بقلم: سوسن شمعون
كانوا خمسة شباب جمعتهم مقاعد الدراسة الجامعية و ألّفت بينهم لسنوات قليلة ، و بعد تخرجهم توجهوا لتحية أحد أساتذتهم و توديعه فرحب بهم و سألهم عن مشاريعهم بعد التخرج فأفصحوا له أنهم ينوون السفر جميعاً لبلدان مختلفة ليبنوا مستقبلهم فتمنى لهم التوفيق و النجاح و طلب منهم أن لا يقطعوا رسائلهم عنه ليطمئن عليهم و أنه جاهز دائماً لأي نصيحة فشكروه و انصرفوا و خلال سنين مضت كان أولئك الشباب يبعثون ببرقيات المعايدة في كل مناسبة لذلك الأستاذ آملين أن يكون بخير ، فأراد ذات يوم أن يعرف أحوالهم من غير أن يُشعرهم كي لا يجاملوا أو يبالغوا في الحديث فكتب لهم رسائل ذات مضمون واحد : (كيف وجدت الناس هناك ) و انتظر إجاباتهم و بالفعل أتت مختلفةً كلياً عن بعضها..
فقال الأول : إن الناس هنا متفرغون للعبادة أكثر من أي شيء وترى البلد كله في المعابد دائماً.
أما الثاني فأخبره: الناس في كل مكان هنا يحبون العمل بشكل مبالغٍ به ولا يعرفون في حياتهم سوى العمل. و جاء رد الثالث : هؤلاء الناس يزاولون المتعة و التسلية ويتمرغون بالترف، تراهم يلهون طوال الوقت .
و أخبره الرابع قائلاً: أولئك الناس لا يجيدون في حياتهم إلا الدراسة وهم دائماً يخوضون حروبهم في التحصيل العلمي فقط، و كأن هذا البلد جامعة ضخمة .
أما الخامس فقال في رسالته : هذه البلاد مملةٌ جداً إنك لا ترى أهلها يفعلون شيئاً إلا العمل لساعات قليلة و النوم و الأكل وعندهم فقرُ مدقع . فعرف المعلم ظروف طلابه و أرسل إليهم نصائحه قائلاً للأول :
إن العبادة شيءٌ جميل لكن تعرّف إلى الله أكثر بالعمل و مخالطة المجتمع فهناك عبادة أخرى غاب جمالها عن ناظريك و ذهنك .
و خاطب الثاني برسالةٍ مفادها: العمل مقدسٌ يا بُني لكن لا تحوِّل نفسك لآلة إن لروحك ونفسك عليك حق.. هناك فسحةٌ من فرح اغتنمها ولا تنسى ذاتك.
و رد على الثالث وقال: للمتعة حيزٌ في الحياة لكن لا تسرف كي لا تغرق في وحلها و تعود في أرذل العمر خالي الوفاض و الفؤاد، اكتسب مهارات الإبداع و طور أساليبك العلمية واكتشف عالم المعرفة لتدرك معنى المتعة الحقيقية.
و أخبرَ الطالب الرابع برسالةٍ قال فيها: الدراسة تولّد التحدي الجميل و تصقل الفكر، لكن هلا أعطيت لفكرك بعض الحلوى بعد الوجبات الدسمة تلك. لا ضير من أن تمرح قليلاً و تبتهج ليتنفس عقلك فيبدع أكثر.
أما الخامس فأجاب رسالته بقوله : إن الملل عدو العمل و الكسل يجلب الفشل فابحث عن معنى الحياة بالطموح و السعي للتميز و حفِّز الغير ليتغير للأفضل و تُحدِث في حياتك مجداً يُذكر فالوقت لا يرحم أحداً و العمر يجري مسرعاً فلا تهمله.
هذا المعلم الحقيقي وجد كل واحد من طلابه يظن أن كل المجتمع مثله في توجهه ، فلكلٍ منهم معشره الذي سعى إليه ليعيش طقوسه ولأنه سلك طريقاً واحداً وصادف أناسً يشبهونه بالميول و الأهداف لذلك لم يرى أي طالب منهم ما خفي من جوانب الحياة الأُخرى و فترت همتهم و أصبحوا يعانون رتابةً قاتلة تجعلهم يفكرون فقط ضمن صناديق صنعوها لأنفسهم وأغلقوها على ذاتهم ، فنصح طلابه أن لا يقضوا حياتهم في ممرٍ ضيق موحد الصورة و اللون و أرشدهم لطرقٍ أُخرى أكثر تنوعاً و أهدى سبيلاً لكي يزدادوا إدراكاً و انسجاماً و عطاء و ليعرفوا معنى الحياة الحقيقية و يعيشوها بكل فصولها و بكل وعيهم.






























