بقلم: علي عبيد
لست أنا من يطرح هذا السؤال، وإنما طرحته القمة العالمية للحكومات التي انعقدت في دبي أوائل شهر فبراير الحالي، على مدى أيام ثلاثة، بحضور شخصيات عالمية وعربية بارزة، ومتحدثين مختصين في موضوعات عديدة، ناقشوا خلالها ملفات عدة تناولت مستقبل التعليم، والعمل الحكومي، والعلوم والابتكار والتكنولوجيا، والاقتصاد، والتنمية والاستدامة، والرعاية الصحية، وسوق العمل وإدارة رأس المال البشري. وداخل هذه الملفات برزت عناوين جاذبة للاهتمام، مثل المدارس السحابية التي ستمثل الجيل القادم من المدارس، والكيفية التي ستكون عليها جامعات المستقبل، والجيل القادم من الحكومات، والأخطار القادمة لعالمنا الرقمي، ومستقبل المستقبل، ومستقبل السفر البري بسرعة الضوء، والعملة الرقمية المتوقع لها أن تكون مستقبل المال، وأعمار البشر المتوقع لها أن تمتد إلى 200 عام، وسن التقاعد الذي سيكون عندها 100 عام!
هذه بعض عناوين الموضوعات التي تضمنتها الملفات التي طُرِحت للبحث في جلسات القمة العالمية للحكومات، وهي عناوين مثيرة طرحت أسئلة غير معتادة، جعلت من القمة حدثا غير عادي، ليس لحجم الحضور وقيمة المتحدثين فيها فقط، وإنما لطبيعة الموضوعات التي ناقشتها، والتي كانت تبحث عن أجوبة لأسئلة ربما لا تبدو مهمة البعض، لكنها لدى أولئك الذين ينظرون إلى المستقبل بشغف بدت ضرورية وملحة، لأن انتظار المستقبل هو طبيعة العاجزين، أما القادرون على التغيير فإنهم لا يجلسون على دكة الانتظار، بل يبحثون عن الجديد دائما، ويستشرفون المستقبل، لأنهم تركوا الماضي خلفهم، واعتبروا الحاضر جسر عبور إلى الأجمل الذي يليق بهم.
هل هناك دول ناجحة وأخرى فاشلة؟ هذا سؤال جوابه سهل ومعروف، لكن الأسئلة الأصعب هي تلك التي تبحث عن الأسباب وراء ازدهار بعض الدول وتحقيقها أعلى مستويات الرخاء والأمن والصحة، في حين تتراجع دول أخرى إلى مستويات مخيفة من الفقر والحرمان والبطالة؛ الأسئلة التي تحاول الوصول إلى تعريف صحيح للحكومات الفاشلة، وتسعى إلى حمايتها من السقوط في الفشل، واستنهاضها إذا ما وقعت فيه. وهو ما فعلته الجلسة التي انعقدت أثناء القمة العالمية للحكومات تحت عنوان «لماذا تفشل الحكومات؟».
لماذا تفشل الحكومات؟ سؤال مهم، تضع إجابته أيدينا على الأسباب الحقيقية لما يحدث في وقتنا الراهن على ساحتنا العربية، ويشخص الحالة المأساوية التي وصلت إليها دول كانت ذات يوم مرشحة لأن تقود نهضة هذه الأمة، وتطلقها نحو المستقبل، الذي طالما حلم به أبناؤها، بروح جديدة وعزم مكين بعد خروجها من عهد الاستعمار الأجنبي الذي أعاق نهضتها طوال سنوات احتلاله البغيض لأرضها واستغلاله لخيراتها، الأمر الذي أدى إلى تأخرها عن اللحاق بركب الأمم المتقدمة التي تجاوزت مشاكلها ومحنها، ودفنت ماضيها كي تبني المستقبل، وتعيد ترميم ما انشرخ من جدران العلاقة بين شعوبها. وقد كانت الدول التي عقدت الأمة عليها آمالا كبارا مؤهلة لأن تقودها إلى النهضة المنشودة، نظرا للتراكم المعرفي الذي تمتاز به شعوبها، بفعل الحضارات العظيمة التي ازدهرت على أرضها، والتجارب الكبرى التي مرت بها، والممالك والدول التي قامت فيها عبر عقود طويلة من الزمن، فقد كانت هذه الدول، رغم خروجها من عهد الاستعمار، تزخر بالعلماء والأدباء والمفكرين الذين كانوا مصدر التنوير للشعوب العربية التي كانت بلدانها، لا سيما تلك الواقعة منها على الأطراف، تعاني من الجهل والتخلف والفقر، ويفصلها بون شاسع عن تلك الدول التي أخذت على عاتقها قيادة الأمة مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين، رافعة شعار القومية العربية الذي ألهب خيال الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج وحرك عاطفتها، ورفع من سقف الأحلام لدى تلك الشعوب التي تصورت أن عهدا جديدا قد بدأ ليضع أقدامها على عتبة عصر النهضة التي طالما تاقت لها، وأن عهود الاستعمار والجهل والتخلف قد ذهبت إلى غير رجعة، لكن ما حدث كان عكس هذا تماما، فما الذي حدث؟
الذي حدث هو أن الثوار انشغلوا بخلافاتهم، وتهافتوا على السلطة، وتقاتلوا على الكراسي، وصار بعضهم أكثر استبدادا من أولئك الذين ادعوا أنهم قد ثاروا على استبدادهم وانفرادهم بالسلطة، وأصبحت القضايا القومية سلعة يتاجرون بها بعد أن نسوا قضايا أوطانهم، وانشغلوا بتثبيت أركان حكمهم. وشيئا فشيئا طغى الفساد على كل شئ، وأصبحت الشعوب مهيأة للانفجار في أي وقت، حتى جاءت اللحظة التي استغلها المتربصون لتحقيق مآربهم الخبيثة فكان التغيير ولكن ليس للأفضل، وحدث الانحدار إلى الفوضى، وتم القضاء على ما تبقى من رمق للأمة، وتقطيع أوصالها الممزقة، وتجزئتها إلى جماعات وطوائف تتقاتل وتبيد بعضها بعضا، وتحرق البشر والشجر، وتحول الأوطان إلى خرائب ينتشر الدمار في أرجائها من أدناها إلى أقصاها.
كيف تنجح الحكومات إذن؟
تنجح الحكومات عندما يكون على رأسها حكام حكماء مخلصون لأوطانهم، يضعون مصالح الشعوب نصب أعينهم، ويبحثون كل مطلع شمس عن جديد يحققونه لأوطانهم، يستشرفون المستقبل، ويخططون له، وينطلقون نحوه بكل عزيمة وثقة في تحقيق النجاح. حيثما يوجد هؤلاء الحكام توجد حكومات ناجحة، وعندما نبحث عنهم فلا نجدهم يصبح الفشل ذريعا، بل عميقا ومدمرا للأوطان والشعوب والأمم.






























