بقلم: علي عبيد الهاملي
توصل العلماء إلى دليل على أن الظاهرة المعروفة بين النساء العاملات باسم «متلازمة ملكة النحل» موجودة بالفعل. وأكدت دراسة أجراها مجموعة من العلماء في جامعة «أريزونا» أن النساء أكثر ميلا إلى كره بعضهن البعض في العمل، مقارنة بزملائهن الذكور. ووجدت الدراسة أن الإناث اللواتي يرغبن في الحصول على مناصب عليا في العمل، يملن إلى استهداف النساء الأخريات اللواتي يعملن معهن. وأجرى العلماء الدراسة لمعرفة من الأكثر إزعاجا للنساء في مكان العمل، حيث أجاب الرجال والنساء، الذين يعملون بدوام كامل، عن أسئلة حول «مقدار التحمل» الذي عانوا منه في العمل. ووجدوا أن النساء يستهدفن غيرهن على الدوام، ما يخرب القوالب النمطية التقليدية الجنسية، بينما كان الرجال أكثر تهذيبا مع الآخرين. وقالت أليسون غابرييل، الأستاذة المساعدة في الإدارة والتنظيم بالجامعة: «أردنا معرفة من يستهدف النساء بشكل مباشر وفظيع، ووجدنا أدلة ثابتة على تسجيل النساء لمستويات أعلى من التحمل تجاه غيرهن من النساء مقارنة بالذكور». يذكر أن متلازمة «ملكة النحل» نشأت من الدراسات النفسية التي أجريت قبل أكثر من أربعة عقود، حيث تصف المرأة في موقع السلطة، على أنها تنظر أو تعامل الزملاء والمرؤوسين بشكل حازم ومهين، في حال كانوا من الإناث، وفقا لعالم النفس أودري نيلسون، وقد نشرت النتائج الكاملة للدراسة في مجلة علم النفس التطبيقي. ربما تجد هذه الدراسة هوى لدى بعض الرجال الذين يشغلون مناصب إدارية، وربما يصل هذا الهوى درجة التشفي من النساء اللواتي يشغلن مناصب مثلهم، باعتبار أن الرضا الوظيفي واحد من أهم عناصر نجاح القيادات في المناصب الإدارية. كما أن الدراسة ستجد هوى لدى النساء العاملات تحت إدارة نساء مثلهن، حيث سيجدن فيها مبررا لتأخر ترقياتهن وجمود وضعهن الوظيفي، خاصة إذا كن من النوع الذي يؤمن بنظرية المؤامرة، وهو أكثر أنواع النظريات انتشارا بين الموظفين من الجنسين على حد سواء. هذا إذا أخذنا نتائج الدراسة على أنها أمر مسلم به، لكن المنطق ربما يقول شيئا آخر، أو يشير إلى أن هذه النظرية مشكوك في قطعيتها حتى تثبت صحتها أو بطلانها، أو في أحسن الأحوال يجب أن لا تؤخذ على علاتها. وسيظهر لنا من يقول إن لكل قاعدة شواذ، أو أن عالم الوظائف لا يخضع لنظريات جامدة، فهو قابل للتحول من نظرية إلى أخرى تبعا لتطور قوانين الموارد البشرية، أو تبعا للحالة التي تطبق عليها النظرية، والدرجة الوظيفية والمنصب الذي يتنافس عليه الموظفون، والمكانة التي عليها يتصارعون منذ عهد آدم عليه السلام. نعود إلى «متلازمة ملكة النحل» التي بدأنا منها، فنقول إن هناك متلازمة أخرى يمكن أن نطلق عليها «متلازمة ملك الغابة». وهي ظاهرة نستطيع أن نلاحظها في كل مواقع العمل، بغض النظر عن الذين يشغلون المواقع الوظيفية، وما إذا كانوا من الرجال أو النساء. هذه المتلازمة تتمثل في إحساس من يشغل هذه المواقع أنها قد خرجت من دائرة الملكية العامة، التي تمثلها الحكومة أو المؤسسة أو الشركة، ودخلت دائرة الملكية الخاصة التي يمثلها شاغل الوظيفة، أيا كانت درجته التي تبدأ حسب السلالم الوظيفة المتعارف عليها من العتبة الدخول إلى عالم الوظائف، وتتدرج حتى تصل أعلى درجات السلم الوظيفي في الموقع الذي يعمل فيه شاغل الوظيفة. وانطلاقا من هذا الإحساس يبدأ شاغل الوظيفة في ممارسة عقده على كل من يقع تحت سلطته بشتى الطرق والوسائل، وتمتد ممارسة هذه العقد والتنفيس عنها إلى المتعاملين مع الجهة التي يعمل فيها، وهذا هو أسوأ أعراض هذه المتلازمة التي نتمنى أن يتصدى لدراستها علماؤنا الأفاضل، فربما استطاعوا التوصل إلى علاج لها، وتخليصنا من المصابين بها، وهم ليسوا قلة في مواقع العمل المختلفة، وعلى وجه الخصوص تلك التي تتركز فيها حاجات الناس ومعاملاتهم ومصالحهم. ما بين «متلازمة ملكة النحل» و»متلازمة ملك الغابة» حبل سري يجب أن نقطعه كي نخلق بيئات عمل صحية جاذبة، تتساوى فيها ملكات النحل وملوك الغابة مع الجميع، ولا يعود لدينا ما ينغص على الموظفين وجمهور المتعاملين حياتهم، ويطفيء شمعة الأمل في نفوسهم.