بقلم: د. حسين عبد البصير
رأس الدولة المصرية
لقد كان الملك هو رأس الدولة المصرية القديمة، وكان مصدر كل السلطات خصوصًا السلطتين الدينية والدنيوية حتى يكون قادرًا على النهوض بمهام الملكية المقدسة المُلقاة على عاتقه. وكان الملك يدير السياسة الداخلية ممثلًا في منصب الوزير، سواء كان وزيرًا لمصر كلها أو وزيرًا للشمال وآخر للجنوب أو ممثل الملك في النوبة وكبار رجال الدولة وحكام الأقاليم. وكان للملك الحق في إصدار المراسيم والقوانين التي تكفل تحقيق العدالة والأمن والاستقرار للمجتمع.
يُعدّ الجيش المصري العظيم هو المؤسسة الحامية والمؤسس لنهضة مصر ومجدها وإمبراطورتيها العظيمة في عصر الدولة الحديثة، عصر الفراعنة المحاربين العظام، أصحاب المومياوات الملكية في متحف الحضارة بالفسطاط. وكان الجيش في مصر القديمة هو صمام أمان الأمة المصرية منذ الأزل والدرع الواقي الذي يحمي مصر من الأخطار الداخلية والخارجية. وكان المصري القديم يميل بطبعه للسلم ولا يميل للحرب ولا يلجأ إليها إلا دفاعًا عن نفسه وبلاده؛ لذا نرى أن العقيدة العسكرية المصرية هي عقيدة ثابتة راسخة تُبنى على الدفاع عن الأوطان ولا تُبنى على الاعتداء على الآخرين. والجيش المصري هو أول جيش نظامي في التاريخ. وعلى الرغم من أن الجيش المصري كان يقاتل بضراوة في مواجهة جيوش الأعداء، فإنه كان يتعامل بمنتهى الرقي والتحضر مع المدنيين والمنشآت المدنية؛ لأن الجيش المصري يؤمن بأن قوته ليست في عسكريته فحسب، بل تكمن في سلوكه المتحضر أيضًا.
ويرجع تدريب الجنود المصريين على ضوابط وأخلاقيات العسكرية المصرية العريقة، من خلال عدم التعدي على المدنيين، ومن خلال عدم تنفيذ أي عمليات سلب أو نهب للمناطق التي يمرون عليها أثناء أدائهم مهمتهم في تأمين الحدود المصرية، إلى عقيدة الجيش المصري الثابتة، وهي أنه يقاتل الأعداء المهاجمين له فقط ولا يفعل أي جرائم حرب قد تشوه تاريخه العسكري المشرف الناصع البياض؛ نظرًا لأن الجيش المصري لا يخالف أخلاقيات وأعراف وتقاليد القيم العسكرية الثابتة. وبهذا يتضح أن مصر القديمة أبدعت الأخلاقيات العسكرية في العالم، وأن الأخلاقيات العسكرية المصرية عريقة عراقة مصر القديمة في وضع قواعد أخلاقيات الجيوش والحروب منذ آلاف السنين، وأنها بذلك قد سبقت المواثيق الدولية في العالم.
المشروعات الأثرية الكبرى
تمثل الآثار قمة مصر الناعمة التي تغزو العالم كله بمنتهى السهولة واليسر والانتشار كسرعة البرق دون أية دعاية؛ لأن مصر حاضرة بقوة بتاريخها المجيد وآثارها العظيمة في كل من العالم قديمًا وحديثًا.
من ذلك المنطلق والحس الحضاري الرفيع، استقبل حاكم مصر المثقف وعاشق آثار مصر والراعي والداعم لها فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي مومياوات أجداده ملوك مصر العظام وجداته ملكات مصر العظيمات في موكب ملكي عالمي تهبه المحابة وتحيط بالعظمة والمجد والفخر والعزة،وفي سابقة لا تكرر كثيرًا، حين انتقلت مومياوات الملوك والملكات الفراعنة من المتحف المصري في ميدان التحرير إلى بيت المومياوات الجديد، إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط؛ ذلك المشروع الأثري القومي الكبير الذي افتتح حديثًا في عهد سيادته، في مشهد تاريخي لا يتكرر كثيرًا في عمر الزمان وفي سجل المكان وفي رحابة وفضاء العالم.
يعد اهتمام فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالآثار اهتمامًا غير مسبوق. ويؤكد هذا الاهتمام الرئاسي على الحس الحضاري العميق والنظرة المستقبلية للسيد الرئيس. ويأتي هذا الاهتمام الرئاسي من منطلق حرص وإدراك السيد الرئيس لأهمية الآثار كأحد أهم عناصر الثقافة والقوة الناعمة والسياحة التي تمثل أحد أهم العوامل التي يتركز عليها الاقتصاد المصري منذ سنوات عدة. وفي عهد فخامة السيد الرئيس تم تحقيق إنجازات كبرى عدة في مجال الآثار، وما يزال بعضها في الطريق بإذن الله تعالى، بفضل الدعم السياسي والمادي غير مسبوق لها حين خصصت الدولة المصريةحوالي مليار ومائتي وسبعين مليون جنيه لتمويل المشروعات الأثرية الكبرى.
