بقلم: د. حسين عبد البصير
أبو الهول رمز مصر
يعتبر تمثال «أبو الهول» ذاكرة الأمة المصرية وخير ممثل ومعبر عن الحضارة المصرية القديمة ورمزها الأشهر
بُنى هذا التمثال العظيم في عصر الأسرة الرابعة، عصر بناة الأهرام، في الدولة القديمة كي يكون دليلاً على انتشار الديانة الشمسية وربوبية المعبود رع، رب الشمس وصاحب السيطرة والنفوذ الممتد طوال الحضارة المصرية القديمة وإلى أفول نجمها ودخولها مرحلة النسيان.
ويربض تمثال «أبو الهول» على هضبة الجيزة كجزء أساسي من المجموعة الهرمية الخاصة بالملك خفرع كإبداع مصري أصيل وأحد التماثيل الضخمة في العالم كله؛ إذ يبلغ طوله نحو 73.5 متر وارتفاعه أكثر من 20 مترًا.
ونُحت هذا التمثال من كتلة حجرية واحدة. وتم تشكيل هذا التمثال بجسد أسد يمثل القوة ورأس إنسان يمثل الذكاء مما جعله يجمع في عبقرية فريدة بين قوة الحيوان وذكاء الإنسان الممثل لشخص ملك مصر الحاكم باعتباره ابنًا للمعبود رع، رب الشمس المقدسة.
ويغيب عن هذا التمثال ذقنه الذي يوجد بعض منه في المتحف المصري في ميدان التحرير والمتحف البريطاني في لندن. ويوجد أمام «أبو الهول» بقايا معمارية لمعبد كبير غير مكتمل. ويرجع هذا المعبد إلى عصر الأسرة الرابعة.
ويمثل التمثال الملك خفرع، باني الهرم الثاني بهضبة الجيزة. وهناك أحد العلماء ينسب التمثال لأبيه الملك خوفو، غير أن أغلب العلماء ينسبونه للملك خفرع.
وانتشرت التماثيل على هيئة «أبو الهول» في عصر الدولة الوسطى متأثرة بتمثال «أبو الهول» في الجيزة، فنجد الملك أمنمحات الثاني أمنمحات الثالث ممثلين في هيئة «أبو الهول».
وفي عصر الدولة الحديثة، انتشرت تماثيل «أبو الهول» برأس الكبش أو رأس الصقر في مقدمة معابد الأقصر والكرنك. وأقام الملك تحتمس الرابع، من عصر الأسرة الثامنة عشرة في الدولة الحديثة، «لوحة الحلم» بين مخلبي تمثال «أبو الهول» في الجيزة كي يدعم صعوده لعرش مصر بناء على اختلاقه قصة تؤكد تدعيم الإله له كي يصبح حاكم مصر المقبل آنذاك.
وغزت فكرة «أبو الهول» بلاد الشرق الأدنى القديم بعد عصر الأهرام بفترة طويلة، خصوصًا في الهيئة الأنثوية، ثم دخلت إلى بلاد اليونان بعد ذلك مما ساعد على انتشار تلك الظاهرة ذات الأصل المصري.
وربما جاءت كلمة «سفنكس» اليونانية الأصل من الكلمة المصرية القديمة «شسب-عنخ» بمعنى «الصورة الحية» والتي ترتبط بإله الشمس والملك باعتباره الصورة الحية له.
ونقل الأباطرة الرومان تماثيل «أبو الهول» المصرية إلى أوروبا لليزينوا بها معابدهم وقصورهم. واستمرت العناصر المعمارية المصرية مثل «أبو الهول» تغزو عالمنا المعاصر مما يؤكد على عظمة الحضارة المصرية وتأثيرها الشديد في البشر جميعًا قديمًا وحديثًا.
وفي النهاية، أقول، إن «أبو الهول» هو تمثال مصري عظيم يحكى قصة الحضارة المصرية القديمة عبر العصور ويوضح عظمة مصر القديمة وعظمة الإنسان المصري الذي لولاه ما تم إبداع هذه الحضارة الخالدة التي ليس لها مثيل.
