بقلم: د. حسين عبد البصير
شمس مصر القديمة التي لا تغيب
سوف يظل سحر مصر وآثارها باقيًا إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. مصر القديمة هي التي أبدعت وعلمت العالم، وأهدت البشرية إلى الحق والخير والجمال وكل القيم والأعمال الطيبة في الدنيا والآخرة في ذلك الزمن البعيد من عمر الإنسانية. لقد عرف المصري القديم العالم، وخبره جيدًا، وأعني عالمه الذي كان يعيش فيه، والذي كان يعرف كل تفاصيله بدقة بالغة، فأبدع لنا تلك الحضارة المدهشة التي كانت وما تزال وسوف تظل تبهرنا بآثارها الجميلة وتاريخها العظيم وقيمها الخالدة وأفكارها الخلابة وأخلاقياتها السامية.
جالت الفكرة في عقل المصري القديم، وبناءً عليها أبدع عالمه الشامل الكامل؛ ذلك العالم المدهش من السحر والجمال والغموض المبني على أسس ثابتة من القيم والمعايير الأخلاقية والفكرية والجمالية والعملية. لقد قدس الإنسان المصري القديم الإله خالق الكون في عليائه. وأقام له المعابد؛ كي يقدم له فيها آيات الشكر وقرابين العرفان على كل ما أمده به من كل الأشياء الطيبة في حياته الأولى على الأرض، وكذلك بسبب ما كان يطمح إليه من الحصول على رضاه؛ كي يدخل «حقول الإيارو» أو الجنة في العالم الآخر في مصر القديمة.
حمد المصري القديم الإله في معابده في طول البلاد وعرضها؛ بسبب ما قدَّمه له من حماية ودعم ونصر مبين. وقدم القرابين له في معابده؛ كي يشكره على ما أولاه له من رعاية وحماية. وحارب الملوك المصريين القدماء تحت راية الإله الخالق العظيم. ونسبوا النصر الذي حققوه إلى الدعم الكبير الذي قدمه لهم في أرض المعارك. وأسَّس المصري القديم أول امبراطورية في التاريخ بعد تعرض مصر لمحنة احتلال الهكسوس القاسية. وجلبوا خيرات البلاد التي فتحوها إلى معابد الإله وكهنته.
صارت المعابد والمقابر تُبنى باستمرار الواحد تلو الآخر. وصارت تضيف سطرًا جديدًا وجميلاً في تاريخ مصر القديمة والبشرية جمعاء. وصارت آثار المصريين القدماء أكثر جمالاً وغموضًا وأشد سحرًا. وأخذت فكرة البناء والتشييد تصير على عقول كل الملوك المصريين القدماء. وصارت مصر عارمة بكل الأنواع من كل الآثار الجميلة سواء أكانت آثارًا تخص العالم الآخر، مثل المقابر أو المعابد الجنائزية، أو تخص الحياة الدنيا على الأرض مثل معابد الآلهة والمدن والبيوت والتجمعات السكنية وأماكن الأنشطة التجارية والصناعية.
كانت مصر القديمة في الأصل فكرة، ثم تحولت الفكرة إلى خطط ومشروعات تم تنفيذ بعضها، ولم يتم إكمال بعضها، أو تم إهمال أو تدمير بعضها. وقبل أن يصل بنا الانبهار بآثار مصر القديمة غايته، كان انبهار الرحالة الكلاسيكيين على أشده. وكتبوا عنها ما جعل منها أعجوبة الأعاجيب في كل زمان ومكان.
كانت قيم الصدق والدقة والاتقان هي المسيطرة على عقول المصريين القدماء وهم يخطون بالقلم من أجل البدء في تنفيذ مشروعاتهم العديدة سواء في الفكر أو في الفن أو في العمارة أو في العلم أو في الفلك أو الحساب أو في الهندسة أو في الأخلاق والضمير والأدب والقيم، أو في غيرها الكثير.
