بقلم: إدوار ثابت
لفت أنتباهي بالعدد الذي يسبق العدد السابق من الرسالة أغنية عامية كتبتها الأديبة صباح غريب تحت فقرة (قصاصة ورق) ووضعت لها عنواناً هو (انساني .. بحر الوافر) التزمت في نظمها ببحر من بحور الشعر العربي .. تقول الفقرة الأولى منها . أقولك أيوه انساني .. دأنا دمعي بيهواني .. وحيرتي مالية وجداني .. وغنوة حزن وخداني .. أقولك أيوه انساني …
وقد قرأت الأغنية ، والحق قد أعجبتني اعجاباً ، لآمرين أثنين ، أولهما أن قليلين جداً وأكاد أقول نادراً ما يكتب كتاب الأغاني العامية أغانيهم يلتزمون فيها بحراً من بحور الشعر التي يعرفونها ، والتي لا يعرفها الكثيرون غيرهم .. ويأتي على بالي الآن أغنية كتبها مأمون الشناوي ولحنها محمد الموجي وغنتها المغربية عزيزة جلال وهي (بتخاصمني حبة) نظمها الكاتب على بحر (المتدارَك) وهو بحر رشيق في إيقاعه ، يسميه البعض ركض الخيل ، فهو يشبه في إيقاعه جري الخيل ، أبتدعه (الأخفش) بعد أن قنن (الخليل) الخمسة عشر بحراً ولهذا أطلق عليه ذلك ، ومن أشهر قصائده قصيدة (مضناكَ جفاهُ مرقدهُ) للشاعر أحمد شوقي وتفعيلات هذا البحر (فاعلن) ويمكن أن تتحول دون خطأ إلى (فعِلن) ويسمى هذا في قواعد العروض (الخبْن)أو (فعْلن) ويسمى ذلك تشعيث .
وقد نظم الكاتب عليه هذه الأغنية مع التحفظ في نطق بعض ألفاظها التي يكون الملحن قد اضطر إليها وتقول الأغنية : بتخاصمني حبة .. وتصالحني حبة .. كل شوية تغضب .. كده من غير مناسبة .. إيه ده يا حبيبي اهدا .. هو الحب لعبة والا الحب لعبة ولكن الكاتب لم يلتزم بهذا البحر في الأغنية إلا في الفقرة الأولى منها ولم يستطع بعد ذلك أن يكملها عليه فشذ عنه .
أقول أعجبتني أغنية صباح غريب (إنساني) لأن الأغنية قد نظمتها على بحر من بحور الشعر العربي ولهذا لن أبخل من أن أسميها أغنية شعرية ، ولن أبخل من ان أطلق على الكاتبة لقب الشاعرة ، وأنا لم أقرأ لها شعراً من قبل ، فهي بما أرى تدرك العَروض والبحور العربية التي ينظم بها الشعر .
ثم أعجبتني لما بها من معاني رقيقة اصدرتها عاطفة حانية ، حارة وإن كانت هادئة ، وبرغم حزنها ففيها مع غزارتها دعة ساكنة لا غلظة فيها ، فتبدو وكأنما توشك أن تشتد ولا اقول تنفجر – ولكنها تتهادى برفق وألفاظها راقية ليست بها فظاظة ، ترسلها سهلة سلسة ، لا تتعثر فيها ولا تتعرقل ، فهي تنطلق منها على سجيتها ، وكأنما هي لا تتخيرها وانما تنبع منها من غير أن تبحث عنها إلا ما تدفعها إليها مشاعرها وأحاسيسها فالكاتبة في أغنيتها توضح إلى من تكتب إليه ، وفي نبرة من الحزن الخفيف أن ينساها وكأنما هو ليس جديراً بها ، وليس جديراً بما تحمل إليه من عاطفة تمسها وتؤرقها ، فإذا دمعها غزير يأسرها وكأنما يهواها ، وحيرتها من كثرتها تملأ أحاسيسها وتغمر مشاعرها ، وحزنها يأخذ عليها نفسها كأغنية تناغمها وتسيطر عليها ، وإذا هي طوال الليل يحوطها الفكر ، وتنأى عنها الأفراح ، وهي مع ذلك تصر على أن ينساها ، فتقارن بين رقتها ، وبين ذلك الذي لا يرقى إليها ، فترى نفسها هذه المرة أغنية تتغنى بها مشاعرها ، وترى نفسها همسة ولكنها غائبة منسية ، وتراها تداوي القلوب ومع ذلك فالسهد يعتلها فلا تقوى على الأبتسام ، فإذا هي تفتعله وتشكله بيديها ، وإذا استقت فهي تستقي حذق الكأس ، وتذدرد مره ، ولكنها مع كل ذلك تتماسك وتقوى وتعرف قدر نفسها وتثق فيها ، فتوضح إلى من تُكتب إليه صلابتها التي ترتكز عليها ، فها هي جدرانها قائمة لا تتهاوى ، وها هي تلك الجدران تأويها جزيرة خفية ، لا يستطيع من يدنو منها أن يبلغها حتى ولو كانت جنية من الجنيات ثم تصر ثانية على أن ينساها ، وأن يذهب إلى غيرها ممن لا يأبهن بالحب ، ولايتألمن منه مثلما تتألم هي . هذه كلها معاني رقيقة جيدة ، ولاسيما ذلك المعنى الذي بدأت به أغنيتها وقالت فيه (ده أنا دمعي بيهواني) ففيه معنى رائع يختلف عما تمتلئ به الأغاني التي يكتبها الكتاب .
