- لبنان لا يزال مستمرًا بفضل دعم المغتربين، الذين وقفوا إلى جانب وطنهم في أحلك الظروف.
4.5 مليار دولار “فريش” عادت إلى المصارف – لبنان يستعيد الثقة ويتهيأ لازدهار اقتصادي غير مسبوق - لبنان لا يزال مستمرًا بفضل دعم المغتربين، الذين وقفوا إلى جانب وطنهم في أحلك الظروف
- 4.5 مليار دولار “فريش” عادت إلى المصارف – لبنان يستعيد الثقة ويتهيأ لازدهار اقتصادي غير مسبوق
- على الجميع أن يقتنع بأنه لا بديل عن السلطة الشرعية. “من دون بناء دولة لا يمكن بناء وطن”.
- عهد الرئيس جوزاف عون أعاد عامل الثقة إلى الساحة الاقتصادية، خصوصًا بعد نجاحه في قيادة الجيش وتثبيت حضوره الوطني، وهو اليوم يحظى بتأييد واسع.
• اجرت الحوار مديرة مكتب بيروت : منى حسن
في ظل الأزمة المالية التي اجتاحت لبنان منذ عام 2019، والتي أدّت إلى تذويب أكثر من 80 مليار دولار من ودائع اللبنانيين، عاد الحديث بقوة عن مستقبل القطاع المصرفي، وعن إمكانية استعادة الثقة المفقودة، وفتح الباب مجددًا أمام الاستثمارات المحلية والخارجية. ومع بدء تطبيق قانون إصلاح وإعادة هيكلة المصارف، تتجه الأنظار إلى المؤشرات التي قد تعيد الأمل إلى هذا القطاع الحيوي.
واكد الأمين العام للهيئات الاقتصادية ورئيس جمعية تجار بيروت السيد نقولا شماس، الذي كشف في حوار خاص مع” الرسالة الكندية ” أن قيمة الأموال الـ “فريش” المودعة في المصارف اللبنانية بلغت 4.5 مليار دولار حتى حزيران 2025، في مؤشر واضح على بداية تعافي القطاع المصرفي واستعادة جزء من الثقة.
شماس أشار إلى أن هذه الأرقام تعكس تحوّلًا تدريجيًا في المزاج المالي العام، وتدل على أن اللبنانيين في الداخل والخارج بدأوا يعيدون النظر في علاقتهم مع المصارف، رغم الصدمة العميقة التي خلفتها الأزمة. واعتبر أن هذا التحسن لا يمكن فصله عن الجهود المبذولة لإقرار الإصلاحات، ولا عن المناخ السياسي الذي بدأ يشهد بعض الانفراجات.

وبحسب شماس، فإن المرحلة المقبلة تتطلب المزيد من الشفافية والمحاسبة، إلى جانب إجراءات عملية تعيد الاعتبار للمودعين وتضمن حقوقهم، مشددًا على أن القطاع المصرفي لا يمكن أن ينهض من دون شراكة حقيقية بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف التجارية.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن لبنان يقف عند مفترق طرق اقتصادي، حيث يمكن للثقة أن تُستعاد، وللاستثمارات أن تعود، إذا ما استكملت الإصلاحات ووجد الاستقرار السياسي.
الريادة الاقتصادية والتمثيل الوطني
نقولا شماس، رئيس جمعية تجار بيروت، يُعد واحداً من أبرز الشخصيات الاقتصادية في لبنان، يجمع بين الخبرة الأكاديمية الرفيعة والريادة العملية في القطاعين المالي والتجاري. يحمل شماس شهادات عليا من جامعات مرموقة، منها بكالوريوس في الهندسة المدنية من الجامعة الأميركية في بيروت، وماجستير من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وماجستير في إدارة الأعمال من كلية هارفارد للأعمال، حيث ركّز على الاقتصاد الدولي.
شماس يتولى عدة مناصب مؤثرة، منها الأمين العام للهيئات الاقتصادية اللبنانية، ونائب رئيس مجلس إدارة بنك سيدروس، وشريك إداري في شركة إيلي شماس وشركاه، وهي شركة عائلية تعمل في مجالات التجارة والاستثمار. كما أنه عضو في مجلس أمناء معهد MIT، وقد تم انتخابه رئيسًا لجمعية خريجي المعهد، ليكون أول لبناني وأول غير أميركي يتبوأ هذا المنصب الرفيع.
