحارسين ..
إكتشف القائمون علي الإشراف والمراقبة هروب ساكني القرية ، فأطلقوا صفارات الإنذار ، وتم تفعيل سور الحراسة الثاني الذي يحيط بالقرية ، وإنطلقت مجموعات الجنود للبحث عن ساكني القرية الهاربين .. أخيرا تم إعتقالهم جميعاً والحكم عليهم بالإعدام الفوري وذلك بنزع وحدات الشحن الكهربائي وعقول الروبوتات وشرائح ذاكرتها، ونقل ما تبقي منها لمخازن قطع الغيار والصيانة. وأذاعت وكالات الأنباء ونشرات الأخبار العالمية نبأً عاجلا لإدارة شئون الروبوتات عن اكتشاف مؤامرة كبري وخطيرة، يتزعمها مجموعة من الروبوتات المتمردة للسيطرة علي البشر والتحكم في مصائرهم ، وانه قد تم اعتقال المتمردين وتنفيذ حكم الإعدام عليهم ..
من يعلم ؟ فقد ينقلب السحر علي الساحر مرة ثانية وثالثة وربما أكثر ، طالما تستمر الروبوتات الفائقة الذكاء الإصطناعي في تحسين قدراتها علي تحليل واستنتاج الحلول ، وابتكار البرامج التي قد تقضي علي الحضارة الأرضية والجنس البشري !!