فيقولون أن الدموع غزيرة تسح على الكتاب الذي يقرؤونه أو تسيل إلى الكأس التي يشربون منها ، أو هي تذبل العين أو ترهق النفس ، او غيرها من تلك المعاني ، أما الكاتبة فقالت تلك الجملة الرائعة التي توضح العلاقة بين الأسى والحب ، فكأن الدموع من كثرة تعلقها بها فكأنما تحبها أو تهواها كما تقول . ومع اعجابي هذا الذي أكاد أكون قد فصلته تفصيلاً في أغنية الكاتبة والشاعرة صباح غريب فبي أمران أو ملاحظتان لابد منهما ، أرغب في ان أفصح لها عنهما وأتحدث بهما إليها . أولهما يرتبط بما قلتِه أن أغنيتك ، وكما أوضحتِ في عنوانها هي من بحر الوافر ، هذا ما كتبتِه وأنا أقول لك : لا يا سيدتي أغنيتك من بحر الهزَج وليست من بحر الوافر ، وأنتظري قليلاً ولا تجزعي فالبحران مختلفان في شئ ، ومتشابهان أو يمكن أن يكونا متشابهين في شئ ثانٍ فهما مختلفان لأن الوافر تفعيلاته (مفاعلتن) أما الهزَج فتفعيلاته (مفاعيلن) وهما متشابهان لأن تفعيلة مفاعلتن يمكن ان يحدث بها ما يسمى في قواعد العروض أو البحور (زحاف) فتتحول إلى مفاعيلن بتسكين المتحرك الخامس منها ويسمى هذا الزحاف (العَصْب) ، والفيصل بينهما لتعرفي البحر الذي تبنى عليه القصيدة هو أن تنظري إلى تفعيلاتها كلها فإذا كانت على وزن مفاعلتن تقولين هو الوافر وإن كانت كلها مفاعيلن قلتِ هو (الهزَج) أما إن رايتِ أن بعضها هذا و بعضها ذلك قلت أن البحر هو الوافر وأنا أقول لك أكثر من ذلك فلو أن القصيدة مثلاً تتكون من 40 تفعيلة وكانت 39 منها على وزن مفاعيلن وتفعيلة فقط على وزن مفاعلتن قلت أن القصيدة من بحر الوافر . وسأضرب لك مثلاً من قصيدة مشهورة كتبها عبد الله الفيصل ولحنها كمال الطويل وغناها عبد الحليم حافظ وهي (سمراء) ، فإذا قرأت البيت الأول منها : سمراء يا حلم الطفولة ، يا منية النفس العليلة ستعتقدين أن القصيدة من بحر (الرجَز) أو بالأصح من مجزوئه لأن تفعيلاته (مستفعلن) أربع مرات من الست التي يتكون منها البحر ، وقد أضاف الشاعر إلى التفعيلة الرابعة من عجز البيت أي الشطر الثاني منه حرف متحرك وساكن أي (سبب خفيف) ويسمى هذا السبب علة زائدة يطلق عليها (الترفيل) . والعلة لابد وأن يلتزم بها الشاعر في كل أبيات القصيدة ، وقد ألتزم بها فجاء وزن هذا البيت الأول : سمراء يا حلم الطفولة يا منية النفس العليلة هكذا :