يُعرف شماس بمواقفه الصريحة والداعمة لحقوق المودعين، وقد لعب دورًا محوريًا في الدفاع عن القطاع التجاري خلال الأزمة المالية التي عصفت بلبنان منذ عام 2019. يشارك بانتظام في المؤتمرات والندوات الاقتصادية، وله ظهور إعلامي متكرر على القنوات اللبنانية والعربية، حيث يطرح رؤى واضحة حول مستقبل الاقتصاد اللبناني، ويشدد على أهمية إعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة الثقة.
من أبرز إنجازاته الأخيرة، قيادته لمبادرات تهدف إلى تحفيز الاستثمار في لبنان، خاصة بعد انتخاب الرئيس جوزف عون، الذي يعتبره شماس عاملًا إيجابيًا في تعزيز الثقة بالبلد. كما يروّج لفكرة أن لبنان لا يزال أرضًا خصبة للاستثمار، ويدعو المغتربين إلى إعطاء وطنهم فرصة ثانية، مؤكدًا أن الحركة الاقتصادية بدأت تعود تدريجيًا، وأن الأسواق التجارية في بيروت تشهد انتعاشًا ملحوظًا.

شماس يؤمن بأن الأزمة التي يمر بها لبنان هي أزمة بحجم بلد، وليست أزمة مصرفية فقط، ويشدد على ضرورة تحمّل الدولة والمصرف المركزي لمسؤولياتهما. كما يثمّن وصول الحاكم الجديد لمصرف لبنان، كريم سعيد، الذي يحمل رؤية جديدة تعترف بأموال المودعين وتضع أسسًا للمحاسبة.
في ظل كل هذه التحديات، يواصل نقولا شماس العمل بلا كلل، مؤمنًا بأن لبنان قادر على النهوض من جديد، إذا ما توفر الاستقرار السياسي، مؤكدًا أن الازدهار الاقتصادي سيكون غير مسبوق. إن انتخابه رئيسًا لرابطة خريجي MIT هو شهادة عالمية على كفاءته، ودليل على أن لبنان لا يزال يصدر الطاقات المتميزة إلى العالم، ويحتضن من هم قادرون على تحقيق الإنجازات من قلب بيروت إلى أقاصي الدنيا.
تفاصيل الحوار:
■ أزمة بحجم وطن لا مصرف… والمودعون سيستعيدون حقوقهم تدريجيًا
في حديثه لـ للرسالة الكندية “، أوضح رئيس جمعية تجار بيروت والأمين العام للهيئات الاقتصادية، نقولا شماس، الفرق الجوهري بين خسائر المساهمين وخسائر المودعين في ظل الأزمة المالية التي ضربت لبنان منذ عام 2019.
فبحسب شماس، فإن أموال المساهمين لن تعود، كونهم يتحملون المخاطر المرتبطة بالملكية والاستثمار، بينما المودعون يمكن أن يستعيدوا نسبة مرتفعة من أموالهم، لأنهم أصحاب حقوق مالية وليست استثمارية. هذا التمييز أساسي لفهم طبيعة الأزمة، التي وصفها شماس بأنها “نظامية”، أي أنها تتجاوز العلاقة الثنائية بين المصرف والمودع، وتمتد لتشمل الدولة والمصرف المركزي.
شماس شدد على أن صندوق النقد الدولي حاول تصوير الأزمة وكأنها نزاع بين المصرف والمودع، وهو توصيف خاطئ، لأن الأزمة بحجم بلد، وليست بحجم مصرف. وبالتالي، فإن المسؤولية تقع أولًا على الدولة، ثم على المصرف المركزي، وأخيرًا على المصارف التجارية.
وأكد أن الهيئات الاقتصادية وجمعية تجار بيروت لعبت دورًا محوريًا في توضيح هذا المفهوم للرأي العام، في الداخل والخارج، بهدف إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي، وفتح الطريق نحو الحلول الواقعية التي تحفظ حقوق المودعين وتعيد التوازن إلى النظام المالي اللبناني.
■ لبنان لا يزال مستمرًا بفضل دعم المغتربين
اكد رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس لـ “الرسالة الكندية “أن لبنان لا يزال مستمرًا بفضل دعم المغتربين، الذين وقفوا إلى جانب وطنهم في أحلك الظروف. وقال شماس: “نعم، ونشكرهم ألف مرة”، مشددًا على أن مساهماتهم المالية والمعنوية كانت ولا تزال ركيزة أساسية في صمود الاقتصاد اللبناني.