بيت توت عنخ آمون الجديد
يأتي مشروع المتحف المصري الكبير على قائمة أولويات اهتمام فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ وذلك نظرًا لعمق معرفة السيد الرئيس بأن آثار الملك الذهبي توت عنخ آمون هي حلم كل سائح وزائر لمصر الحضارة. ويعلم السيد الرئيس تمام العلم أن المتحف المصري الكبير في الجيزة هو المشروع الحضاري والثقافي الأكبر في عالمنا المعاصر اليوم، نظرًا؛ لأنه سوف يضم المجموعة الكاملة لآثار الملك الذهبي وغيرها من كنوز مصر الأثرية. ويعد المتحف المصري الكبير أعظم مشروع ثقافي وأثري وفني ومتحفي في العالم أجمع. وسوف يكون ذلك المتحف العظيم صرحًا ثقافيًا ومركزًا عالميًا لتواصل الحضارات والثقافات عبر العالم كله. وسوف يضم المتحف كنوزًا فنية فريدة وروائع الآثار المصرية القديمة منذ عصور ما قبل التاريخ إلى العصرين اليوناني والروماني. والحقيقة إن المتحف المصري الكبير هو مشروع مصر القومي في القرن الحادي والعشرين. ومن المخطط أن يتم إنشاء طريق يربط بين أهرام الجيزة والمتحف المصري الكبير، يسمى «الممشى الأسطوري»، يبلغ طوله حوالي كيلومترين ونصف الكيلومتر. وسوف يسهل ذلك الطريق الزيارة من وإلى هاتين المنطقتين السياحيتين الفريدتين. وسوف يتم ربط المتحف المصري الكبير بأهرام الجيزة بالصوت والضوء، والإفادة من منطقة الرماية في خدمة الآثار والسياحة بالجيزة؛ كي يتمتع الزائرون بآثار مصر القديمة الخالدة.وسوف يحتوي المتحف على عدد من المتاحف النوعية منها متحف للأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة لتربية النشء على حب الآثار والحفاظ على كنوز مصر والعالم أجمع. كما سيضم المتحف منطقة ترفيهية على مساحة كبيرة تشمل حدائق ومطاعم وخدمات وأماكن ترفيه ومرافق عامة. ومن الخطط أن يفتح المتحف أبوابه للجمهور المصري والعربي والعالمي قريبًا إن شاء الله تعالى. ومن المتوقع أن يصل زوار المتحف إلى عدة ملايين منالسائحين سنويًا.
تطوير أعظم آثار الدنيا
تعد منطقة أهرام الجيزة من أهم المناطق الأثرية والسياحية في العالم كله إن لم تكن أهمها. ويجري الآن تطويرها بشكل عالمي يليق باسم مكانة مصر الأثرية والسياحية في العالم. وسوف يضم المشروع عددًا من العناصر المعمارية والخدمية التي سوف تساهم في إعادة الرونق والجمال والنظام للمنطقة العالمية؛ لأنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض لا يحلم بزيارة الأهرام سواء أكان طفلاً صغيرًا أو امرأة أو شابا أو شابة أو رجلاً كبيرًا أو امرأة مسنة.
تحظى منطقة أهرام الجيزة باهتمام كبير ومستمر ومتزايد من فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن الدولة وكل أجهزتها ووزاراتها المعنية مثل الآثار والسياحة والتنمية المحلية وغيرها وكل قياداتها كي تعود منطقة الجيزة إلى سابق عهدها وتحتل المكانة المناسبة التي تليق بها وتجعل منها قبلة السياحة العالمية، وتزيد من دخل مصر من العملات الأجنبية التي تدير عجلة الاقتصاد المصري وتحسن من معيشة ودخل المصريين مما يساهم في تحقيق برامج التنمية التي تضع الحكومة؛ كي تحقق معدلات نمو غير مسبوق في زمن قياسي.
من أهم معالم المشروع تجهيز مبنى للزائرين عند مدخل طريق مصر-الفيوم، وسوف تتم زيارة المنطقة منه والدخول والخروج إليها ومنه عن طريق هذا المبنى مما يجعل زيارة وتأمين المنطقة في سهولة ويسر. وكذلك استخدام وسائل نقل خفيف تجعل من زيارة المنطقة متعة حقيقية عند افتتاح ذلك المشروع في الفترة القادمة إن شاء الله، وسوف تختلف الخريطة السياحية ومسار الزيارة للمنطقة كلية، وسوف يشعر الزائرون للمنطقة بروعة وعظمة المنطقة أكثر وأكثر. وبذلك المشروع العملاق تدخل منطقة أهرام الجيزة في نطاقات السياحات العالمية المستعدة لاستقبال عدد كبير من الزائرين بجدارة.
مجد الإسكندرية
يعد ذلك المتحف واحدًا من أهم وأعظم متاحف منطقة حوض البحر المتوسط بأسرها، ويتمركز في أقدم الشوارع الأثرية الرئيسة لمدينة الإسكندرية، المدينة عالمية الطابع، حلقة الوصل بين اليونان ومصر قديمًا. وقد روعي في التصور الجديد للمتحف طرح أقسام جديدة بالمتحف لخدمة الفكر المتحفي الحديث؛ حتى يكون مؤسسة علمية منافسة على مستوى عالمي. وتمت أعمال تطوير وترميم شاملة للمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية. وتشمل ترميم الواجهات الرئيسة والجدران الأثرية الداخلية، وتركيب هيكل معدني لمبنى المتحف، وتدعيم العناصر الإنشائية للدور الأرضي، واستكمال أعمال التشطيبات المعمارية للمبني الإداري، وقاعات العرض المتحفي، وسوف المتحف يضم أكثر من ٣٠ قاعة لعرض حوالي أربعين ألف قطعة يونانية ورومانية.
لنا تكملة في العدد القادم