مستفعلن مستفعلاتن مستفعلن مستفعلاتن … أقول عندما تقرئين هذا البيت ستعتقدين أن القصيدة من بحر الرجز ، ولكن بعد أن تقرئي البيت الثاني :(كيف الوصول إلى حماك وليس لي في الأمر حيلة) ستدركين أن القصيدة من غير شك ليست من بحر الرجَز وإنما هي من الكامل أو من مجزوئه وتفعيلات هذا البحر كلها متفاعلن أستخدم الشاعر منها كما في كل القصيدة أربع تفعيلات وستجدين وزن البيت هكذا : مستفعلن متفاعلن متفاعلن مستفعلاتن ولا يختلط عليكِ الأمر في ذلك فالتفعيلتان الثانية والثالثة هما من الكامل أما الأولى والرابعة فهما في أصلهما متفاعلن أي من الكامل ولكن الشاعر أحدث فيهما وفي غيرهما من القصيدة زحافاً يسمى الأضمار بتسكين الثاني المتحرك منهما فتحولتا إلى مستفعلن مع إضافة علة الترفيل إلى التفعيلة الرابعة التى التزم بها الشاعر في القصيدة . وبعد أن تدققي في ذلك ستعرفين أن قصيدة سمراء هي ليست من مجزوء بحر الرجز مثلما يبدو البيت الأول منها وإنما هي بعد أن قرأتِ ما يليه من أبيات من بحر الكامل وأن كل التفعيلات مستفعلن التي بها هي في الأصل متفاعلن ولكن الشاعر أضمرها . وقد حدث تغيير في بيت من أبيات هذه القصيدة التي تذيعها الإذاعة ، وهو البيت الذي يقول فيه عبد الله الفيصل :(فلترحمي خفقاته لك وأسمعي فيه عويله) ولكن عبد الحليم حافظ لم يرضَ عن جملة (فيه عويله) فغيرها عندما غنى القصيدة أو قبل أن يغنيها ، او بالأصح غيرها له شخص ما فبدل الجملة إلى (وأسمعي ترتيله) فشوه بذلك وزن البيت ن فأضحى هكذا : مستفعلن متفاعلن متفاعلن مفعولن ، وهو بذلك قد أزال من التفعيلة الرابعة علة (الترفيل) الزائدة التي التزم بها الشاعر في قصيدته وضمنها عله ثانية ناقصة هي (القطع) حذف فيها ساكن الوتد المجموع الذي يتكون من متحركين وساكن ، وأسكن ما قبله ، وهذا خلط في قواعد الشعر ، وعرقلة بل وتشويه في التفعيلة الرابعة منه ، واضطراب معهما في وزن البيت ، وكان من السهولة تصحيحه ، فتبدل الجملة إلى (واسمعي فيه أو منه دليله) فيتلافى الخلط من ناحية ويعطي معنى رقيقاً من ناحية ثانية أكاد أقول لا يقل روعة عن معاني القصيدة ، يوضح فيه الشاعر لمعشوقته أن تسمع من خفقات قلبه دليل حبه وعشقه.
وأراني يا سيدتي قد نأيت قليلاً عن أغنيتك ، وقد تعتقدين أنت ذلك ، إلا أن هذا النأي ليس شططاً وانما يرتبط بامر ما في أغنيتك ، ويتعلق بتلك العلل التي يتضمنها الشعر وعروضه . قلت لك : حتى تعرفي – وأنتِ تعرفين – أن القصيدة من بحر الهزج أو الوافر عليك أن تقرئيها كلها فلو أن تفعيلاتها هي مفاعيلن فهي من الهزج ولو بعضها مفاعلتن فهو الوافر.