ودعا شماس المغتربين إلى إعادة الثقة بهذا البلد، معتبرًا أن لبنان، رغم الأزمات المتلاحقة، يبقى أرضًا خصبة للاستثمار، وحالة فريدة في قدرته على النهوض من تحت الركام. وأضاف أن المرحلة المقبلة تتطلب شراكة حقيقية بين الداخل والانتشار، لإعادة بناء ما تهدّم، وتحقيق النمو المنشود.
■ هل هناك تمييز بين المودع المقيم والمغترب؟
لا تمييز. الجميع سيأخذ حقوقه تدريجيًا. والمغتربون لديهم عاطفة كبيرة تجاه لبنان، وندعوهم لإعطائه فرصة ثانية. لبنان واجه أزمات كبيرة: كورونا، انفجار المرفأ، الحروب، ومع ذلك استمر. إنه حالة فريدة في العالم.
■ كيف ترون أداء مصرف لبنان؟
رحبنا بوصول الحاكم كريم سعيد، لأنه يحمل رؤية جديدة تقول إن المصرف المركزي لديه ديون يجب أن يردها للقطاع المصرفي، وهي ودائع المودعين. المطلوبات والموجودات تعني أن هناك اعترافًا من أعلى سلطة نقدية بأموال المودعين. بعد الاعتراف، تأتي المسؤولية: الدولة أولًا، ثم المصرف المركزي، ثم المصارف.
■ ما هي الأفكار المتداولة بشأن المودعين؟
بدأنا العمل مع أصحاب الحسابات التي تبلغ 100 ألف دولار وما دون، وتشمل 85% من المودعين. أما الفئة الثانية، فقد تحصل على أسهم في المصارف أو سندات خزينة مدعومة من مصرف لبنان، الذي يملك أصولًا وذهبًا واحتياطًا.
■ كيف تقيّمون عهد الرئيس جوزاف عون من الناحية الاقتصادية؟ وهل هناك توجه فعلي نحو الاستثمار؟
عهد الرئيس جوزاف عون أعاد عامل الثقة إلى الساحة الاقتصادية، خصوصًا بعد نجاحه في قيادة الجيش وتثبيت حضوره الوطني، وهو اليوم يحظى بتأييد واسع. هذا المناخ الإيجابي انعكس على القطاع المالي، حيث ارتفعت قيمة الأموال الـ “فريش” المودعة في المصارف اللبنانية إلى 5.4 مليار دولار، وهو مؤشر واضح على تجدد الثقة من قبل المودعين في الداخل والخارج. هذه الأموال محفوظة في المصارف المراسلة، وتتمتع بحماية قانونية تمنع الدولة اللبنانية من استخدامها، ما يعزز الشعور بالأمان لدى أصحابها.
أما على صعيد الاستثمار، فهناك تفكير جدي من قبل المستثمرين بالعودة إلى لبنان، وأنا أنصحهم بذلك، لأن الأصول فقدت الكثير من قيمتها، من السندات إلى الأسهم والعقارات، مما يجعل لبنان اليوم أرضًا خصبة للاستثمار، وفرصة حقيقية لمن يسعى إلى بناء مشاريع طويلة الأمد في بيئة بدأت تستعيد توازنها.
■ هل تتأملون بعودة المستثمرين العرب؟
نعم، بعد رفع الحذر عن الإماراتيين الذين زاروا لبنان في عيد الفطر. أما في عيد الأضحى، فقد قل عددهم بسبب العدوان الإسرائيلي على الضاحية. الجائزة الكبرى للبنان ستكون عند رفع الحذر عن السعوديين.
■ هل لعودة السعوديين إلى لبنان علاقة بالسياسة والاستثمار؟
بالتأكيد، فجزء كبير من هذا الملف يرتبط بالسياسة. عندما يتم حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، كما ورد في البيان الوزاري، فإن ذلك يبعث برسائل طمأنة إلى الداخل والخارج، ويعزز مناخ الثقة الضروري لأي استثمار. نحن نسير على الطريق الصحيح، وقد عرض قائد الجيش خطة واضحة في مجلس الوزراء، واليوم يمكن القول إن حصرية السلاح أصبحت بيد الجيش اللبناني بنسبة 90%، وهو تطور جوهري في مسار استعادة السيادة وتعزيز الاستقرار.