هذه هي مصر القديمة ببساطة. وهي هذه هي فكرتها. وهذه هي قيمها التي روت العالم كله وما يزال العالم كله يرتوي من كل ما مصري قديم.
إعجاز المصريين القدماء
ماذا يتبقى من المصريين القدماء حقًا وصدقًا؟
ماذا يتبقى من مصر القديمة؟
بعد هذه الرحلة القصيرة بين بعض من أسرار مصر القديمة الكثيرة، وبعد الطواف بين تاريخ وسير وأعمال أجدادنا المصريين القدماء العظام، يتضح لنا أنه ما تزال مصر القديمة تسحر العالم كله، وما تزال كنوز مصر القديمة تبهر الأبصار والعقول وتخطف القلوب، وما تزال مصر القديمة تسكن تحت جلودنا، برصيدها الحضاري العريق وتراثها الثقافي الفريد.
إن ما سيبقى من مصر القديمة، أبد الأبدين، هو السحر والغموض والجمال والمتعة والإعجاب والدهشة والعديد من القيم الإيجابية التي تعلي من شأن الإنسان، والتي تعلم العالم منها الشيء الكثير، عندما كانت الحضارة تسكن أرض مصر، وعندما كانت إبداعًا مصريًا خالصًا، بينما كان العالم كله يعيش حياة مزرية في جنبات وظلمات الكهوف، كهوف الجهل والظلام والتخلف وعدم المعرفة.
هذه هي مصر التي أضاءت العالم بنورها الحضاري وأضاء العالم بنورها المعرفي والإنساني الرفيع بعد فترات طويلة من تخبطه في غياهب الظلام وبراثن التخلف. وأجمل ما بقي من مصر القديمة ليس آثارها الجميلة فقط، ولكن قيمها الإنسانية ومبادئها الراقية القائمة على حب التسامح، والتمسك بالسلام، وعشق الحق والصدق، وإعلاء شأن العدالة، والتبتل في محراب الجمال، وحب الخير، وتقديس وعشق وإتقان وإجادة وإبداع العمل، وتمجيد الإنسان والرفع من شأنه والاعتراف به كمبدع أصيل وصاحب حقيق ومفجر عظيم لهذه الحضارة الإنسانية الرفيعة المستوى التي لا تدانيها حضارة في العالم القديم كله في الاهتمام بالإنسان وبتعليمه كل القيم الرفيعة والأصيلة والطيبة ودفعه للأمام دومًا.
إن سر وسحر مصر القديمة سوف يظلان ما دام هناك عقل يفكر وقلب ينبض وأذن ترى وعين تسمع شأنها في ذلك شأن السحرالذي انفتح على العالم وغمر عبيره عقولنا وقلوبنا وأبصارنا جميعًا عبر كل زمان وعبر كل مكان، دون فرق، عندما نجح العبقري والعلامة الفرنسي جان-فرانسوا شامبليون في عام 1822 ميلادية في كشف وفك رموز اللغة المصرية القديمة، وإطلاع العالم على سحر وأسرار القديمة بشكل علمي مؤِّسسًا بذلك علم المصريات البديع الجميل المثير الشائق والشائك في الوقت نفسه.
منذ ذلك الحين، ونحن ننعم جميعًا بسحر مصر القديمة الذي لا يُقاوم.
إنه سحر المصريين القدماء.
إنه السحر الذي لا ينتهي.
إنه السحر الذي لا يُقاوم.
سوف يظل أبد الدهر بهذا القدر من الجلال والجمال.
سوف يظل يهبنا السعادة والمتعة اللتين لا تقاومان.
تحية حب وتقدير وإعجاب لمصر القديمة الغالية وسحرها وأسرارها وحضارتها الساحرة التي لا ينضب جمالها وغموضها وعشقها وروعتها أبدًا الأبدين.
في النهاية، أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الكتاب قد نال رضا وإعجاب حضراتكم. والله الموفق والمستعان ومن وراء القصد. إنه نعم المولى ونعم النصير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
النهاية