وقد قرات أغنيتك فلم ألحظ فيها مفاعلتن حتى نقول ان بحرها هو الوافر كما قلت أنت . وأنا أعرف ستقولين : تمهل ولا تتعجل ، وأنظر إلى جملة (وأنا لقلوب مداوية) أليست (وأنا لقلوب) هي على وزن مفاعلتن وهي من الوافر ، وأقول لك : هذا صحيح ، وقد أصبتِ من غير شك ، ولكن هذا إذا قرأتها باللغة الفصحى فتضعين على حرف القاف حركة مضمومة ، وحينئذ يصطدم حرف الياء بالتفعيلة التي تليها وفي ذلك تأثير عليها وعرقلة في وزن البيت ، أو بالأصح سيتشكل على الياء سكون يلي السكون على الواو فتضحى التفعيلة (مفاعلتان) . ومن قواعد الشعر ألا يلتقي ساكنان معاً إلا في نهاية البيت ، وتكون هذه علة لابد من الألتزام بها أما في تلك الجملة فالساكنان يلتقيان بين تفعيلتين هما (وأنا لقلوب) و(مداوية) أي في الحشو وليس في العروض والاضرب ولكن أغنيتك هي بالعامية ، وفي قراءتها لابد وأن تضعي على حرف القاف سكوناً ، بل ومن الأفضل أن تضعي هذا السكون حتى تتلافي الصدم والعرقلة كما تتلافين تتابع الساكنان فيندمج بذلك الواو مع الباء في ساكن فقط فتكون التفعيلتان هما على وزن (مفاعيلن) مثل كل تفعيلات الأغنية ويكون البحر الذي كتبتِ به هو الهزج وليس الوافر كما قلتِ، ورغم ذلك أو مع ذلك فلا تضمنين أن يحقق لك النطق بالعامية تلك السلاسة والاستقامة اللتين تحفظان له وللجملة تماسكهما إلا بشئ من اللحن في القراءة كما يقول القدماء . ثم قد تقولين وتسألين معاً : عرفت ماذا ترمي إليه من أن جملة (وانا لقلوب) بها علة لابد من الألتزام بها في كل الأبيات إذا قرأتها بالفصحى ، ولهذا فمن الأقضل مع التحفظ قراءتها بالعامية ولكن هل تنكر أن هناك عللاً تجري مجرى الزحاف أي ليس على الشاعر الالتزام بها ، فلم لا تكون هي هكذا ؟ وأنا لا أنكر هذا النوع من العلل ، ولن أحدثك كثيراً عنها فأنت تستطيعين أن تقرئي عنها في كتب العروض ولكن ساضع لك أسماءها وأوضح لك شيئاً عما بها فهي أربعة : الحذْف والخزْم والخرْم والتشعيث وهي في الحق أستثناء عن القاعدة بل وتشذ عنها ، بل وبعضها قبيح في استخدامه وغير مقبول ما عدا علة التشعيث في بحر المتدارك فليس بها تلك العيوب ، كما ليس بها التقاء ساكنان ، ولهذا فعلة (وانا لقلوب) ليست منها سوءاً قرأتها بالفصحى أو بالعامية . ولعلك تسألين – وأنا أشك في ذلك – أليس الشعر الحر به مثل ذلك؟وأنا اجيبك : بلى به مثله ، ولكن إذا رأيت أن أغنيتك الشعرية منه فهذا تقليل من قدرها ، فهي لا تنتسب إليه ، وإنما هي رصينة تكاد تدنو من الشعر العمودي الراقي الذي يلتزم بما لا يلتزم به الشعر الحر . ولي راي في هذا النظم الذي يطلقون عليه مرة شعراً حراً ، ومرة شعر التفعيلة وغيرهما مما يتجاوز فيه من الكتّاب قواعد الشعر وأسسه ، وهو ما قد يغضب الكثيرين ، بل وقد يسخطون عليه فيتناقشون ويتجادلون ولكني لا أأبه بهذا السخط ولا أحفل به ، فهذا ما أقتنع به ولا أشذ عنه ، وهو أن هذا الشكل من النظْم – وأستثنى منه نوعاً فقط من الشعر الحديث سنتحدث عنه بعد قليل – هو أقل قيمة من الشعر العمودي الذي يلتزم فيه الشعراء بقواعد الشعر وعروضه .