■ هل أنتم متفائلون بالوضع الاقتصادي؟
أنا متفائل بحذر، لأن العامل الإقليمي هو الطاغي. لا سمح الله، قد يحصل عدوان جديد، لكن الهيئات الاقتصادية عبدت الطريق لاستثمارات مربحة. لدينا كل الدراسات، وصمدنا على الصعيد الاقتصادي الجزئي والقطاعي. أقل تاجر رمم مؤسسته 7 مرات بسبب الحروب. نحن مؤمنون بهذا البلد.
■ ما هي خطواتكم المقبلة؟
نهار الجمعة المقبل، سيتم إعادة افتتاح الأسواق التجارية في الوسط التجاري في سوليدير، وهناك عشرات المحلات الجديدة في بيروت. نواكب كل التطورات، ونريد الأمن والاستقرار. الفنادق والمطاعم والمحال التجارية تعود تدريجيًا. بقينا في محلاتنا حتى من دون تمويل مصرفي، وسنبقى ونستثمر من أجل النموذج الاقتصادي اللبناني.
■ ما هي رؤية جمعية تجار بيروت على المدى القريب؟
رؤية الجمعية ترتكز على العمل المتواصل رغم التحديات الكبيرة التي نواجهها في علاقتنا مع الدولة، من زيادة الضرائب إلى مشاكل الضمان وتأخير المعاملات الجمركية. نحن نعمل بشكل جماعي على مستوى جميع القطاعات، مع التأكيد أن القطاع التجاري يشكل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني.
فنحن الأكثر مساهمة في الناتج المحلي، والأكثر دفعًا للضرائب، والأكثر توفيرًا لفرص العمل. لذلك، نحرص على أن تبقى الجمعية في موقع المبادرة، مدافعة عن مصالح التجار، ومواكبة لكل التطورات التي من شأنها أن تعزز الاستقرار الاقتصادي وتفتح آفاق النمو.
■ الكلمة التي توجهها إلى الاغتراب اللبناني في ظل الأزمة المصرفية؟
أفهم الصدمة التي أصابت الاغتراب اللبناني، لأن ما حصل في القطاع المصرفي هو كارثة. قبل 17 تشرين، كانت الأجواء توحي بالانحدار، وكنا نعيش نفسيًا هذا التدني المستمر. أما المغتربون الذين يزورون لبنان مرة في السنة أو أقل، فقد تفاجأوا، والبنك الدولي صنّفها كثالث أكبر أزمة خلال 150 سنة.
لكننا تخطينا جزءًا كبيرًا من الصعوبات، ولا يوجد مصرف خارج الخدمة حاليًا. الأزمة هي أزمة سيولة وليست ملاءة، والمساهمون مستمرون رغم الخسائر، وهذا يدل على إيمانهم بالقطاع.
■ ما هي كلمتك الأخيرة؟
على الجميع أن يقتنع بأنه لا بديل عن السلطة الشرعية. “من دون بناء دولة لا يمكن بناء وطن”. نحن نستشعر أن الأمور تتجه بالاتجاه الصحيح، وإذا وجد الاستقرار السياسي، سيرون ازدهارًا اقتصاديًا لا مثيل له في العالم.
■ تهنئة خاصة من “الرسالة الكندية “
مبروك لرئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، الذي تم انتخابه رئيسًا لرابطة خريجي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة، ليكون بذلك أول لبناني وأول غير أميركي يتبوأ هذا المنصب الرفيع.
اختياره جاء تقديرًا لدوره الريادي في الاقتصاد اللبناني، وحماية مصالح بيروت تجاريًا، ومساهمته في المنافسة الإقليمية.
من خلال هذا المنصب، سيحمل شماس راية لبنان عاليًا، ويعكس الصورة الحضارية لهذا البلد عبر شخصية مثقفة، متعلمة، ناجحة، وقادرة على إظهار الوجه المشرق للبنان.
هذا هو النموذج الذي نريده لوطننا… لبنان يصدّر الطاقات، والموجودون فيه قادرون على التميز وتحقيق الإنجازات من هذا البلد الصغير إلى أقاصي الدنيا.
أسرة “الرسالة الكندية ” تهنئ السيد نقولا شماس على هذا الإنجاز، وتتمنى له التوفيق في مهامه، ليكون صورة لبنان المشرقة على الصعيدين العلمي والاقتصادي.