تطوير هضبة أهرام الجيزة
تعتبر منطقة أهرام الجيزة من أهم المناطق الأثرية والسياحية في العالم كله إن لم تكن أهمها. ولا يوجد إنسان على وجه الأرض لا يحلم بزيارة الأهرام سواء أكان طفلاً صغيرًا أو امرأة أو شابا أو شابة أو رجلاً كبيرًا أو امرأة مسنة.
ويحضرني في هذا المقام ما قاله لي رئيس المجلس الأوروبي ورئيس وزراء بولندا السابق السيد دونالد تاسك في زيارته الأخيرة لأهرام الجيزة بأنه كان يحلم بزيارة المنطقة منذ أن كان طفلاً صغيرًا.
وكذلك عبر لي أعضاء وفد الكونجرس وزوجاتهم في زيارتهم الأخيرة لأهرام الجيزة أيضًا برئاسة النائب ستيف سكاليس بعد لقائهم مع السيد رئيس الجمهورية بأنهم كانوا يحلمون بزيارة المنطقة منذ زمن بعيد وأنهم سوف يأتون قريبا إلى مصر بلد الأمن والأمان بصحبة أحفادهم هذه المرة لزيارة أهرام مصر الخالدة وتمثال «أبو الهول» الشهير والتمتع برؤية آثارها الساحرة.
وفى الفترة الحالية، تحظى منطقة أهرام الجيزة باهتمام كبير ومستمر ومتزايد من الدولة وكل أجهزتها ووزاراتها المعنية مثل الآثار والسياحة والتنمية المحلية وغيرها وكل قياداتها كي تعود منطقة الجيزة إلى سابق عهدها وتحتل المكانة المناسبة التي تليق بها وتجعل منها قبلة السياحة العالمية، وتزيد من دخل مصر من العملات الأجنبية التي تدير عجلة الاقتصاد المصري وتحسن من معيشة ودخل المصريين مما يساهم في تحقيق برامج التنمية التي تضع الحكومة كي تحقق معدلات نمو غير مسبوق في زمن قياسي.
والنظرة الحالية للأمور تجعلنا نتفاءل بما يحدث في مصر من اهتمام غير مسبوق بالآثار ومشروعاتها الكبرى خصوصا منطقة أهرام الجيزة باعتبارها نافذة مصر على العالم ومقصد الزوار من المصريين والعرب والأجانب.
ويعد مشروع تطوير هضبة الأهرام هو المشروع الأكثر طموحًا في الآثار والأقرب للافتتاح حاليًا بعد أن بدأ منذ سنوات عدة وانتهى العمل به منذ فترة.
ومن أهم معالم المشروع تجهيز مبنى للزائرين عند مدخل طريق مصر-الفيوم، وسوف تتم زيارة المنطقة منه والدخول والخروج إليها ومنه عن طريق هذا المبنى مما يجعل زيارة وتأمين المنطقة في سهولة ويسر. وكذلك استخدام وسائل نقل خفيف تجعل من زيارة المنطقة متعة حقيقية عند افتتاح هذا المشروع في الفترة القادمة إن شاء الله، وسوف تختلف الخريطة السياحية ومسار الزيارة للمنطقة كلية، وسوف يشعر الزائرون للمنطقة بروعة وعظمة المنطقة أكثر وأكثر. وبهذا المشروع العملاق تدخل منطقة أهرام الجيزة في نطاقات السياحات العالمية المستعدة لاستقبال عدد كبير من الزائرين بجدارة.
إن الحلم الذي كان بعيدًا سوف يتحقق قريبًا في هضبة أهرام الجيزة الخالدة ليشهد التاريخ على عظمة المصريين المحدثين كما شهد على عظمة المصريين القدماء الذين شادوا حضارة يتحاكى بها القدماء والمعاصرون من زوار مصر من كل بقاع المعمورة من الشرق والغرب على حد سواء.