أما الملاحظة الثانية فهي تتعلق ببعض ما قلتيه في أغنيتك ، فأنظري في ذلك إلى (ويتجرع مرارة الكاس) وأنظري إلى (محكوم ان ماتنداس) ثم إلى (ولا فيها مرارة الكاس) التي وضعتها في آخر الأغنية فمع تحفظي من لفظ تنداس فهو غير لائق لأن فيه نبواً يجافي الرقي وهو لفظ شعبي يتداوله العامة من الناس ولا يتناسب مع ألفاظ الأغنية الراقية ومعانيها الرقيقة . ثم الا ترين في هذه الجمل علة من تلك العلل التي تحدثنا عنها ؟ بلى فيها . فهذه الجمل تتكون من تفعيلتين الأولى(مفاعلين) والثانية مثلها أضفت إليها حرفاً ساكناً فأضحت (مفاعيلان) وتسمى هذه العلة (التسبيغ) وهو زيادة حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف : وهذا ما كان لابد من الألتزام به في الأغنية ، ولاسيما أن هذه الجمل متفرقة فيها . وليتك كنت قد وضعت هذه الجمل معاً في فقرة مستقلة وأضفتِ معها إليها ما يربط بينها وغيرها من الجمل بدلاً من أن تكون متفرقة ، وكان ذلك سيزيد من قيمتها وجمالها على ما بها من قيمة وجمال ، فهذه الجمل بها جرس موسيقي ينشأ من حرف السين الذي ينتهي به الجمل سيبدو أكثر لو هي معاً ، ثم أن ذلك سيعطي لك الحق في استخدام تلك العلة – التسبيغ- في هذا المكان ، وذلك مايحدث في الشعر الحديث الذي يمكن للشاعر فيه أن يضع فقرة بها قافية ثم بعدها فقرة ثانية يغير فيها القافية ويضع بها من العلل ما يحلو له . وأقرئي مثلاً قصيدة من أهم القصائد التي غنتها أم كلثوم وكتبها إبراهيم ناجي وهي (الأطلال) فهو يقول في أولها : يا فؤادي لا تسل اين الهوى كان صرحاً من خيال فهوى وهي من بحر الرمَل وتفعيلاته فاعلاتن فاعلاتن فاعلن مرتين . ولكنه يقول في آخرها يا حبيبي كل شئ بقضاء ما بأيدينا خلقنا تعساء فإذا قرأتها تجدينها فاعلاتن فاعلاتن فعِلان فأحدث في تفيعلة فاعلان زحافاً يسمى الخبْن حذف فيه الساكن الثاني منها وضمنها علة تسمى (التزييل) أضاف فيها حرفاً ساكناً على الوتد المجموع منها والشاعر له الحق في ان يفعل تلك العلة التي لم يلتزم بها في كل أبيات القصيدة ، وإنما التزم بها في فقرة مستقلة بها كما يتيح ذلك الشعر الحديث . ومع كل ذلك فلن يقلل هذا من قيمة أغنيتك ، ولاسيما ان القليلين جداً كما قلت لكِ هم من يكتبون أغانيهم على أوزان البحور العربية ولكن يجب أن نعترف أن الأغاني العامية يمكن أن تحوى من المرونة غير ما يلتزم به شعر الفصحى من الأسس والقواعد وأنا لا أنكر إعجابي ببعضها لما أرى فيها تلك المعاني الجيدة التي تشكلها الفاظ لا تقل جودة عنها يؤكدها التاريخ وتذيعها الإذاعات بخلاف تلك الأغاني المستحدثة المربكة التي تخلو من التطريب ويبدو فيها اللحن والألفاظ كأنهما في صراع وعراك بينهما ولا أنكر أني سمعت بعضاً من تلك الأغاني الجيدة وخاصة التي نظمها الشاعر والأديب يوسف زمكحل الذي يكتب في الرسالة فإذا هي تحوي معاني عذبة حانية وألفاظاً رقيقة جذلة فليته ينشر في الرسالة بعضاً منها كما يرغب لنرى ما ترقى إليه وكيف ترقَى، أما أنت فيكفيك أن نظمت أغنية على بحر من بحور الشعر العربي سواء هو من الهزج أو الوافر ، فلا غضاضة في ذلك ، فهذه كلها أنماط لو اختلفت فهي تربط بينها قاعدة لا تختلف فيها عنها وهي الحركة والسكون اللذان يشكلان حروف وألفاظ اللغة . وقد رأيت – وأنا لم أقرأ لكِ من قبل – من أغنيتك معرفتك بحور الشعر العربي وقواعده التي تنظمه للشعر فيخضع لها وأنا أطمع في أن أقرأ لك قريباً قصيدة بالفصحى تنظمينها على بحر من تلك البحور التي تستهويك وأنتِ بلا شك قادرة عليها .